إلى مجلس الوزراء: انتشار الداء... لا يبرر غياب الدواء

نشر في 10-12-2024
آخر تحديث 09-12-2024 | 20:40
 د. جنان محسن بوشهري

منذ الانتقال المؤقت لسلطة المؤسسة التشريعية إلى مجلس الوزراء، كان التحدي الأكبر للسلطة التنفيذية إحداث تغيير في حاضر الوطن يحقق ازدهاراً ونمواً لمستقبله، والرهان الأهم تحسين ظروف بيئة الأسرة الكويتية اليوم لتكون قادرة على رعاية أجيال الغد، والآمال تتطلع لنهضة تشريعية شاملة تعوض عقوداً من عمر البلاد، تاهت بين اصطفافات وصراعات سياسية، واستقطابات أضرت بشدة المصالح الوطنية وخدمت بقوة المصالح الخاصة.

واليوم، وبعد مضي أشهر على الوضع الاستثنائي، فإن المسؤولية الوطنية والدستورية تستلزم إبداء الرأي في الواقع والأداء الحكومي، نقداً وإشادة، نصحاً ومشورة، فهذه واجبات نص عليها الدستور في بابيه الثاني والثالث، المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي والحقوق والواجبات العامة.

لقد وضع سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه، في خطاباته السامية خارطة طريق واضحة المعالم صريحة التوجيه، بينت محطاتها العناوين والمتطلبات، مما يستوجب على الحكومة النهوض بمسؤولياتها التنفيذية والتشريعية، بترجمة خريطة العمل السامية إلى برنامج عمل حكومي واضح ومعلن، أساسه الدستور وتطلعات القيادة السياسية وآمال الشعب، فالدولة كيان لا تستقيم أحواله بتحركات فردية ولا بإنجازات أحادية شكلية.

ورغم التعديلات الوزارية المتعددة، والوضع الاستثنائي، فإن الشعور العام يفتقد التواجد الحكومي في محيطه، ولم يملأ فراغاً خلفه التعطل المؤقت للمؤسسة البرلمانية، فكل القضايا وأسبابها، والإشكالات وعواقبها، لا تزال قائمة ومستمرة، ولا يبرر حجم انتشار الداء في جسد الوطن غياب التشخيص والدواء.

وإذا كانت المجالس النيابية - برأي الحكومات - عائقاً في إقرار وتنفيذ التشريعات التنموية لمواكبة التطورات الحياتية والإقليمية والدولية، فبعد انتقال سلطة التشريع إلى مجلس الوزراء، لا عذر مقبولاً لاستمرار المشروعات بقوانين المقدمة في برامج العمل الحكومي السابقة معطلة ومهملة، ولا جدوى من تحرير القوانين من أدراج اللجان البرلمانية وسجنها في غرف الجهات الحكومية، ولا قيمة لإعادة اختراع التشريعات في زمن لم يعد فيه ترف الوقت قائماً، والتحرك الحكومي اليوم يجب أن يكون بمستوى سرعة إنجاز قانونَي المرور وإقامة الأجانب، ولكن دون تجاوز متطلبات الكفاءة التشريعية وقدرة الأجهزة التنفيذية.

بيد أن ضبابية المشهد الحكومي وانعدام الرؤية التنفيذية والتشريعية يخترقهما ضوء التحرك الإيجابي في ملف حماية الهوية الوطنية ضد حالات التزوير والغش التي كشفها النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف، وهذه الحالات المدمرة لنسيج المجتمع قادت إلى إجماع يشدد على ضرورة مكافحة «المواطنة المزورة»، وإحالة كل مَن قاد وساهم وساعد في التزوير للسلطة القضائية لتأخذ العدالة مجراها.

إلا أن هذا الضوء كشف أخطاء قانونية وإجرائية جسيمة امتدت على مدى عقود في منح الجنسية الكويتية ارتكبتها الأجهزة الحكومية، فهي لم تعترف بتصويت مجلس الأمة في يوليو 1995 برفض مرسوم الضرورة بتعديل قانون الجنسية الصادر عام 1987 استناداً إلى أحكام دستورية، وفي الوقت ذاته منحت الجنسية الكويتية طوال السنوات السابقة للآلاف من الأشخاص بقرارات لا بمراسيم، بالمخالفة للموقف الرافض لتصويت مجلس الأمة آنذاك، دون اعتبار للتشريع القائم الصحيح وفق حكم المحكمة الدستورية.

وإن كانت المعالجة القانونية مطلوبة، فعلى الحكومة الحالية أن تضع في الحسبان مسؤولية الحكومات السابقة وأجهزتها في ارتكاب الأخطاء الإجرائية الجسيمة، وبات مؤكداً أن هناك العديد من الحالات غير المستحقة حصلت على الجنسية نتيجة صفقات سياسية واعتبارات مالية ومادية غير مرتبطة بالانتماء للوطن، إلا أنه من المؤكد أيضاً أن هناك حالات أخرى التزمت نصاً بمتطلبات قانون الجنسية وفي المقابل لم تلتزم الحكومات السابقة بصحيح التشريع، مما يتطلب التعامل معها بطريقة تحفظ حقوق الدولة واستقرار كيانات الأسر الكويتية وتماسكها.

ختاماً، المحاسبة والإصلاح والتنمية خطوط متوازية تتطلبها الدولة لديمومتها وينتظرها الشعب لرفاهيته، ولا يمكن التنازل عن أي منها حتى لا تختل المعادلة، والمسؤولية اليوم بيد الحكومة منفردة، كما هي مسؤولية الشعب في الرقابة وإبداء الرأي.

back to top