النصر البيروسي أقرب إلى الهزيمة

نشر في 06-12-2024
آخر تحديث 05-12-2024 | 20:30
 نادين الفقيه

النصر البيروسي (Pyrrhic Victory) هو مصطلح عسكري يرمز إلى الانتصار الذي يكلّف صاحبه ثمناً باهظاً ويجعله يتكبّد خسائر فادحة الى حد أن المنتصر يخرج من الحرب أسوأ مما كان عليه قبلها، ومع الخسائر التي تحقّقت فهو ليس نصراً حقيقياً بل يرقى إلى درجة الهزيمة، أمّا التسمية فتعود إلى بيروس الأبيري ملك إبيروس وهي دولة يونانية قديمة، حارب بيروس الرومان وانتصر عليهم سنة 279 قبل الميلاد ولكن بشق الأنفس، وخسر معظم جيشه لتحقيق هذا الانتصار مما أدى إلى إنهاء حملته، وبالتالي فإن انتصاره يلغي أي شعور حقيقي بالإنجاز.

وبحسب المؤرّخ بلوتارخ، قال الملك بيروس لشخص كان يهنئه بالنصر: «إذا انتصرنا في معركة أخرى مع الرومان، فَسَنُسحق تماماً»، فقد خسر أكثر من 7 آلاف جندي وأصبح جيشه منهكاً وما زال الملك بيروس غير قادر على فرض سيطرته بينما ما زالت روما صامدة، وبالنتيجة انسحب الملك بيروس بعد ذلك بأشهر وعاد خاسراً مع ما تبقى من جيشه إلى اليونان، فلم يستحق هذا النصر كل ذلك العناء بسبب ضياع الكثير من أجل تحقيقه.

وممّا لا شك فيك أن التاريخ يحوي العديد من النماذج المشابهة للنصر البيروسي، حيث نرى مهزوماً فرحاً بانتصاراته، مع العلم أن هذا النصر قد أتى ساحقاً على المنتصر أكثر من على المهزوم، مثل الحرب بين جيوش نابوليون والجيوش الروسية حينما توجّه نابوليون لاحتلال موسكو، وحصلت معركة بين الجيشين عند قرية صغيرة انتصر فيها نابوليون، لكنه حين ذهب إلى أرض المعركة وجد أن الجيش الفرنسي قد خسر أكثر من 30 ألف جندي بينما خسر الجيش الروسي 10 آلاف جندي، ولما قرر نابوليون التراجع لم يسلم من الشتاء الروسي القارس ولا من الجيش الروسي نفسه، وانتهى به المطاف إلى خسارة 400 ألف جندي في تلك الحرب.

وبالرغم من أنه مصطلح عسكري، فهنالك الكثير من الأمثلة الحياتية والاجتماعية على النصر البيروسي، ففي التراث الشعبي الأميركي نجد قصة معبّرة عن عامل حفر كان قلقاً أن يخسر وظيفته مع بدء الاعتماد على آلات الحفر الحديثة، فتحدى آلة الحفر أمام جمع من الناس، وبالفعل أتت النتيجة مبهرة، ففي التحدي وصلت آلة الحفر لعمق 3 أمتار، أمّا العامل فقد وصل لعمق 4 أمتار، ووسط تهليل الجميع، سقط العامل ميتاً من شدة الإرهاق، وهكذا فإن عامل الحفر قد انتصر على الآلة، لكنه خسر حياته.

وخلاصة القول، ليس بالضرورة أن كل من يدّعي الانتصار قد انتصر بالفعل، بل إن انتصاراته قد أتت له بالهزائم، وإن من يدّعي الانتصار قد يكون في طريقه إلى الانهيار، خاصةً أننا نرى من حولنا من يدّعون أنهم منتصرون وذلك كنوع فقط من المكابرة وحفظ ماء الوجه، وليتمكنوا من الاستمرار والعودة، وإقناع جماعتهم بالموت في سبيل قضيتهم، خاصة أنهم لا يملكون أي شيء ليقدموه لهم إلا هذا النصر البيروسي الباهظ، الذي يأتي دفاعاً عن الأيديولوجيات التي ينادون بها والتي غالباً ما تحصد الكثير من الأرواح والخسائر المادية والمعنوية التي لا تعوّض.

وختاماً وكما قال الكاتب باولو كويلو «لا تخجل من انسحاب مؤقت من ساحة المعركة في حال كان العدو هو الأقوى، فالعبرة ليست في المعركة ذاتها، ولكن في ما تسفر عنه نهاية الحرب».

back to top