هل ما حدث في لبنان عادي؟
في كل مرة تتعرض فيها الشعوب للتهجير والقهر، يُعاد السؤال ذاته: هل ما حدث يمكن أن يكون عاديًا؟ هل يمكن أن تمر مأساة كالتي شهدها أهل الجنوب اللبناني تحت ستار «التطهير» و«الأمن»، كما تدّعي إسرائيل، دون محاسبة أو تساؤل؟
أن يتم تهجير الآلاف من بيوتهم تحت قصف عشوائي لا يميز بين طفل وشيخ، وبين منزل ومأوى، ثم يُمنحون إفراجًا مشروطًا بالعودة إلى أطلالهم وكأنهم قطع شطرنج تُحرك بتصريح، أمر يثير كل الغضب والتساؤل: كيف يمكن لأحد أن يتخيل أن الألم، والخسارة، والدمار الذي شهدته تلك الأرض سيُنسى أو يُغفر ببساطة؟
تتجلى الصورة الأشد استفزازًا حين يظهر «كبير القوم»، وكأنه بطل المسرح، يعلن انتهاء الحرب على لبنان، القرار بيده وحده، الحرب تبدأ وتنتهي بإشارة منه، وكأن الأرواح التي أُزهقت والمنازل التي دُمرت مجرد أرقام في لعبة سياسية لا تعنيه، يعلن «النصر» وكأن العالم بأسره يدين له بالفضل، في حين يعود اللبنانيون إلى رماد منازلهم، وذكرياتهم المحطمة، متسائلين عن معنى النصر إن كان على حساب كرامتهم وحياتهم.
ماذا عن الذين فقدوا حياتهم تحت الأنقاض؟ عن الأيتام؟ عن الذين دفنوا أحبابهم دون أن يتمكنوا حتى من الوداع؟ ماذا عن المنازل التي تحولت إلى أطلال؟ هل يُتوقع من هؤلاء أن يعودوا ليعيشوا على أنقاض بيوتهم وكأن شيئًا لم يكن؟ وهل يمكن أن تُمحى الذكرى المؤلمة بهذه السهولة؟ كيف يُنسى القصف والوجع، وأصوات الصواريخ التي زرعت في النفوس خوفًا لا يبرى ولا يندمل؟
كيف يمكن أن يشعر الإنسان بالانتماء إلى وطن يُجبر فيه على المغادرة بتصريح، ويُسمح له بالعودة أيضًا بتصريح، وكأن الأرض التي ولد عليها، وعاش فيها ذكرياته، ليست إلا محطة عابرة أو رقعة مؤقتة؟
مهما حاول أبالسة التاريخ كتابة فصول الرواية، فالحقيقة لن تخفى! والذكرى الموجعة ستبقى، وستتحول إلى قوة كما يدرسنا دومًا اللبنانيون. والأرض التي شهدت القهر ستنهض من جديد، والعدالة ستأتي يومًا لتعيد الكرامة والوطن! اللهم أيامًا جميلة تمحو الألم، وبدل الشمس بتضوي شموس، على أرض الوطن المحروس، سنتلاقى يوما ما!