ميسي ومارادونا... «ديجا فو»!

نشر في 18-12-2022
آخر تحديث 17-12-2022 | 20:48
لوحة جدارية تجمع مارادونا وميسي في العاصمة الأرجنتينية «بوينس آيرس»
لوحة جدارية تجمع مارادونا وميسي في العاصمة الأرجنتينية «بوينس آيرس»

36 عاماً مضت منذ آخر مرة هيمنت فيها الأرجنتين على المونديال، كان ذلك في المكسيك عام 1986، بقيادة الأسطورة الخالدة دييغو أرماندو مارادونا، أشهر من حمل رقم 10 مطبوعاً على ظهر قميصه.

ويتكرر التاريخ بحذافيره مجدداً في قطر 2022 مثل «ديجا فو» (مصطلح فرنسي يعني سبق الرؤية) مع وجود أسطورة أرجنتينية أخرى، ليونيل ميسي، مرتدياً قميص الحسم والقيادة فيما يخوض نهائي كأس العالم وفي جعبته خمسة أهداف وصناعة ثلاثة أخرى على مدار ست مباريات.

ميسي في قطر 2022 يحمل نفس جينات مارادونا في المكسيك 1986

لم يكن ميسي قد وُلد بعد فيما كان يكتب مارادونا فصلاً باسمه في كتاب تاريخ كرة القدم خلال مونديال المكسيك 1986 حين كان يقود «الألبيسيليستي» ويحرز أهدافاً لا تُمحى من الذاكرة، وتتجاوز كل حدود المعقول، مثل ذلك الهدف الخرافي حين راوغ المنتخب الإنكليزي بالكامل تقريباً دون أن يتمكن أحد من إيقافه، ويختتم تلك الهجمة بهدف لا تسقط روعته بالتقادم في شباك إنكلترا (2-1) خلال لقاء الفريقين بربع نهائي تلك النسخة من المونديال.

يحمل ميسي في قطر 2022 نفس جينات مارادونا في المكسيك 1986، روح القيادة والمسؤولية وحتى الضغط نفسه الواقع على نجمين من الطراز العالمي داخل الملعب. بل يتشاركان في قصر القامة كذلك، كان طول مارادونا 1.67 متر، أقصر بسنتيمترات معدودة من ابن روساريو، الذي تبلغ قامته 1.70 متر. وهما أعسران أيضاً، رغم إجادتهما اللعب بكلتا القدمين. والاثنان لا غبار عليهما بالطبع.

الملحمة مع الأرجنتين

تتحدَّث الأرقام عن نفسها، لتسرد قصة مارادونا والملحمة التي سطَّرها مع الأرجنتين. من دونه لم يكن «الألبيسليستي» ليذهب أبعد من دور المجموعات. منح مارادونا زميله خورخي فالدانو تمريرتين سحريتين أحرز منهما هدفين، وثالثة لأوسكار روجيري كي يفوز الأرجنتينيون 3-1 على كوريا الجنوبية، وأمام بلغاريا صنع الهدف الثاني، الذي حمل توقيع خورخي بوروتشاغا، ثم أحرز هدفاً في شباك إيطاليا، ليدرك «الألبيسليستي» التعادل بعد التأخر بهدف أليساندرو ألتوبيلي، لينتزع الفريق صدارة المجموعة الأولى، بعد أن كان في الوصافة.

وكما كان مارادونا فارقاً مع الأرجنتين، فعل ميسي الشيء ذاته خلال دور المجموعات من قطر 2022. لم يستأثر لنفسه بإحراز الأهداف، سوى ذلك الذي هز به شباك السعودية (1-2) في أول جولة. وحتى بعد الهزيمة من الفريق العربي، أظهر حس القيادة، بعد تصاعد حدة الضغط وثقل الخوف من الفشل، قبل أن يفك شيفرة دفاعات المكسيك بهدف (64)، ثم أهدى إنزو فرنانديز تمريرة الهدف الثاني (87).

وحتى بعد تجاوز دور المجموعات والوصول إلى الأدوار الإقصائية، حيث لا مجال للخطأ، أثبت مارادونا وميسي أنهما ينتميان إلى فئة خاصة من اللاعبين. مارادونا في المكسيك 1986 وميسي في قطر 2022. أحرز مارادونا أربعة أهداف وصنع هدفاً بين ثُمن النهائي إلى المباراة الفاصلة، وسجَّل ميسي ثلاثة أهداف (منها اثنان من نقطة الجزاء)، وصنع هدفين منذ الفوز 2-1 على أستراليا حتى التغلب على كرواتيا 3-0 في نصف النهائي.

المكسيك 1986

الزمان: المكسيك 1986، ربع النهائي. المكان: ملعب أزتيكا. بعد انتصار عصيب 1-0 على أوروغواي في ثُمن النهائي بهدف بدرو باسكولي، كانت الأرجنتين بصدد اختبار قوي ومواجهة حساسة جداً أمام إنكلترا. أربع دقائق فحسب كانت هي كل ما يحتاجه مارادونا كي يصعق شباك الإنكليز بهدفه الأول والأشهر في التاريخ بيده، أو ما أطلق عليه لاحقاً لقب «يد الرب» في الدقيقة 51، ثم هدفه الثاني الرائع الذي مر فيه من جميع لاعبي إنكلترا تقريباً، قبل أن يُودع الكرة داخل الشباك وسط ذهول الكل.

وتكررت ثنائيات مارادونا مجدداً في نصف النهائي أمام بلجيكا (52) و(63)، ليضع منتخب بلاده في النهائي على مسافة خطوة واحدة من اللقب. وفي المباراة النهائية كان يوم 29 يونيو 1986 شاهداً على تفرد ابن مدينة لانوس، فبعد تقدم الفريق اللاتيني بثنائية، تدرك ألمانيا الغربية التعادل بهدفي كارل هاينز رومنيغه ورودي فولر في الوقت القاتل (74) و(82) على الترتيب، لكن مارادونا أبى حتى لعب الوقت الإضافي، وبدأ الهجمة التي أنهاها خورخي بوروتشاجا في مرمى الحارس الألماني شوماخر (85).

ليونيل أظهر حس القيادة بعد تصاعد حدة الضغط جراء الهزيمة من السعودية

وضع مارادونا بصمته على 10 من إجمالي 14 هدفاً سجلتها الأرجنتين في مونديال 1986 بواقع 71 في المئة، ليصبح بالتالي عنصراً حاسماً في خمسة من سبعة لقاءات خاضها الفريق في المونديال، سواء من حيث إحراز أو صناعة الأهداف التي منحت الأرجنتين فرصة التقدم أو حسمت النتيجة لمصلحتها. فعل ميسي نفس الأمر، حتى الآن، في ثمانٍ من إجمالي 12 مناسبة بمعدل 66 في المئة.

فقد أحرز ميسي الهدف الأول للأرجنتين بمرمى أستراليا (2-1) في ثُمن النهائي، ولولاه لكان الفوز تأخر كثيراً، أو ربما تغيَّر سير المباراة تماماً. وفي مواجهة هولندا خلال دور ربع النهائي، أكد «البرغوث» أهميته، بتمريرة سحرية لناويل مولينا، الذي وضع الأرجنتينيين في المقدمة، قبل أن يسجل ليو الهدف الثاني من ضربة جزاء. وأثناء نصف النهائي أمام كرواتيا، افتتح ابن روساريو التسجيل بهدف أول من ضربة جزاء أيضاً، وصنع الهدف الثالث، الذي حمل توقيع خوليان ألفاريز، فضلاً عن مشاركته في الهجمة المرتدة التي جاء منها الهدف الثاني.

وإجمالاً، وبالمقارنة بين مارادونا بالمكسيك 1986 وميسي في قطر 2022، يتساوى الاثنان تقريباً في محاولات التسديد على المرمى (4.25 مرات للمباراة لميسي، و4.29 مرات لمارادونا)، لكن من حيث المساهمات الهجومية وتوزيع الكرة، فإن الكفة تميل لمصلحة دييغو، خصوصاً فيما يتعلق بالمراوغات، بواقع 12.86 مراوغة للمباراة الواحدة، مقابل 3.93 لميسي، ومعدل نجاح تلك المراوغات (7.57 لمارادونا، مقارنة ب 2.36 لميسي). لكن الأخير يتفوق من حيث عدد محاولات المراوغة، رغم ذلك فإن نسبة نجاحه في ذلك أقل.

تفوق في التمريرات

ويتفوق ميسي على مواطنه حتى الآن في عدد التمريرات خلال مونديال قطر بمعدل 39.18 محاولة تمرير لكل لقاء، مقابل 29.86 محاولة لمارادونا أثناء مونديال المكسيك 1986، لكن نجم الثمانينيات والتسعينيات يمتاز من حيث التمريرات الحاسمة، بواقع 3.86 لكل مباراة، مقابل 2.83 تمريرة حاسمة لميسي. كما أن مارادونا فاز في الصراع على الكرة بمعدل 17.86 مرة، مقارنة ب 6.45 مرات لميسي الآن.

ساهم في 66% من أهداف الأرجنتين ال 12 بهذا المونديال حتى الآن

يُعد «قطر 2022» هو خامس مونديال يخوضه ميسي منذ أول ظهور له في ألمانيا 2006 وكان عُمره وقتها 18 عاماً، ويقترب من ال 19 تحت إمرة خوسيه بيكرمان، لكن الفريق ودَّع البطولة من ربع النهائي، وفي جنوب إفريقيا 2010 لم يستطع «الألبيسيليستي» تجاوز ربع النهائي أيضاً، بعد الخسارة الكبيرة 4-0 على يد ألمانيا، وفي البرازيل 2014 اضطر ميسي ورفاقه للقبول بالوصافة، بعد الخسارة في النهائي أمام ألمانيا مرة أخرى 0-1 بهدف ماريو غوتزه، وخرج المنتخب اللاتيني من المونديال الروسي في 2018 من ثُمن النهائي بنتيجة 3-4 لفرنسا، التي توجت باللقب لاحقاً، والتي تجمعه بها مباراة النهائي اليوم (الأحد) في ملعب لوسيل. خاض ميسي جميع المباريات كاملة (570 دقيقة).

أما بالنسبة لمارادونا، فقد كان «المكسيك 1986» هو ثاني مونديال له، بعد إسبانيا 1982 حين شارك في خمسة لقاءات على الأراضي الإسبانية، قبل أن ينفجر في النسخة التالية، ويتخطى كل التوقعات منذ المباراة الأولى في دور المجموعات وحتى المباراة النهائية. خاض 630 دقيقة أساسياً.

كان مارادونا هو الفارق الذي نقل الأرجنتين إلى منصة التتويج، فهل يجسِّد ميسي ملحمة مارادونا 1986؟

back to top