لنا الحياة... ولك المساجد
أتابع عددا من كبار الكتاب العلمانيين، تعجبني كتاباتهم في بعض الأحيان، إلا أن أفكارهم في كثير من الأحيان تجنح، وخصوصا فيما يتعلق بشيطنة رجال الدين وتسفيه أفكارهم وربطهم دون تخصيص أو تحديد بفكرة استخدام الدين لتحقيق مكاسب دنيوية، وطرحهم لذلك بصورة واسعة أدت إلى اختلاط الأمور على الناس، وتجاوز الأمر فكرة انتقاد نهج شخصي إلى التشكيك في النوايا، ثم الطعن في أصول الدين.
ولا أرى في كل هذه الكتابات إلا محاولات مستميتة لإبعاد الجيل الجديد عن دينه بشتى الطرق، فلماذا يا كتابنا تريدون ذلك، ولماذا تصرون على حمل وزر المشاركة في حمل راية تلك الأفكار؟
فهذا أحدهم يكتب مقالا منتقدا السياسات التعليمية في البلدان العربية المستمرة في تدريس المناهج الدينية في مدارسها، ويؤكد أن دراسة كتب الغرب بفلسفتها الحياتية واتجاهاتها العصرية (المستنيرة) أكثر فائدة للأجيال الجديدة من دراسة الكتب الدينية التي لا جدوى منها بحد وصف الكاتب سوى إعداد دارسيها لدخول الجنة!
ورغم أن من أتابع من هؤلاء الكتّاب العرب قد وصل إلى مرحلة أرذل العمر، وهي مرحلة منتهى الخبرات وخلاصة التجارب، فإن محصلة خبراتهم الفكرية التي يقدمونها للناس ما زالت تنطلق من قاعدة أن «لله المساجد يعبد فيها كيفما يشاء، أما خارج المسجد فمثله مثل الحياة الخاصة للأفراد التي يحظر القانون التدخل فيها أو تقييد حرياتها».
وعلى هذا النهج، يشكك كاتب آخر في أن الله حرّم الخمر بحجة أن القرآن لم يذكر ذلك فيما فصل من محرمات، بانيا على ذلك فرضية أن الله فوض ولي الأمر ليتخذ قراره في مسألة تحريم الخمر أو إباحته وفقا لما تقتضيه الظروف الاقتصادية في بلده!
وتماشيا مع قاعدة كتّابنا العلمانيين، ولأن الله سبحانه لم يحدد صراحة في كتابه الكريم عدد الصلوات المكتوبة وعدد ركعات كل منها، فنحن في انتظار نتائج التطور الفكري العلماني لتحديث الدين والتخفيف على الناس بما تيسر حال انشغالهم بأمورهم الدنيوية مع منح البعض فرصة بإعفائهم من الصلاة إن وصلت درجة الانشغال إلى حد معيّن بناء على قرار سيادي لكل دولة.
وأخيرا، أقول لجمهور العلمانيين والليبراليين وكل من يعتنق أفكار «الحياة الدنيا» تحت أي مسمى كان، احصروا الدين في أماكن العبادة كيفما تشاؤون، ولكن خارجها امشوا على هدي خالقكم، فكل صانع أولى بصنعته.