جنوب لبنان: زحف للعائدين... والجيش يبدأ الانتشار

اليوم الأول من وقف النار يُظهر ثغرات وعراقيل في آلية تطبيق الاتفاق
• ازدواجية أمنية بين القوات اللبنانية والإسرائيلية في جنوب «الليطاني»
• «حزب الله» يرفض الانسحاب ويعد استعراضاً للقوة في تشييع نصرالله

نشر في 28-11-2024
آخر تحديث 27-11-2024 | 21:09

توقف صوت المدافع والغارات الجوية، الذي صمّ آذان اللبنانيين أسابيع طويلة من الدمار والمآسي، مع سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، في إطار الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، والذي يفترض أن يستمر ستين يوماً، على أن يتم خلالها إنجاز ترتيبات تكرس استقراراً طويل الأمد على جانبي الحدود.

وبمجرد سريان وقف النار في الرابعة فجر أمس، تهافت عشرات آلاف من اللبنانيين الذين أُبعدوا عن الجنوب إلى قراهم وبلداتهم، في حين بدأ الجيش اللبناني عملياً بالانتشار في المنطقة، لتعزيز وجوده في إطار الاتفاق.

وباستثناء خروقات بسيطة، صمدت الهدنة في يومها الأول من دون حوادث تُذكر، إلا أنها كشفت عن ثغرات وعراقيل تفصيلية حول آليات تطبيق الاتفاق الذي يلزم الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من المناطق التي توغل فيها بجنوب لبنان في مهلة ستين يوماً، من المفترض أن تشهد كذلك سحب «حزب الله» لسلاحه الثقيل وتفكيك بنيته العسكرية جنوب نهر الليطاني.

وأطلق الجيش الإسرائيلي النيران في الهواء تحذيراً في عدة بلدات بينها كفركلا والخيام لمنع الأهالي من الاقتراب من قواته ودباباته التي لا تزال موجودة في المنطقة.

واضطر الجيش اللبناني إلى إغلاق مداخل مدينة الخيام للحؤول دون حوادث خطيرة قد تتسبب في توتر، كما دعا سكان قرى المواجهة الأمامية إلى التريث في العودة.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه اعتقل 4 مواطنين لبنانيين اقتربوا من قواته وسط توجيهات من وزير الدفاع يسرائيل كاتس بالتعامل بشكل مباشر مع أي خطر، موضحاً أنه أعلن فرض حظر ليلاً على التنقل جنوب نهر الليطاني.

ويعكس ذلك ازدواجية في القرار الأمني بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي قد تستمر طوال الشهرين المقبلين، وقد يتطلب ذلك تنسيقاً بينهما.

على مستوى آخر، ورغم حجم الخسائر التي تكبدها خصوصاً على مستوى مقتل أبرز قياداته وقبوله الفصل بين جبهتي لبنان وغزة والانسحاب من جنوب الليطاني، فإن «حزب الله» كان واضحاً في اعتبار أن الحرب انتهت لمصلحته.

وفيما بدا أنه رفض للانسحاب من جنوب الليطاني، قال النائب عن الحزب حسن فضل الله، إن جماعته تدعم بسط الدولة اللبنانية لسلطتها، مستدركاً: «نحن مقاومة سرية ولا سلاح ظاهراً أو قواعد لنا في جنوب لبنان، ولا أحد يستطيع إخراج أبناء الحزب من قراهم جنوب الليطاني».

ويشير هذا التصريح إلى التحديات الكبيرة التي فرضها الاتفاق على لبنان، خصوصاً ماهية الآلية التي سيعتمدها الحزب للانسحاب إذا كان فعلاً سينسحب ودخول الجيش وانتشاره بالتنسيق مع الأميركيين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي.

في غضون ذلك، كشف نائب رئيس المجلس السياسي للحزب محمود قماطي، أن الحزب يحضر لإقامة تشييع لأمينه العام السابق حسن نصرالله، الذي قتل بغارة إسرائيلية في سبتمبر الماضي «يكون استفتاءً لتبني المقاومة ونهج الفقيد»، مؤكداً أن الحدث «سيكون استثناءً واضحاً وقوياً وشعبياً ورسمياً وسياسياً».

أما خصوم الحزب فيعتبرون أنه قد هُزم بفعل شروط الاتفاق الدولي، ويصفون ما يجري بأنه مرحلة جديدة يدخلها لبنان عنوانها تدويل الحالة العسكرية الأمنية للبنان، بمعنى أن أميركا هي التي ستكون صاحبة اليد العليا في السيطرة على الوضع العسكري، والفرض على الحزب الالتزام بمندرجات الاتفاق، بحكم ترؤسها للجنة الخماسية التي تضم لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، والتي يُفترض بموجب الاتفاق أن تراقب وتضمن تنفيذ كل بنوده.

من ناحيته، اعتبر لبنان الرسمي ما جرى إنجازاً وفرصة لتوحيد اللبنانيين، والمضي في بناء الدولة، وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إن البلد يستعد لإطلاق ورشة إعادة الإعمار، في حين شدد رئيس مجلس النواب نبيه بري على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس للجمهورية سريعاً، وهو ما يتلاقى مع الضغوط الدولية خصوصاً مع الزيارة السريعة التي يجريها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، واجتماعه بسفراء الدول الخمس المعنية بلبنان لفتح مسار انتخاب رئيس توافقي للجمهورية.

وفي إسرائيل، بدت ردود الفعل متضاربة هي الأخرى، وكان لافتاً موقف الوزير اليميني المتشدد بتسلئيل سموتريتش الذي اعتبر أن الاتفاق يضمن أمن إسرائيل «إلى الأبد»، بعد أن كان معارضاً له قبل أيام.

ورأى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان أن حكومة بلاده رفعت العلم الأبيض، بينما يستمر رفع أعلام «حزب الله» في بيروت. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن مشهد متناقض، مشيرة إلى أن النازحين الإسرائيليين من الشمال لم يعودوا إلى منازلهم على عكس ما جرى بسرعة قياسية في لبنان.

ووسط هذا التضارب، رأت مصادر سياسية في بيروت، أنه لا قوة لأي اتفاق إلا بتوفير الظروف والتفاهمات السياسية له بالمعنى الإقليمي، وهي التي يفترض بها أن توفر الآلية التطبيقية بالمعنى الميداني في الجنوب اللبناني، وبالمعنى السياسي في داخل لبنان، مشيرة إلى الحاجة إلى تفاهمات أميركية - إيرانية - فرنسية مع دول عربية عدة حول المرحلة المقبلة لبنانياً، إذ لا يمكن للبنان أن ينهض بدون مثل هذه التفاهمات الخارجية والداخلية، لا سيما في ظل حاجته إلى رعاية الاستقرار وإعادة الإعمار.

وفي تفاصيل الخبر:

فور سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، في الرابعة من فجر أمس، زحف عشرات الآف اللبنانيين الذين أُبعدوا عن الجنوب باتجاه قراهم وبلداتهم، في حين بدأ الجيش اللبناني عملياً بالانتشار في المنطقة، حيث استدعى العسكريين الذين كانوا يخدمون هناك قبل بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية قبل أكثر من شهرين، للالتحاق فوراً بمواقع خدمتهم، على أن تنطلق عملية الانتشار التدريجية باتجاه الحدود، وصولاً الى نشر 10 آلاف جندي.

وينص الاتفاق الذي أعلنه الرئيسان جو بايدن وإيمانويل ماكرون، كل على حدة، على أن وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوماً من المفترض أن يتم خلالها انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق اللبنانية التي دخلها، وانسحاب مقاتلي حزب الله وسلاحهم الثقيل إلى ما وراء نهر الليطاني على عمق 30 كيلومتراً، على أن ينتشر الجيش اللبناني في المواقع التي سيتركها الإسرائيليون وحزب الله لتأمين المنطقة وضمان تنفيذ الاتفاق، على أن تنضمّ الولايات المتحدة وفرنسا إلى الآلية الثلاثية التي تم إنشاؤها بعد حرب عام 2006 بين الطرفين، للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار. وتضم اللجنة حاليا إسرائيل ولبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).

جنود وأهالي

وأجبرت الحرب نحو 900 ألف شخص في لبنان وعشرات الآلاف في إسرائيل على النزوح من منازلهم. ومع ساعات الصباح الأولى بدأت أرتال من السيارات والحافلات تنقل نازحين عائدين إلى الجنوب والبقاع «شرق» والضاحية الجنوبية لبيروت، وهي المناطق ذات الكثافة الشيعية التي تعرضت لدمار واسع جراء آلاف الغارات الجوية الإسرائيلية المركزة.

في الضاحية، جال شبّان على متن دراجات نارية في الأحياء التي انتشرت فيها أكوام من ركام مبانٍ مدمّرة، حاملين رايات حزب الله الصفراء ومردّدين هتافات مؤيدة له ولأمينه العام السابق حسن نصرالله، الذي اغتيل بضربة جوية في 27 سبتمبر. كما شهد الخط الساحلي بين بيروت والجنوب زحمة سير وسيارات وحافلات صغيرة محمّلة بفرش النوم وأكياس وحقائب وناس تتجّه جنوبا. وبدأ النازحون يتوجهون جنوباً، رغم تحذير من الجيش الإسرائيلي الذي لم تنسحب قواته بعد من مناطق حدودية دخلتها. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة إكس متوجها الى اللبنانيين، «سنقوم بإبلاغكم عن الموعد الآمن للعودة إلى منازلكم». ودعا الجيش اللبناني من جهته المواطنين إلى «التريث» في العودة الى بلداتهم، مؤكداً أنه يعمل على «اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال الانتشار في الجنوب».

وفي كفركلا والخيام وقرى أخرى أطلق الجنود الإسرائيليون النار في الهواء تحذيراً لوقف المواطنين اللبنانيين العائدين إلى منازلهم، والذين اقترب بعضهم من الدبابات الإسرائيلية لالتقاط الصور.

الجيش الإسرائيلي يعتقل 4 لبنانيين اقتربوا من قواته في الجنوب ويفرض حظراً ليلياً على التنقل جنوب «الليطاني»

وأشارت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن «الوزير يسرائيل كاتس أوعز للجيش بالتحرك فوراً ضد كل من يعرّض قواتنا في جنوب لبنان للخطر وباعتقال أي عنصر من حزب الله يقترب من المناطق المحظورة». واعلن الجيش الإسرائيلي اعتقال 4 لبنانيين اقتربوا من قواته، كما فرض حظراً ليلياً على التنقل جنوب الليطاني.

وتسلط هذه الحوادث المحدودة الضوء على صعوبات وعراقيل قد تظهر خلال تنفيذ الاتفاق، مثل حدوث مواجهات بين الأهالي والجيش الإسرائيلي. واضطر الجيش اللبناني إلى إغلاق مداخل مدينة الخيام للحيلولة دون حوادث خطرة قد تتسبب في توتر.

وفي تطور آخر، أعلنت وسائل إعلام سورية أن الطريق من سورية إلى لبنان عن طريق نقطة المصنع باتت سالكة بعد ساعات من ضربات إسرائيلية استهدفت 3 معابر حدودية بين شمال لبنان وسورية.

بري وميقاتي

وكان رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، المحرك اللبناني للمفاوضات التي أوصلت إلى الاتفاق بتفويض من حزب الله، أول من يتحدث رسمياً عن الاتفاق من الجانب اللبناني، حتى قبل أن تعقد حكومة تصريف العمال برئاسة نجيب ميقاتي اجتماعاً غاب عنه الوزراء المسيحيون في التيار الوطني الحر للاطلاع على الاتفاق.

وقال بري، الذي يتزعم كذلك حركة أمل الشيعية المتحالفة مع حزب الله: «إننا نطوي لحظة تاريخية كانت الأخطر على لبنان هددت شعبه وتاريخه» وإن «لبنان تمكن من إحباط مفاعيل العدوان الإسرائيلي». وطالب في كلمة متلفزة وجهها إلى اللبنانيين بالإسراع في انتخاب رئيس جمهورية، ودعا النازحين إلى العودة لقراهم، حتى ولو على «ركام المنازل».

من ناحيته، قال ميقاتي الذي استعرض قبل اجتماع الحكومة مع قائد الجيش العماد جوزيف عون خطة تعزيز انتشار الجيش في الجنوب، «نبدأ اليوم مسيرة إعادة ما تهدم ونعلق الأمل على الجيش لإعادة الأمن إلى الجنوب»، لافتاً إلى أنه «أكدنا التزام الحكومة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بكل بنوده». وأشار إلى أنه «علينا التكاتف لمواجهة التحديات التي تواجه لبنان بعد العدوان الإسرائيلي، ومتمسكون بسيادة لبنان على كل أراضيه براً وبحراً وجواً»، آملاً أن تؤدي الأيام المقبلة إلى انتخاب رئيس للجمهورية واستكمال المؤسسات الدستورية.

«حزب الله» يتحدث عن انتصار

ورغم حجم الخسائر التي تكبدها، خصوصاً على مستوى مقتل أبرز قياداته وقبوله الفصل بين جبهتي لبنان وغزة والانسحاب من جنوب الليطاني، فإن حزب الله كان واضحاً في اعتبار أن الحرب انتهت لمصلحته.

وقال النائب عن الحزب حسن فضل الله، إن جماعته تدعم بسط الدولة اللبنانية لسلطتها لكنه في الوقت نفسه ستخرج من الحرب أقوى. وقال فضل الله «نحن حريصون دائماً على جيشنا الوطني وعلى قوته وتماسكه وهو موجود في الجنوب ويعزز انتشاره وهو السلطة الرسمية ونحن مع بسط سلطة الدولة». وأضاف «حزب الله سيخرج من هذه الحرب أكثر قوة والمقاومة باقية... سيكون هناك آلاف مؤلفة التي ستنضم للمقاومة... نزع سلاح المقاومة كان طرحاً إسرائيلياً وسقط».

وقال النائب عن الحزب إبراهيم الموسوي، إن «العدو رفع شعارات كبيرة لسحق المقاومة فإذ به يتوسل لوقف إطلاق النار». وشدد على أن «أي اتفاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لا تعنينا»، في إشارة إلى ورقة ضمانات أميركية ملحقة بالاتفاق تعطي إسرائيل حرية العمل في لبنان بحال تم انتهاك الاتفاق.

أما نائب رئيس المجلس السياسي للحزب محمود قماطي فقد أشار إلى أن الحزب سيتابع مسألة مقاتليه الذين تمكن الإسرائيليون من أسرهم خلال المعارك، مشيراً إلى أن الحزب يحضّر لإقامة تشييع لأمينه العام السابق حسن نصرالله «يكون استفتاء لتبني المقاومة ونهج الفقيد»، مؤكداً أن الحدث «سيكون استثناء واضحاً وقوياً وشعبياً ورسمياً وسياسياً».

في المقابل، بدت ردود الفعل في اسرائيل متضاربة. وكان لافتاً موقف الوزير اليميني المتشدد بتسلائيل سموتريتش الذي اعتبر أن الاتفاق قد يضمن أمن إسرائيل «إلى الأبد».

في المقابل، رأى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان أن «الحكومة الإسرائيلية ترفع العلم الأبيض بينما يستمر رفع أعلام حزب الله في بيروت». وكانت وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن مشهد متناقض مشيرة الى أن النازحين الإسرائيليين من الشمال لم يعودوا إلى منازلهم على عكس ما جرى بسرعة قياسية في لبنان. وكان لافتاً كذلك إعلان فرنسا أمس أنها تعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصانة من مذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بشبهة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. وكان نتنياهو رفض أن تكون فرنسا عضواً في اللجنة التي ستراقب تنفيذ الاتفاق، لكنه عاد ووافق على ذلك.

ترحيب دولي

ولقي وقف النار ترحيباً دولياً خصوصاً من الدول العربية وأطراف مثل الصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وسط دعوات الى استغلال زخمه لتحقيق خرق مماثل في قطاع غزة. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن وقف إطلاق النار سيساعد في وضع حدّ للنزاع المتواصل في غزة.

ورحبت وزارة الخارجية الأردنية بالاتفاق واعتبرته «خطوة مهمة يجب أن تستتبع بجهد دولي يسهم في وقف العدوان على قطاع غزة والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة». كما رحبت دول الخليج العربية بالاتفاق وكذلك إيران.

back to top