خاص

غسان صافية يُنطق الأحجار بآيات الجمال

التشكيلي السوري أكد لـ «الجريدة•» أن طفولته خلقت بداخله الوعي الجمالي

نشر في 15-12-2022 | 21:05
آخر تحديث 15-12-2022 | 23:42
بلغ تأثر التشكيلي السوري غسان صافية بالنحات العالمي مايكل أنغلو، أن قدَّم نسخته السورية بطريقة لا تخلو من الإبداع، فحين تمتزج الأصالة بالتطور لابد أن ينشأ استلهام يستطيع تحويل الأحجار الصماء وقطع الرخام المتجهمة في ريف دمشق إلى حالة فنية جسَّدها صافية حين وجد متعته وشغفه في إبراز الجمال من قلب الصخور، وتحويل هذا السكون الأبدي إلى أعمال تمتزج فيها الواقعية الكلاسيكية بالتعبيرية، والإحساس المفعم بالانبهار بكل ما هو طبيعي وبشري وروحاني.
«الجريدة» حاورت صافية، وأبحرت معه في محاولة لرسم بورتريه عن حياته ومشواره وآلامه الخاصة.,بلغ تأثر التشكيلي السوري غسان صافية بالنحات العالمي مايكل أنغلو، أن قدَّم نسخته السورية بطريقة لا تخلو من الإبداع، فحين تمتزج الأصالة بالتطور لابد أن ينشأ استلهام يستطيع تحويل الأحجار الصماء وقطع الرخام المتجهمة في ريف دمشق إلى حالة فنية جسَّدها صافية حين وجد متعته وشغفه في إبراز الجمال من قلب الصخور، وتحويل هذا السكون الأبدي إلى أعمال تمتزج فيها الواقعية الكلاسيكية بالتعبيرية، والإحساس المفعم بالانبهار بكل ما هو طبيعي وبشري وروحاني.
«الجريدة» حاورت صافية، وأبحرت معه في محاولة لرسم بورتريه عن حياته ومشواره وآلامه الخاصة.
• نبدأ من حيث بدأت أنت حين اتضحت بوادر موهبتك.

- كانت المقدمة في طفولتي، التي تأثرت بطبيعة السلمية بريف حماة، والتي كان لها دور أساسي في خلق الوعي الجمالي في نفسي، ومن ثم بدأت أخط أولى رسوماتي العفوية، وكان جدي هو المشجع الأول، ومن ثم أخوالي، الذين انتبهوا إلى موهبتي المبكرة، والأقارب، حيث تنبأوا لي بمستقبل فني كبير، ونصحوا والدي بأن يهتم بي وبموهبتي، لكن للأسف والدي كان لا يعير لذلك الأمر أهمية، ويريدني فقط أن أدرس الفروض المدرسية، وأن أتفوق، خصوصاً في المواد العلمية، والتي كنت أمقتها، لأنها جافة وصعبة.

• كيف تعاملت مع هذا الصراع بين الواقع والمأمول؟

- البدايات كانت عفوية غير منضبطة، وهائمة، لدرجة أثرت على اختياراتي فيما بعد، وبسبب ضغط الأهل والصراع لاختيار فرع الحقوق في المرحلة الجامعية، فقمت بالتعويض، ولو جزئياً، عن كلية الفنون، بانتسابي لمركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، حتى تخرجت في الحقوق بعد معاناة نفسية عميقة عام 2006، فيما كنت قد حصلت على شهادة الفنون التشكيلية عام 1997، وقررت احتراف النحت، بعد أن كانت دراسة الحقوق هي المنغص دائماً والعائق أمام تفرغي للفن (كالعزف على آلة العود، الذي بدأته منذ المرحلة الثانوية، واحترفته أيضاً)، فكنت دائماً أجد نفسي في مفترق طرق؛ الحقوق والموسيقى والرسم والنحت، فضلاً عن أهمية الحصول على وظيفة، لضمان دخل شهري، لكن عندما تخرجت في الحقوق تنفست الصعداء.

• متى شعرت بالتحرر من كل تلك القيود؟

- حين بدأت بالتفرغ الكامل للنحت، حسمت أمري، واعتبرت الفنون الأخرى التي أمارسها رديفاً له، ومكملة له، خصوصاً بعد أن احترفته، وصار مصدر دخلي الوحيد، كما أنني وجدت ضالتي في تجسيد أفكاري وفلسفتي، واستنطاقها من صميم الصخر الأصم، وربما هذا ما كان يلائم طبيعتي المتمردة ونزوعي لتحطيم القيود والجمود، ليولد الجمال من رحم الصخر الأصم الأزلي، وظل حلم السفر يراودني إلى معقل عمالقة عصر النهضة في كل الفنون، لاسيما النحت وأعمال مايكل أنغلو، الذي تأثرت به وبخطوطه وطريقة تشريحه للجسد البشري، وتكنيك نحته للكتلة، وتكويناته الهندسية الصارمة والقوية والمتزنة، حيث كان يشبع نهمي لجمال التجسيد والروح، من خلال تفاصيل العضلات وملامح الوجه، التي لا تخلو من كآبة وحزن مبهم وغامض يكسوها، وهكذا قررت السفر إلى إيطاليا في مغامرة كنت أعلم أنها ستكلفني الكثير، لكنها ستثري تجربتي.

من إبداعات صافية منحوتة تمثل المرأة السورية وهي تحتضن الشهيد بين ذراعيها بعد الحرب من إبداعات صافية منحوتة تمثل المرأة السورية وهي تحتضن الشهيد بين ذراعيها بعد الحرب


• حدثنا عن رحلتك إلى إيطاليا، وكيف أثرت على أعمالك؟



- في عام 2006 سافرت إلى إيطاليا، لكنني لم أحصل على الإقامة النظامية، ما تعذَّر معه الانتساب لأكاديمية الفنون في فلورنسا، ورحت أتنقل بين المعاهد الخاصة، وكنت أجد المدينة الخالدة (فلورنسا) كمتحف طبيعي متكامل للفن والجمال، وأيضاً قمت برسم بورتريهات للسياح الأجانب، وكاريكاتيراً في الشوارع والساحات، لكسب العيش، ومارست النحت الواقعي على الصلصال لزبائن لمصلحة نحات إيطالي مسن، حيث أقمت عنده، وأنجزت أيضاً لوحات زيتية تعبيرية، وكنت على وشك إقامة معرض خاص، لكن لظروف خاصة كان عليَّ أن أترك كل شيء أنجزته وأعود أدراجي لحضن الوطن.

• متى أقمت أول معرض فني خاص بلوحاتك ومنحوتاتك؟

- معرضي الأول كان عام 2004 في ثقافي أبي رمانة بدمشق، وتضمن نحو 50 عملاً بين نحت رخام وخشب، وبين لوحة زيتية بالأسلوب التعبيري والتجريدي التعبيري. وفي عام 2005 كان أول عمل نُصب لي من الحجر الطبيعي الوطني يمثل القديس جاورجيوس في كنيسة جاورجيوس بدمشق، وهو موجود إلى الآن.

• كيف وجدت نفسك بعد العودة من إيطاليا محملاً بالأفكار والهموم؟

- بعد عودتي من إيطاليا عام 2009 تفرغت للنحت على الرخام للكنائس والمدافن، كوسيلة للعيش، بالتزامن مع تطوير أسلوبي التعبيري في منحوتات صغيرة نسبياً ومتوسطة، تحضيراً لمعارض خاصة أو جماعية، حتى شاركت عام 2010 في أول ملتقى للنحت بالهواء الطلق في منطقة حسياء بحمص، وأنتجت تمثال الإنسان والعجلة، بحجم أكبر من الطبيعي من الصخر التدمري، وهو موجود في مدخل المدينة الصناعية بحسياء، ثم شاركت في معرض تكريم النحات مصطفى علي بعمل من حجر الالبستر الفراتي يمثل إنساناً برأس على شكل عجلة، بأسلوب تعبيري أقرب للسريالي، وكنت على وشك إقامة معرضي الثاني الخاص في دمشق، لكن بدأت الأحداث السياسية بسورية، ثم بدأت تمثال الشفقة لمايكل أنغلو من الرخام الإيطالي، وأنهيته عام 2012، إضافة إلى عدة تماثيل أخرى كنائسية. وفي عام 2014 توجهت إلى لبنان، وأنجزت عدة تماثيل ومنحوتات كلاسيكية وتشكيلية.

• متى عدت مجدداً إلى دمشق؟ وما مشروعاتك القادمة؟

- عدت إلى دمشق عام 2017، بعد انتهاء الأزمة، وتابعت تفرغي للنحت وإعادة التحضير لمعرض فردي، وأيضاً النحت الواقعي والكلاسيكي للاقتناء والديكور، وأيضاً للكنائس.

وفي عام 2018 شاركت بمعرض تحية لروح جبران خليل جبران بعمل تعبيري من الحجر الوطني، وحالياً أتحين الفرصة لإقامة معرضي الفردي المرتقب، لكن لابد هنا من التطرق إلى معاناتي مع أصحاب الصالات الخاصة، الذين يحاولون فرض أسلوب معيَّن من أجل العرض للتسويق لنوع وأسلوب معيَّن في النحت (التجريد تحديداً)، ويستبعدون الأعمال التعبيرية والواقعية، وهذا ما أنجزه حالياً، حيث أضع اللمسات النهائية لعملي النصبي الجديد من الحجر الوطني يمثل المرأة السورية التي تحتضن الشهيد بين ذراعيها بعد الحرب، كتعبير عن سورية نفسها.

back to top