التنمية الاقتصادية البيئية

نشر في 14-12-2022
آخر تحديث 13-12-2022 | 20:07
 بروجيكت سنديكيت

يتعرض التنوع البيولوجي على الأرض والخدمات التي توفرها النظم البيئية الصحية لضغوط هائلة بسبب تغير المناخ، والتحدي المتمثل في دعم ثمانية مليارات شخص بصورة مستدامة، ويجب الحفاظ على خدمات النظام البيئي الرئيسة، مثل أخشاب الغابات، والملقحات، وصيد الأسماك في المحيط والاعتزاز بها، إلا أنها آخذة في التدهور بوتيرة سريعة، ويوفر مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لعام 2022 (كوب 15)، الذي سيعقد في مونتريال هذا الشهر، فرصة للبناء على الرؤية الإنسانية المشتركة المتمثلة في العيش في وئام مع الطبيعة.

إن التنوع البيولوجي هدف مهم بالنسبة لبرامج مجموعة البنك الدولي، بيد أن التصدي لفقدانه يقتضي أن تأخذ القرارات الاقتصادية الطبيعة في الاعتبار، وهذا هو السبب في أننا نعمل على مساعدة البلدان على دمج الطبيعة في نماذج النمو الاقتصادي، وخطط التنمية، وأجندات المناخ. ويعني القيام بذلك وضع سياسات تراعي القيمة الاقتصادية الحقيقية للطبيعة، وبناء المؤسسات التي تدعم الطبيعة، وتطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم هذا الهدف، وتعبئة التمويل من جميع المصادر لتحويل الاقتصادات والسياسات، بما يتجاوز التدخلات المعزولة.

ويعتبر صيد الأسماك خير مثال على أهمية الطبيعة للنمو والتنمية، وعلى الصعيد العالمي، تتراجع الأرصدة السمكية بسبب التهديد الثلاثي المتمثل في تغير المناخ، والصيد الجائر، والتلوث، وإذا استمرت الأنشطة التجارية كالمعتاد، فقد يخسر العالم ما يصل إلى 25 في المئة من حصيلة السمك بحلول نهاية القرن، ومن الجدير أن يثير هذا الرقم قلق الجميع، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: نحن نواجه بالفعل واحدة من أكبر أزمات الأمن الغذائي في التاريخ الحديث، ونظرا لكون الأسماك عنصراً غذائياً مهماً ل 3.3 مليارات شخص، فإن انخفاض العرض سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الغذائية في الوقت الراهن، وفي المستقبل، فالأسماك غنية بالمغذيات التي تتسم بأهمية خاصة لنمو الطفل، وتوفر مصدرا قيما جدا للبروتين بالنسبة للفقراء، لأن أسهل من حيث الحصول عليها وأقل تكلفة فيما يتعلق بالحفاظ عليها مقارنة مع غيرها من مصادر البروتين، ومن ثم، تسهم الأسماك بنسبة 50 في المئة أو أكثر من إجمالي مدخول البروتين الحيواني في غانا، وموزمبيق، وسيراليون، وفضلا عن ذلك، سيؤثر نقص الأسماك على السلسلة الغذائية بأكملها، لأن المنتجات السمكية هي مكونات مهمة في الأغذية الأخرى، بما في ذلك علف الماشية.

ثانيا: عندما تصبح الأسماك أكثر ندرة، أو تهاجر إلى مياه أكثر برودة وأعمق بسبب تغير المناخ، سيضطر العديد من صيادي الأسماك إلى السفر لمسافات أبعد لصيد الأسماك، أو لتغيير طريقة صيدهم، أو للبحث عن وظائف جديدة، ولن يتمكن الكثير منهم من التكيف مع وضعهم الجديد، ومن بين ال 38 مليون شخص ممن يعملون بصورة مباشرة في صيد الأسماك، ستتضرر الفئات الأشد ضعفا أكثر من غيرها، وهي تشمل مجتمعات الصيد صغيرة النطاق، التي غالبا ما توجد في مناطق نائية تتأثر بالفعل بصورة غير متناسبة مع غيرها بتغير المناخ، كما ستتأثر إلى حد كبير النساء اللائي يشكلن 50 في المئة من الموظفين في سلسلة القيمة الأوسع للأغذية المائية، وسيواجه الأشخاص الحاصلون على تعليم رسمي ضئيل صعوبة في العثور على سبل عيش بديلة.

ثالثا،: سيزيد تأثير هذه التهديدات مع مرور الوقت، فالأرصدة السمكية لا تحترم الحدود الدولية، وبدون قوانين تنظيمية وحوافز مناسبة، ستستمر الأساطيل في زيادة صيدها إلى أقصى حد على المدى القصير، وستمارس الاقتصادات الكبرى الصيد الجائر بعيدا عن مياهها الإقليمية، وإذا فعلت كل الدول ذلك، فإن المشكلة ستتفاقم، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، قبل خمسين عاما، كان يتم صيد ما يقارب من 10 في المئة من المخزونات السمكية العالمية بمستويات غير مستدامة بيولوجيا، واليوم، ارتفع هذا الرقم إلى 35 في المئة، ورغم أن العديد من البلدان ستعاني من هذه المشكلة، فإن المجتمعات الأشد فقراً هي التي ستخسر أكثر من غيرها.

وأمام هذه التحديات، لم تعد جهود الحفظ التي توقف فقدان الطبيعة كافية، بل نحن بحاجة إلى التصدي لتدهورها، وهو ما يعني تغيير طريقة إنتاجنا واستهلاكنا، ويتمثل أحد الأساليب في الاستثمار في الحلول القائمة على الطبيعة التي تحمي هذه الأخيرة، وفي الوقت نفسه تدعم التنمية الاقتصادية، وتخلق سبل العيش، وتساعد البلدان في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، خذ على سبيل المثال أشجار المانغروف، الغنية بالتنوع البيولوجي، والتي تعمل كمناطق حضانة للأسماك، وتحمي أكثر من ستة ملايين شخص من الفيضانات السنوية، وتمتص انبعاثات الكربون، حيث إن ثروتها الاقتصادية تقدر بنحو 550 مليار دولار، وهناك مثال آخر وهو زراعة الأعشاب البحرية، التي من شأنها أن تخلق فرص العمل، وأن تخفف من حدة انعدام الأمن الغذائي، وأن تمتص الكربون.

وتعمل مجموعة البنك الدولي على عدة جبهات لمساعدة البلدان في إدراك قيمة الطبيعة والمخاطر التي قد تنجم عن فقدانها، ولأننا غالبا ما نعمل من خلال وزارات المالية، فنحن نوفر التمويل، والمعرفة، والمشورة السياسية، والقدرة الفنية لحشد الشركاء خلف الحلول القائمة على الطبيعة. وبدعم منا، تحدد البلدان تدخلات جديدة واعدة يمكن تكرارها وتوسيع نطاقها.

فعلى سبيل المثال، من خلال إشراك مختلف أصحاب المصلحة في التخطيط البحري، تعمل فيتنام على تقليل النزاعات حول استخدام الموارد في مختلف القطاعات، وفي الصين، نعمل مع بلديتي «تشونغكينغ» و«نينغبو» من أجل تقليل كمية البلاستيك البحري الذي تنقله مياه الصرف الصحي إلى المحيط، بناءً على المشاريع السابقة التي ساعدت في بناء قدرة الصين على معالجة المياه، ومن خلال تطبيق تقنيات مثل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، نساعد تنزانيا والدول الأخرى في الحصول على بيانات في الوقت الفعلي بشأن التدهور الساحلي والبحري، حتى تتمكن من منع حدوثه، ومن خلال الأدوات المالية المبتكرة مثل ائتمانات الكربون الأزرق، تهدف غانا إلى استعادة 3000 هكتار من غابات المانغروف وجلب المزيد من التمويل الخاص.

إننا نعمل على توسيع نطاق جهود مثل هذه، وتشمل الأهداف على المدى القريب المزيد من التمويل للمشاريع في البلدان الفقيرة، وإسناد دور أكبر إلى القطاع الخاص، وتنسيق العمل من المجتمعات المحلية إلى الحكومات الوطنية، ولكن إذا أردنا وقف فقدان التنوع البيولوجي، فمازال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، سواء من جانبنا أو من جانب المجتمع العالمي.

* ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي.

back to top