دراسة قانونية بشأن لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022 الصادرة من ‏الهيئة العامة للرياضة (3 - 4)

الاحتراف الرياضي...‏ بين قيود القانون وحوافز الاستثمار

نشر في 13-12-2022
آخر تحديث 12-12-2022 | 20:23
د. بدر العتيبي
د. بدر العتيبي
تنشر «الجريدة»، عبر 4 حلقات، قراءة تحليلية للدكتور بدر العتيبي في قانون رقم 25/ 2022 بشأن لائحة الاحتراف من الهيئة العامة للرياضة، وفيما يلي الحلقة الثالثة:
اللاعب المحترف، وفق اللائحة، ملزم بعدم اللعب لنادٍ آخر غير النادي الذي تعاقد ‏معه (مادة 5 - 10 لائحة 2022)، وعدم السفر خارج الكويت أثناء الموسم الرياضي ‏‏(مادة 5 - 8)، لكنه غير ملزم بالتفرغ التام لممارسة الرياضة مع ناديه حتى خلال ‏الموسم الرياضي المشمول بعقد الاحتراف.‏

فإذا التزم اللاعب المحترف بالتدريبات ومواعيد المباريات خلال الموسم، فلا يمنعه ‏عقد الاحتراف حينئذ من ممارسة عمل آخر غير رياضي، كل ما هنالك أن قيمة ‏الدعم المالي من الهيئة العامة للرياضة ستنخفض في حالة عدم التفرغ الكامل لممارسة ‏الرياضة (مادة 9 و10 لائحة 2022).‏

فمن الناحية النظرية، لا يمكن القول إن الاحتراف الذي نصَّت عليه اللائحة هو ‏احتراف كُلي.‏

لكن من الناحية العلمية، قد لا يستطيع اللاعب الجمع بين ممارسة الرياضة بشكل ‏احترافي وفق عقد الاحتراف، وبين ممارسة عمل احترافي آخر بعقد آخر، نظراً لثقل ‏التزامات الاحتراف على وقت وجهد اللاعب. كما أنه لا يوجد ما يمنع النادي من ‏النص في العقد على التفرغ التام للاعب من أي نشاط آخر؛ رياضي أو غير رياضي.‏
اقرأ أيضا


هل يمكن اعتبار قواعد الاحتراف «المنتظم» عبارة عن مراوحة في المكان ‏بالنظر للاحتراف «الجزئي»؟ ‏

قانونياً، لا يمكن القول إن الاحتراف المنتظم الذي جاء في لائحة الاحتراف رقم ‏‏25/ 2022 هو احتراف مطابق للاحتراف الجزئي، كما جاء في لائحة الاحتراف ‏الجزئي رقم 713/ 2014، والسبب أن الاحتراف الجزئي كان يسمح للاعب ‏بتخصيص جزء من وقته فقط للنادي حتى خلال الموسم الرياضي، ويبقى مالكاً لباقي ‏وقته.‏

أما إذا لم ينص عقد الاحتراف المنتظم على تحديد جزء من وقت اللاعب لممارسة ‏الرياضة، فيلتزم اللاعب بمنح الوقت الكافي للتدريبات والمباريات وفق الظروف من دون ‏تخصيص جزء معيَّن من الوقت خلال الموسم، فإذا تبقى للاعب وقت بعد تنفيذ ‏التزاماته الرياضية في العقد الاحترافي، عندها يمكنه استغلاله بعمل آخر غير رياضي.‏

‏ كما أن النادي يمكن أن يلزم اللاعب بالتفرغ التام لممارسة الرياضة في عقد ‏الاحتراف خلال الموسم الرياضي.‏

بناءً عليه، فإن عقد الاحتراف المنتظم الذي لا ينص على وقت محدد، قد ينقلب إلى ‏احتراف كُلي، يستغرق كل وقت اللاعب، بفعل الضرورة إذا احتاج النادي لوقت ‏اللاعب كاملاً خلال ضغط المباريات وفق ظروف الموسم. ‏

بينما عقد الاحتراف الجزئي هو عقد محدد المدة حتى خلال الموسم الرياضي الواحد ‏بموجب لائحة الاحتراف الجزئي رقم 713/ 2014، حيث ينص هذا العقد على وقت ‏يومي محدد لا يمكن بموجبه للنادي أن يلزم اللاعب المحترف جزئياً بلعب دقيقة واحدة ‏تتجاوز الحد الزمني المحدد في العقد.‏

لكن إذا نظرنا من الناحية المالية إلى الاحتراف المنتظم وفق قانون 87/ 2017، ف‏سنجد أن اللاعب قد يضطر إلى ممارسة عمل غير رياضي خلال الموسم، خصوصاً أن ‏الدعم المالي قد لا يكفي لتغطية التكلفة المعيشية الكاملة، لأن الاحتراف المنتظم لا ‏يعني الاحتراف الكُلي الذي يشمل كامل وقت اللاعب إلا إذا نص عقد اللاعب على ‏التفرغ التام بشكل صريح.‏

وهكذا، لم يستطع قانون 87/ 2017 أن يغيِّر من طبيعة الاحتراف، فهو لم يساهم ‏بالوصول إلى الاحتراف الشامل لجميع اللاعبين في الأندية، ولم يفرض احترافاً ‏متفرغاً كلياً في عقود اللاعبين، وهنا تكمن المراوحة في المكان بين قانوني ‏‏49/ 2005 و87/ 2017. كل ذلك بسبب ضعف المركز المالي للأندية التي اعتبرها ‏القانون هيئات غير ربحية.‏

وفي جميع الأحوال، فإن لائحة الاحتراف نظمت بعض أحكام عقود اللاعبين، ولم ‏تتركها للحرية التعاقدية، وهي من آليات التمهيد للاحتراف الشامل والكُلي، كما أن ‏العقود ستحظى بدعم مالي من الهيئة العامة للرياضة.‏

دعم الدولة للاحتراف ‏والطبيعة القانونية الخاصة لعقود اللاعبين

ما هي خصائص عقود الاحتراف المدعوم؟ ‏

عندما أصدرت الهيئة العامة للرياضة لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022، فقد ‏طرحت فكرة المنهج المنتظم خلال الموسم الرياضي، وكانت الهيئة تعلم أن الأندية لن ‏تكون قادرة مالياً على توفير مستحقات اللاعبين.‏

لذا، فقد كان لابد من إصدار آلية تمويل داعمة للأندية بغرض سداد مستحقات ‏اللاعبين المحترفين، فكانت فكرة الاحتراف المدعوم من الدولة.‏

ونصت لائحة الاحتراف على أن الهيئة ستقدم «دعماً مالياً شهرياً لعقود ‏اللاعبين المحترفين كمكافأة بحد أقصى تسعة شهور خلال الموسم الرياضي، وفقاً ‏للاعتمادات المالية المدرجة في ميزانيتها...» (مادة 8 لائحة).‏

بناءً عليه، يمكن تحديد خصائص عقد الاحتراف المدعوم، كما يلي:‏

• دعم الدولة: تقوم الهيئة كجهة حكومية راعية للرياضة بتقديم الدعم المالي من ‏ميزانيتها، والتي هي أساساً ميزانية ذات طابع رسمي، كونها هيئة عامة (مادة 2 ‏قانون الهيئة رقم 97/ 2015)، ورغم الشخصية الاعتبارية المستقلة ‏للهيئة، فإنها تعتمد بشكل أساسي على ما تخصصه الدولة من اعتمادات (مادة ‏‏12-1 قانون الهيئة).‏

• الدعم الشهري لعقود الاحتراف: وهو ما يظهر حجم العبء المالي على ميزانية ‏الهيئة العامة للرياضة.‏

• المكافأة كطبيعة للدعم: الهيئة لا تحل محل النادي بالالتزام التعاقدي، بل تقدم الدعم على شكل مكافأة لا تتجاوز قيمتها 9 شهور من زمن الموسم ‏الرياضي.‏

• الدعم المالي المحدود: الدولة تقدم مكافآت اللاعبين المحرفين وفق معايير ‏محددة، وضمن مبالغ قصوى، وهي مثلاً 500 دينار للاعبي المنتخبات الوطنية في ‏الألعاب الجماعية، و300 دينار لباقي لاعبي الألعاب الجماعية (مادة 9 لائحة ‏‏2022).‏

• أعلى دعم هو للاحتراف المتفرغ في كرة القدم: وهي حالة نصَّت عليها لائحة ‏الاحتراف مفادها أن لاعب كرة القدم المتفرغ لممارسة لعبة كرة القدم طوال ‏الموسم يمكن أن يحظى بدعم قيمته 800 دينار شهرياً، وفق شروط مرتبطة بعدد ‏أقصى للاعبين المحترفين في النادي، وأداء هذا النادي في الدوري (مادة 10 ‏لائحة 2022)، وهنا يظهر أن اللائحة قد ميزت الاحتراف الكُلي المتفرغ في عقد ‏اللاعب، ومنحت لاعب الكرة المتفرغ بشكل تام أعلى دعم مالي من الدولة.‏

ما هو محل الدعم للاعب المحترف؟ (العقد وليس النادي)‏

مبدئياً، أكدت لائحة الاحتراف أن الدعم هو عبارة عن مبالغ تخصص من ‏ميزانية الهيئة العامة للرياضة، فإن تعريف الدعم وقواعده جاءت على أساس أن ‏محل الدعم هو عقد الاحتراف (مادة 1-9 لائحة 2022).‏ أي أن الدعم المالي لا يصب في ميزانية النادي بشكل جزافي، بل بناءً على عدد ‏عقود الاحتراف المسجلة لديه.‏

وهذا يعني أن الهيئة العامة للرياضة لا تقدم دعماً مباشراً للأندية بخصوص ‏الاحتراف، بل إن الدعم ينصب بشكل مباشر كمكافأة للاعب (مادة 8 لائحة 2022)، ‏وهو ما ينعكس دعماً غير مباشر لميزانية النادي التي تتخلص من قسم من مرتبات ‏اللاعبين المحترفين لديها.‏

هل يمكن تطبيق الدعم على عقود الاحتراف الجزئي؟

سمح المشرِّع في قانون الرياضة رقم 49/ 2005 بالاحتراف الجزئي، وصدر ‏بمقتضى هذا القانون لائحة الاحتراف الجزئي رقم 713/ 2014، والتي وضعت ‏شرائح للدعم المالي الخاص بعقود الاحتراف التي يخصص فيها اللاعب للنادي جزءاً ‏من وقته خلال الموسم الرياضي.‏

لكن بصدور قانون الرياضة رقم 87/ 2017 ألغى المشرِّع صراحة كل القوانين السابقة، ضمنها القانون 49/ 2005، كما ألغى أي نص يتعارض مع هذا ‏القانون (مادة 68).‏



وعلى اعتبار أن لائحة الاحتراف الجزئي رقم 713/ 2014 صدرت بمقتضى ‏قانون ملغى، فإن مفاعيلها القانونية يجب أن تكون ملغاة أيضاً بمجرد صدور القانون ‏‏87/ 2017.‏

يُضاف إلى ذلك، أن لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022 جاءت بنص صريح ألغت ‏بموجبه لائحة الاحتراف الجزئي رقم 713/ 2014 (مادة 19 لائحة 2022).‏

وهنا يُثار التساؤل:‏

إذا أبرم النادي عقد احتراف محدد المدة لوقت اللاعب خلال الموسم تحت مسمى ‏الاحتراف الجزئي، فهل يستحق الدعم المذكور في لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022؟

في الواقع، لم تنص لائحة 2022 على الاحتراف الكُلي المتفرغ بشكل تام، لكنها ‏بالمقابل لم تسمح بالاحتراف الجزئي بأوقات محددة خلال الموسم الرياضي، بل اتخذ ‏الاحتراف في لائحة 2022 الشكل المنتظم بما يتطلبه الموسم الرياضي (مادة 17).‏

وهكذا، يبدو أن لائحة 2022 سمحت بالدعم فقط لعقود الاحتراف المنتظمة التي ‏تنص على التزام اللاعب بممارسة الرياضة خلال موسم أو عدد من المواسم دون ‏تجزئة لوقته خلال الموسم الواحد. ‏

وعلى هذا، فقد نصَّت لائحة 2022 بشكل صريح على أن مدة العقد يحكمها الموسم ‏الرياضي لكل لعبة (مادة 17)، ولم يعد بالإمكان تجزئة وقت اللاعب خلال الموسم. ‏

وهذا يعني أن اللاعب يلتزم أمام النادي بتخصيص الوقت الكافي لممارسة الرياضة ‏بشكل احترافي لموسم كامل من دون تحديد للوقت المطلوب بشكل يومي، عندها فقط ‏يستحق الدعم المالي المنصوص عليه في لائحة 25/ 2022.‏

لماذا يعتبر عقد الاحتراف الرياضي ذو طبيعة خاصة؟ ‏

لا يمكن تصنيف عقد الاحتراف الرياضي على أنه عقد عمل تقليدي، ولا يمكن ‏بالمقابل فصله بشكل تام عن عقود العمل والتأمينات الاجتماعية التي تخضع لها عقود ‏العمل.‏

والسبب أن عقد الاحتراف الرياضي لا يخضع فقط لمعايير قانونية، بل لمعايير ‏رياضية محلية وعالمية وفق قواعد ممارسة الألعاب الرياضية والأحكام التي تضعها ‏اتحادات الألعاب العالمية والأولمبية.‏

لذ، فقد نصَّت لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022 على أن عقد اللاعب هو عقد ذو ‏طبيعة خاصة، بحيث يخضع هذا العقد لأحكام قانون الرياضة ولوائحه والمتطلبات ‏الخاصة للأندية والهيئات الرياضية الوطنية والدولية (مادة 17).‏

ما أهم الالتزامات المتبادلة في عقد الاحتراف الرياضي؟

يمكن اختصار أهم هذه الالتزامات وفق لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022، كما يلي:‏

أولاً: التزامات اللاعب (مادة 5):‏

• احترام مواعيد التدريب.‏

• المشاركة في المعسكرات التدريبية.‏

• المشاركة في البطولات.‏

• بذل أقصى الجهد والإمكانيات.‏

• المثول للاختبارات والفحوص الطبية.‏

• الحصول على إذن النادي قبل السفر خارج الكويت، أو في حال رغبة اللاعب ‏بممارسة الرياضة لدى غير ناديه.‏

• احترام التحكيم.‏

• التزام قواعد حُسن السلوك.‏

ثانياً: التزامات النادي (العقد الاسترشادي في لائحة 2022):‏

• تسديد راتب اللاعب ومكافآته.‏

• التقيد باللوائح، ومنها لائحة الاحتراف المدعوم، خصوصاً من حيث تسهيل إجراءات ‏تحصيل مكافأة الدعم من الهيئة العامة للرياضة. ‏

• السماح للاعب بالتدرب بأفضل التجهيزات، بما يرتقي بأدائه ومستواه الفني.‏

• السماح للاعب بالمشاركة مع المنتخب الوطني.‏

• معالجة اللاعب، وتقديم جميع مستلزمات الرعاية الصحية له في حال تعرضه ‏لإصابة بسبب ممارسة الرياضة، والالتزام بعلاجه حتى الشفاء منها.‏

وفي الختام، يجب القول إنه لا يمكن تطبيق الاحتراف الشامل لجميع عقود ‏اللاعبين والكُلي المتفرغ لكامل وقتهم خلال الموسم الرياضي، إلا إذا استطاعت الأندية ‏الاعتماد على نفسها مالياً دون انتظار دعم الدولة، أي أن الاحتراف بمعناه الحقيقي ‏يتطلب أندية محترفة تعمل على تحقيق الربح من حيث طبيعتها وشكلها القانوني.‏

وهذا يعني أن الانتقال الوجوبي للأندية نحو شكل الشركات الهادفة لتحقيق الربح أصبح مسألة ضرورية، ليس فقط للارتقاء بالأداء الرياضي، بل لقيامه واستمراره ‏بشكل مستقل عن الدولة.‏

back to top