طوفان الأقصى

نشر في 06-10-2024
آخر تحديث 05-10-2024 | 18:13
 د. تغريد محمد القدسي

مع اقتراب السابع من أكتوبر الذي وضع النقط على الحروف لطالما اعتقدنا أنها بلا نقط، ورغم الألم والوجع الذي يعتصرنا نتيجة المعاناة التي يمر بها أولا الغزيون الفلسطينيون واللبنانيون وخاصة بعد سلسلة تفجيرات البيجر واللاسلكي والصواريخ التي قام بها العدو الصهيوني في بيروت، ثم اغتيال السيد حسن نصرالله في تفجيرلم يسبق له مثيل، يتم ذلك كله في أجواء من الضعف والهوان العربي الذي يزيد عمق المأساة أكثر وأكثر.

فوجئنا في هذه المعركة كم نحن مخترقون من «العالم الآخر» لدرجة أننا نحس بالضعف لمجرد التخلي عما أدمناه من أكل وتسوق وتفكير، لقد اعتدنا أن يمتهننا الآخرون وأن يتم اللعب في عقولنا ونفسياتنا لدرجة أن نتحول ويتحول عالمنا كله إلى نسخ عن بعضها بعضا، كل فينا يفقد خصوصيته وتميزه، فلا بأس من ذلك في ظل هذه العولمة التي تجتاح العالم كله وفي ظل هذه القرية الكونية التي نحن جزء منها والمتناهية في الصغر.

لطالما تعودنا أن نكون في مصاف المستهلكين لا المنتجين، مع أننا نمتلك مقومات الانتقال لمصاف المنتجين حتى لو كانت المنتجات بدائية في البداية، وهذا ما نجيده للآن، إن التحول من مستهلك لمنتج ليس تسجيلاً لموقف سياسي فقط، فهي وإن كانت موقفا سياسيا، إلا أنها قرار اقتصادي بحت ننتقل بأخذه إلى مصاف المنتجين لا المستهلكين، ولكن وجب أن نعرف ما هو اللازم في أسواقنا مع المحافظة على جودة ما ننتجه!

إن المقاطعة التي هناك العديد ممن يتهمون متابعيها أنه لا قضية لهم هنا، هم مخطئون بنظري فالأرقام أصدق أنباء، والأرقام تخبرنا بجدية المقاطعة وأنا هنا لا أتكلم فقط عن حركة مقاطعة إسرائيل BDS، هناك العديد من المواقع والمؤثرين الذين هالهم كمية الفظائع التي تم ويتم ارتكابها على يد العدو الإسرائيلي، وهم يقومون بعمل اللازم لنا وعنا، يدققون في من يستثمر في الشركات ممن معروف عنهم دعم العدو الصهيوني، ويحذروننا منهم، هناك تحصيل حاصل لعملية المقاطعة، وهو أننا بدأنا نقرأ محتويات ما نتجرعه ونأكله، النتيجة أننا نتعلم الكثير فعندما بدأنا حملة المقاطعة باتت فعلا نتيجتها مجزية اقتصاديا وفيها تسجيل موقف مما يحدث، كما أنها تعلمنا الكثيرعن عادات استهلاكنا صحيا واقتصاديا. تخبرنا الأرقام أن 46 ألف شركة إسرائيلية قد أقفلت، وهناك 60 ألف شركة أخرى قاربت على الإقفال، وتخبرنا الأرقام كذلك أن عددا لا يستهان به من الإسرائيليين يتركون هذا البلد «الآمن»، كذلك انعدمت السياحة منذ أكتوبر، والسياحة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الإسرائيلي.

لا شك أن المقاطعة «للآخر» تنبع من صميم تراثنا الإسلامي، فالنبي محمد، صلى الله عيه وسلم، قاطعه المشركون ثلاث سنوات هو وكل بني هاشم وبني عبدالمطلب وبني مناف، حتى أكل ومن معه ورق الشجر، وعندما فتح الرسول الكريم المدينة قاطع المشركين شر مقاطعة لإضعافهم اقتصاديا، إذاً بداية الإسلام تؤكد على مشروعية وفعالية المقاطعة والدور الفردي في تفعيلها وتقويتها.

التاريخ الحديث سجل المقاطعة العالمية وخاصة اليهودية للمنتجات الألمانية كخيار أخلاقي بدل خوض الحرب ضدها، اليهود قاطعوا كل ما هو ألماني، كانت هذه هي الحرب الخفية ضد ألمانيا وما مثلته، نحن استندنا إلى التجارب التاريخية في تفعيل المقاومة، كانت ممارسة بحاجة لتفعيل، وكانت ستأخذ الكثير لتعمم ويتم نشر الوعي بشأنها، لكن طوفان الأقصى وما تبعه عجّل بذلك كما عجل بأمور أخرى مثل تحطم أسطورة الجيش الذي لا يهزم والجيش الأكثر أخلاقية بالعالم والديموقراطية الوحيدة بالعالم... إلخ.

الجدير بالذكر أن التاريخ يخبرنا أن الدول التي ترتكب المجازر بلا حساب أو حسيب، غزة ولبنان كانتا البداية، ونتحدث هنا عن لعنة العقد الثامن الذي تخافه دولة العدو والذي نتوجسه نحن! تخبرنا كتب التاريخ أنه ما من دولة إسرائيلية صمدت أكثر من ثمانين سنة، نحن نعيش فترة ستكتب في تاريخ العالم كله لا عالمنا العربي فقط، ولنا أن نكتب في هذا التاريخ منتصرين أم مهزومين!

* كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الكويت.

back to top