محللون سياسيون: خبراء في كل شيء حتى في صواريخهم الفرط صوتية!
في عصرنا الحديث، يبدو أن كل شخص قد حصل على ترخيص مجاني ليصبح محللاً سياسياً، وكأن الأمر ليس أكثر من لعبة فيديو، الجلوس أمام الشاشة يكفي لتحويل أي إنسان عادي إلى خبير استراتيجي يتحدث بثقة عارمة عن أي شيء، من النزاعات العالمية إلى كيفية تحضير القهوة بشكل صحيح، الفضائيات تشبه الآن عيادة نفسية للأفكار الفوضوية، حيث يجلس المحللون وكأنهم توصلوا لأسرار الكون في جلسة واحدة.
تدخل إلى غرفة المعيشة لتجد أحدهم يتحدث عن كيفية تأثير أسعار البنزين على العلاقات الدولية، وكأن كل علبة بنزين هي جزء من مؤامرة ضخمة، «هل رأيت كيف ارتفع سعر البنزين؟» يسألك بلهجة جادة، وكأن هذا هو الموضوع الذي سيتناولونه في قمة الأمم المتحدة، وفي اللحظة التي تظن فيها أنه سيتحدث عن خطط بديلة، يتابع حديثه عن أنواع القهوة التي يُفضلها زعماء العالم.
المحللون السياسيون لا يكتفون بالحديث عن السياسة فقط، بل يتنقلون بين الموضوعات كما يتنقل الأطفال بين الألوان في صندوق الألوان، تجدهم يتحدثون عن كل شيء بدءاً من الصراعات المسلحة، وصولًا إلى «أزمة السندوتشات» في الكافيتريات، لا تسأل عن السبب، فالإجابة دائمًا واحدة: «هذه مؤامرة تهدف لزعزعة استقرار النمط الغذائي للشعب!»، وكأن المطاعم تؤدي دورًا في السياسة العالمية.
وعندما يتعلق الأمر بنظريات المؤامرة، فلا أحد يضاهي هؤلاء المحللين، تسألهم لماذا ارتفعت أسعار الطماطم؟ فوراً سيظهر لك البطل المجهول الذي يعرف أن هناك خطة خفية من قبل شركات الأغذية الكبرى لإغراق السوق بالطماطم المعدلة وراثيًا، فقط ليجعلوك تشك في قدراتك على اختيار الخضار الطازجة! يبدؤون برسم خطط معقدة وكأنهم يُعدّون لمهمة تجسس، في حين أنت تفكر: «هل حقًا كل شيء مؤامرة؟».
لكن الأمر الأكثر تسلية هو عندما يبدأ أحدهم بالتحدث عن «مفترق الطرق» و«المسؤولية التاريخية» في كل موقف، ربما يكون قد تأخر على موعده، فتجده يربط تأخره بأزمة المناخ أو حتى بانتخابات دولة بعيدة، «أنا هنا لأخبركم بأن العالم على شفا كارثة، والسبب هو أنني تأخرت في الوصول!» ويستمر في التفلسف، بينما تحاول أنت استيعاب هذا المنطق الملتوي.
ومع كل هذا، تجد أن أحدهم يطرح فكرة جديدة: «لقد أطلقوا صاروخًا فرط صوتي! إن هذا الصاروخ ليس مجرد تقنية عسكرية، بل هو دليل على أن العالم كله في حالة طوارئ، ويجب علينا جميعًا أن ننتبه لتأثيره على أسعار الخبز!» وكأن الصاروخ الفرط صوتي هو المسؤول عن كل شيء، بدءاً من ارتفاع أسعار النفط وحتى اختفاء جواربك في الغسالة.
وفي النهاية، يبقى السؤال: لماذا نتحمل كل هذه السخافات؟ لأننا، كمشاهدين، نحب أن نصدق أننا جزء من الحوار الكبير، حتى لو كان هذا الحوار عبارة عن حوار في الفضاء الخارجي، ومع ذلك يبقى الواقع أن ما نحتاجه هو القليل من الهدوء والتواضع، بدلاً من هذا الطوفان من التحليلات التي لا تنتهي، والتي تحوّلت إلى مجرد عرض كوميدي عبثي في عالم السياسة.