«أوروبا الحصن»... المشروع المشترك بين أوربان وكيكل وفيلدرز
اليمين المتطرف يحاصر الأحزاب التقليدية بخطاب حمائي ومناهض للهجرة
يمثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وزعيم حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا هربرت كيكل، والسياسي الشعبوي الهولندي خيرت فيلدرز موجة جديدة من الشعبوية التي تنتشر في جميع أنحاء أوروبا، وفق ما ذكرت صحيفة «لوبوان» الفرنسية، مشيرة إلى أن كيكل، الذي يُعرف بمواقفه الصارمة تجاه الهجرة والإسلام، فاز مؤخراً بالانتخابات التشريعية في النمسا.
وفي هولندا، فاز خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية، بالانتخابات التي جرت في نوفمبر 2023، واختار المشاركة في حكومة ائتلافية، لكنه هدد بالانسحاب منها بسبب التوترات الداخلية.
أما فيكتور أوربان، فيبقى في السلطة في المجر دون حاجة إلى حلفاء، مستخدماً مقعده في المجلس الأوروبي لفرض «الفيتو» الاستراتيجي والحصول على تنازلات لمصلحة بلاده.
ويتشارك هؤلاء القادة الثلاثة في رؤية مشتركة لأوروبا أكثر انغلاقاً، قائمة على القيم المسيحية، ومعارضة للاندماج المفرط داخل الاتحاد الأوروبي. وبدأ جميعهم مسيرتهم السياسية في أواخر التسعينيات أو أوائل الألفية، في فترة كانت فيها أوروبا تبني سوقها الداخلية وتستعد لاعتماد اليورو.
ويعارض أوربان، كيكل وفيلدرز هذا الاتجاه نحو الاندماج الأوروبي ويدعون إلى أوروبا أكثر سيادة، حيث تفوض الدول الأعضاء قدرًا قليلًا من الصلاحيات للاتحاد الأوروبي. ورغم اختلاف أساليبهم، فإن هؤلاء الزعماء يتبنون خطابًا شعبويًا وقوميًا، يدافعون من خلاله عن فكرة «أوروبا الحصن». كما أن تحالفهم ضمن المجموعة السياسية «الوطنيون» داخل البرلمان الأوربي يمثل تحديًا كبيرًا للاتحاد الأوروبي.
ومن بين هؤلاء الثلاثة، يتميز فيكتور أوربان بنهجه الاستراتيجي ورؤيته البعيدة. ففي خطاب ألقاه في يوليو 2023 خلال الجامعة الصيفية في «بيل توشناد»، حذر أوربان من تراجع الهيمنة الغربية أمام صعود آسيا، داعيًا إلى وضع «استراتيجية كبرى للمجر». ويسعى أوربان لوضع بلاده كجسر يربط بين الشرق والغرب، متوددًا إلى كل من الصين والولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب، الذي يأمل في عودته إلى السلطة.
ومنذ وصوله إلى الحكم في 2010، حوّل أوربان المجر إلى ما يسميه «ديمقراطية غير ليبرالية»، متوازنًا بمهارة بين المصالح الوطنية والمتطلبات التي تفرضها المؤسسات الأوروبية، بينما يواصل تعزيز علاقاته مع قوى عالمية مثل روسيا والصين.
في المقابل، يركز هربرت كيكل أكثر على القضايا الوطنية والأوروبية. ويعتمد خطابه الشعبوي على حماية الحدود ومكافحة الهجرة التي يعتبرها تهديدًا لأمن أوروبا. كما يتبنى كيكل نبرة أكثر عدوانية، منتقدًا النخب السياسية، ويقدم نفسه على أنه «مستشار الشعب»، ويهاجم بشدة حركة حقوق المثليين وما يسميه «جنون الجندر»، ويرفض بشكل قاطع ما يراه أجندة تقدمية تفرضها أقلية صاخبة.
فيما يتعلق بتغير المناخ، يتخذ كيكل موقفًا مثيرًا للجدل، حيث يصف بعض السياسات البيئية بأنها «شيوعية مناخية»، مندّدًا بما يراه محاولة لفرض سيطرة حكومية مشددة على المجتمع.
من جانبه، يعدُّ خيرت فيلدرز الأكثر حدة في هجماته ضد الإسلام، إذ يقدم نفسه كمدافع عن «الهولنديين الحقيقيين» في مواجهة ما يسميه «أسلمة» البلاد، داعيًا إلى إغلاق الحدود وسحب الجنسية من المجرمين الإسلاميين. وعلى الرغم من تبنيه مواقف ليبرالية فيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية، خاصة حقوق المثليين، فإنه يظل ثابتًا على خطابه المناهض للإسلام. لكن مشاركته في حكومة ائتلافية تقلص من حريته في التصرف، وقد هدد بالفعل بالانسحاب من الحكومة إذا لم تلب مطالبه.
ورغم اختلاف أساليبهم واستراتيجياتهم، يشترك أوربان وكيكل وفيلدرز في هدف واحد: تحويل أوروبا إلى كيان أكثر سيادة واستقلالية، مع تقليص نفوذ الاتحاد الأوروبي. وبينما يتمكن أوربان، من خلال نهج أكثر دهاءً، من اللعب على وتر المؤسسات الأوروبية لتحقيق مكاسب للمجر، يتبنى كيكل وفيلدرز، اللذان ما زالا في المعارضة أو في إطار التحالفات، نهجًا أكثر مواجهة واستفزازًا.
ويضع صعود الشعبوية والقومية في أوروبا الأحزاب التقليدية في موقف صعب، حيث تجد نفسها ممزقة بين استبعاد الشعبويين من خلال «حزام صحي» يمنع التعاون معهم، وبين إغراء دمجهم في الحكومة لتقليص تأثيرهم. وفي كلتا الحالتين، تمكن أوربان وكيكل وفيلدرز من فرض مواضيعهم في النقاش العام الأوروبي، مما أجبر الأحزاب التقليدية على إعادة تموضعها. وبهذا، أصبح المشهد السياسي الأوروبي مشبعًا بهذه الموجة الشعبوية الجديدة، التي قد تزداد قوتها في السنوات القادمة.