مأزق المدارس العامة في إفريقيا

نشر في 12-12-2022
آخر تحديث 11-12-2022 | 19:59
لتحقيق هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتعلق بالتعليم، والذي يهدف إلى «ضمان تعليم جيد وشامل ومنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع»، يجب على الحكومات الإفريقية معالجة الفروق التعليمية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا.
 بروجيكت سنديكيت

كشفت جائحة كوفيد19 وبشكل صريح عن أوجه عدم المساواة الواسعة والمنهجية فيما يتعلق بالوصول لأنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم والفرص المرتبطة بذلك، وفي حين أن إغلاق المدارس والتحول إلى التعلم عن بعد كان له تأثير كارثي على مئات الملايين من أطفال المدارس، فإن المدارس العامة التي تعاني نقص التمويل في إفريقيا كانت الأكثر تضرراً، وقد تكون الضرورة أم الاختراع، ولكن من المستحيل الابتكار والتقدم بدون موارد أو بنية تحتية كافية.

وخير مثال على ذلك ليسوتو وهي دولة صغيرة ذات دخل متوسط أدنى وتقع في جنوب قارة إفريقيا، وفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة، عاد 83 في المئة فقط من أطفال ليسوتو الى المدارس منذ استئناف الدراسة بحضور شخصي، وفي بلد مثل ليسوتو حيث ما يقرب من 40 في المئة من السكان دون سن 18 عاما، وأربعة فقط من كل عشرة أطفال يلتحقون بالتعليم الثانوي، فإن هذا يعتبر أزمة شاملة تهدد بالتأثير سلبا على عقود من التقدم الذي تم إحرازه في نتائج التعلم والقدرة على الوصول إلى تعليم جيد.

لقد أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش بين أبريل وأغسطس 2020 مقابلة عن بُعد مع طلاب وأولياء أمور ومعلمين ومسؤولين حكوميين في جميع أنحاء إفريقيا وعددهم 57 شخصاً حول آثار الجائحة على التعليم، عندما أغلقت المدارس في بداية الجائحة، توقف العديد من الأطفال في واقع الأمر عن التعلم. لقد عانى العديد منهم التوتر والقلق والعزلة والاكتئاب بسبب عدم القدرة على الاتصال بأصدقائهم ومعلميهم في المدرسة، وحُرم بعض الأطفال الذين يعيشون في فقر مدقع ليس من الحصول على فرص التعليم فقط، بل من الحصول أيضاً على الوجبات المدرسية المجانية مما أدى إلى سوء التغذية، كما عانى تعليم الفتيات نكسات كبيرة حيث كان يُطلب من الطالبات القيام بالأعمال المنزلية بدلاً من التعلم.

لكن أولئك الملتحقين بالمدارس العامة كانوا الأكثر معاناة حيث أدت الجائحة إلى تفاقم الفروقات القائمة بين التعليم الخاص والتعليم العام في جميع أنحاء القارة، لقد ذكر معلم من مدرسة عامة ابتدائية في الريف لهيومن رايتس ووتش إن مدرسته ليس لديها أجهزة كمبيوتر، وإن المعلمين يفتقرون إلى مهارات الكمبيوتر لجعل التعلم عن بعد فعالاً، ومن ناحية أخرى أشارت مديرة مختبر من مدرسة خاصة إن جميع طلابها كانوا يستخدمون الخدمات الرقمية مثل غوغل كلاس روم حتى قبل تفشي الجائحة، وفي حين واجه الطلاب والمعلمون في مدرستها صعوبات مختلفة تتعلق بالتعلم عن بعد، إلا أنهم تمكنوا جميعا من الاستمرار في أداء واجباتهم الدراسية، وأضافت أن مدرستها تمكنت من تطوير منصة تعليمية خاصة بها مكّنت المعلمين من التفاعل مع الطلاب وإجراء الاختبارات عبر الإنترنت.

لقد كان الانتقال إلى التعلم عن بعد صعبا بالنسبة للأسر الفقيرة والغنية على حد سواء، وحتى أولياء الأمور المتمرسون في التكنولوجيا غالبا ما يشعرون بأن التعلم عن بُعد غير فعال، ويؤمن معظم أولياء الأمور بأهمية الحضور للمدارس من أجل التفاعل بين الطلاب والمعلمين وهم يتوقعون أن يتلقوا ملاحظات المعلم على شكل عمل مدرسي تمت مراجعته وذلك من أجل تقييم التقدم الذي يحرزه أطفالهم بالإضافة الى حضور اجتماعات المدرسة للقاء المعلمين شخصيا، ولكن بينما كان الطلاب الأكثر ثراءً على دراية بالتكنولوجيا ولديهم أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة في المنزل والقدرة على الوصول إلى مختبرات الكمبيوتر والإنترنت عالي السرعة في المدرسة، كان الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض في المدارس العامة الريفية يفتقرون إلى المهارات التقنية الأساسية.

وفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة عاد 83% فقط من أطفال ليسوتو إلى المدارس منذ استئناف الدراسة

ان التكلفة المرتفعة لبيانات الهاتف المحمول هي أحد أكبر عوائق التعلم عن بعد في إفريقيا فمع إغلاق المدارس فإن العديد من الأطفال الذين لا يوجد لديهم كمبيوتر في المنزل اعتمدوا على الهواتف المحمولة لوالديهم من أجل حضور الحصص المدرسية ولكن بعض الآباء رفضوا ذلك متعللين بتكاليف البيانات المرتفعة والهاتف محدود التخزين كما لم يستطع آخرون شراء هاتف ذكي. ولكن حتى الآباء الأكثر ثراءً الذين لديهم أطفال في المدارس الخاصة وجدوا صعوبة في التعامل مع زيادة استخدام البيانات حيث أدت الجائحة الى نقص في مدخولهم كذلك.

علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الوصول الموثوق إلى الإنترنت جعل التعليمات المتزامنة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة، وفي كثير من الأحيان كان هناك تأثير سلبي للأخطاء الفنية المفاجئة ومشكلات الاتصال على قدرة الطلاب على التعلم وكان المعلمون يكافحون من أجل ضمان انتباه الطلاب للمواد وفهمهم لها.

تعد أسعار البيانات المرتفعة للغاية مشكلة على مستوى القارة، حيث تؤثر سلبا على التعلم في جميع أنحاء إفريقيا، ومن أجل معالجة تلك المشكلة يجب على الحكومات إجبار مزودي خدمات الهاتف المحمول على خفض الأسعار وتقديم عروض بيانات بأسعار مخفّضة للطلاب والمعلمين، وكخيار بديل يمكن للحكومات تقديم الدعومات للشركات الراغبة في تزويد أطفال المدارس وأولياء أمورهم ببيانات وأجهزة مجانية.

لقد أصبح التعلم عن بعد جزءا لا يتجزأ من التعليم، ومن المرجح أن تستمر خدمات التواصل عبر الفيديو مثل زوم وبغض النظر عن أزمات الصحة العامة، فمن الضروري تطوير أنظمة إدارة التعلم التي تمكّن المعلمين من تقديم الدروس بشكل فعال وإشراك الطلاب أثناء الأنشطة الصفية وتوفير أدوات يمكن الوصول إليها لتقييم تقدمهم، ويجب أن يصبح المعلمون أيضا أكثر مهارة في استخدام هذه المنصات الجديدة.

ولتحقيق هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتعلق بالتعليم (هدف التنمية المستدامة 4) والذي يهدف إلى «ضمان تعليم جيد وشامل ومنصف وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع»، يجب على الحكومات الإفريقية معالجة الفروق التعليمية التي تفاقمت بسبب الجائحة، لكن يجب على صانعي السياسات توفير الموارد اللازمة لخلق بيئة تعليمية آمنة وعادلة لجميع الطلاب، سواء كانوا يرتادون مدرسة خاصة أو عامة.

* باليسا ليبي مؤسسة مشاركة في المنظمة غير الحكومية للتكنولوجيا الصديقة للبيئة «غرين تيك» وهي مدربة وسفيرة لأسبوع البرمجة لإفريقيا في ليسوتو ومترجمة لمنطقة سوثو الجنوبية فيما يتعلق بمشروع «إف أتش تي» التفاعلي المتزامن في جامعة كولورادو بولدر.

back to top