هم يحافظون ونحن نهدم!
على مدى التاريخ ألقى الباحثون الكثير من المحاضرات، وألفوا الكثير من المجلدات، حول أهمية دراسة التاريخ والمحافظة عليه، فأخذت بلدان هذه النصائح بعين الاعتبار باستثناء بلدي الكويت! نعم الكويت للأسف تهدم تاريخها بيدها، وبسبب هذه السياسة أصبح أبناء اليوم يستغربون إذا سمعوا عبارة «تاريخ الكويت»، ولا يُلامون على استغرابهم لأنهم لم يروا قصر الشيخ خزعل الكعبي لأن يد الإهمال طالته فأصابه الانهيار، ولم يتزلجوا في أقدم صالة تزلج بالوطن العربي التي بُنيت في السبعينيات لأنها أُعدمت، ولم يعرفوا ملاحم القصر الأحمر والرقة البحرية وما جرى فيها لعدم تطرق الإعلام على ذكرى الحادثتين. وفي الصدد نفسه حتى بيت شهداء القرين أصابه ما أصاب سلفه ولم يُشف مما أصابه، ولا نغفل عن قصر مشرف ذاك القصر الذي من يراه يتغزل بجماله وهيبته، وعندما ننتقل إلى حقبة التاريخ الحضاري القديم لم يندهشوا بجمال الحضارة الهيلنستية التي بُنيت في جزيرة فيلكا بسبب قلة المتاحف وندرة المعارض المهتمة بالتاريخ الحضاري، والقائمة تطول في الأماكن التاريخية التي لم يتبق منها إلا اسمها فقط!! هنالك دول تكمن جماليتها في المحافظة على تاريخها، فهذه ڤيينا عاصمة النمسا على سبيل المثال لا الحصر لو سألت الذاهب إليها ما الذي يُعجبك فيها سيُجيبك بعد طبيعتها الساحرة محافظتها على تاريخها واعتزازها به، فالمباني التاريخية هناك عمرها مئات السنين، وبالمحافظة عليها جمعت ڤيينا عدة أمور إيجابية أبسطها إبراز هويتها والأمر الآخر هو تنشيط السياحة في بلدها، والكويت كانت تستطيع أن تحذو حذو ڤيينا لولا سياسة تدمير التاريخ المغلفة بغلاف التجديد!!
أخشى بعد عشر سنوات أن يتحول الاستغراب من مصطلح تاريخ الكويت الى نكتة يتداولها الشباب الكويتيون جيلا بعد جيل، نتمنى على الجهة المعنية بحفظ التراث وقفة جادة للمحافظة على ما تبقى من تاريخنا، فالإنسان بطبيعته لن يعرف قيمة الشيء إلا بعد زواله، ونحن كذلك لن نعرف قيمة التاريخ إلا بعد اندثاره، نحن نعيش في حقبة عنوانها التفاؤل فنسمع بين الحين والآخر أن قطار الإصلاح سيمر على كل محطة في البلد، ونتمنى من هذا القطار ألا يتجاهل محطة التاريخ وأهله ويعمل في هذه المحطة حتى يُعيد لها بهجتها بعد اكتئابها.