أجندة إيلون ماسك غير المستترة

نشر في 11-12-2022
آخر تحديث 10-12-2022 | 19:23
 بروجيكت سنديكيت لماذا اشترى إيلون ماسك شركة «تويتر»؟ كانت إجابته الرسمية «الدفاع عن حرية التعبير والديموقراطية» غير مقنعة إلى الحد الذي يجعل السؤال قائماً لا يختفي، والواقع أن التجاء إيلون ماسك على نحو متكرر إلى مثل هذه المُثُل لتبرير القرارات المهمة التي اتخذها منذ استحواذه على «تويتر» أمر مُربك إلى الحد الذي يجعله يثير شكوكاً عميقة حول دوافعه.

على سبيل المثال، انتقد ماسك بشدة قرار حذف حساب الرئيس السابق دونالد ترامب، زاعماً أن «حرية التعبير هي حجر الأساس لأي ديموقراطية قوية»، لكن حساب ترامب حُذِفَ لأنه كان يستخدمه لنشر نظريات المؤامرة حول الانتخابات بين جمهور عريض بلغة متزايدة العنف، ومن الصعب أن نتخيل طريقة أكثر فاعلية لتقويض الديموقراطية من إعطاء رئيس الولايات المتحدة منبراً يسمح له بالادعاء بأن الانتخابات الحرة النزيهة التي خسرها «سُرِقَت»، فكيف يُعقَل أن يكون السماح لترامب، الذي لا يزال زعيم الحزب الجمهوري والزعيم السابق لدولة ديموقراطية، باستخدام «تويتر» لمهاجمة الديموقراطية، سبباً في جعل الديموقراطية أقوى؟

يعتمد النظام الديموقراطي على تقبل شرعية قواعده على نطاق واسع، ويجري التعبير عن هذه الشرعية، في أوضح صوره، من خلال التصويت، لذا، ليس من قبيل المصادفة أن يعمل أولئك الذين يسعون إلى تدمير شرعية الديموقراطية على نشر معلومات مضللة تؤدي إلى تقويض الثقة في النظام الانتخابي.

لكن الأمر لا يخلو من طرق أخرى لتقويض الشرعية الديموقراطية، إذ تقوم الديموقراطية على المساواة السياسية، ويتمثل التعبير الأوضح عن هذا في مبدأ «شخص واحد، صوت واحد»، لكن المساواة السياسية تنطوي على أهمية أوسع فهي تعني أن كلاً من أصواتنا من الممكن أن يُسمَع، وكما زعم الفيلسوف ستيفن داروال، في الديموقراطية، يجب أن يكون من الممكن التحدث بالحقيقة أمام السلطة. وعلى هذا فإن الحفاظ على الشرعية الديموقراطية يعني حماية حيز المعلومات الديموقراطية مجال الثقة المتبادلة حيث يشعر المواطنون بالثقة في قدرتهم على الحوار والانتقاد بحرية على أساس إجماع مشترك حول الواقع، فهناك طرق راسخة لتقويض الشعور المشترك بالواقع، وبالتالي تدمير إمكانية وجود حيز للمعلومات الديموقراطية، وبين هذه الطرق، إعطاء منبر لأشخاص أقوياء ينشرون نظريات المؤامرة الذميمة.



هناك أيضاً طرق أخرى كثيرة، في كتابهما بعنوان «تُجَّار الشك»، أوضح المؤرخان نعومي أورسكيس من جامعة هارفارد وإريك كونواي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا كيف مولت كل من صناعة التبغ وصناع الوقود الأحفوري أبحاثاً كان الهدف منها نشر الشكوك حول الإجماع العلمي المحيط بقضيتي التدخين وتغير المناخ، وكانت النتيجة الشلل السياسي، فقد أدى تقويض ثقة العامة من خلال زرع بذور الشك غير المشروع إلى تدمير إمكانية وجود حيز معلوماتي ديموقراطي للتداول حول مثل هذه القضايا، وحتى إذا كنت مهموماً بشأن تغير المناخ، فقد تعارض الجهود المبذولة للتخفيف من حِدّته إذا كنت تعتقد أن الأجندة الحقيقية وراء هذه الجهود جزء من مؤامرة لإخضاع البشرية في ظل نظام شمولي بيئي.

كل المطلوب لتدمير إمكانية وجود حيز معلوماتي ديموقراطي يتناول قضايا سياسية بعينها، مثل تغير المناخ، هو توفير منبر للدعاة المروجين للتضليل وإضفاء الشرعية عليهم، لكن هذه الاستراتيجية يمكن تعميمها لاستهداف إمكانية الشرعية الديموقراطية ببساطة، من خلال تدمير إمكانية الإجماع على أي قضية، ولتحقيق ذلك، يحتاج المرء إلى منبر يعطي ثِقَلا متساويا لكل الأصوات التي تنشر نظريات المؤامرة حول كل قضية يمكن تخيلها ذات اهتمام سياسي عام. حاول نشطاء الكرملين إيجاد مثل هذا المنبر بالاستعانة بقناة روسيا اليوم التلفزيونية، والآن يحاول ماسك تنفذ ذات الاستراتيجية مع «تويتر».

من الواضح لماذا ترغب صناعة الوقود الأحفوري في تقويض إمكانية اتخاذ تدابير مُجازة ديموقراطياً في التعامل مع تغير المناخ. ولكن لماذا يريد أغنى رجل في العالم تقويض شرعية الديموقراطية ذاتها؟ يجب أن تكون الإجابة واضحة الآن، ففي ظل ديموقراطية سليمة، يسمح الحيز المعلوماتي الديموقراطي المشترك للجميع بالتحدث بالحقيقة إلى أي شخص. هذا هو جوهر المساواة السياسية، وفي ظل نظام ديموقراطي سليم، يستطيع صحافي من الطبقة المتوسطة أن ينشر معلومات مدروسة جيدا تفضح شركات متعددة الجنسيات أو أفرادا فاحشي الثراء وتساهم في إيجاد إجماع شعبي لصالح تقييد أفعالهم، أو زيادة الضرائب المفروضة عليهم، أو مساءلتهم بأي طرقة أخرى، فإذا نجح شخص ما في تدمير مثل هذا الحيز المعلوماتي من خلال رعاية نشر الشك الجماعي، فلن يكون من الممكن بعد ذلك حشد المواطنين ضد الأقوياء على هذا النحو.

من منظور الأفراد الأقوياء، تشكل الشرعية الديموقراطية تهديداً، لأنها تمثل رقابة على سلطانهم، فهل من المستغرب إذاً أن يرغب أحد أقوى الأفراد في العالم في القضاء عليها؟

* جيسون ستانلي أستاذ الفلسفة في جامعة ييل، ومؤلف كتاب «كيف تعمل الفاشية: سياسة نحن وهُم».

back to top