الصين توسّع نطاق وجودها في المحيط الهندي

نشر في 09-12-2022
آخر تحديث 08-12-2022 | 22:17
 قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي
قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي
وفق «التقرير الأميركي عن القوة العسكرية الصينية لعام 2022»، تُعتبر بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني أكبر قوات بحرية في العالم من الناحية العددية، كذلك، يسلّط التقرير الضوء على الدور الأساسي الذي تضطلع به قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي لمنح الصين القدرة على «نشر قوتها العسكرية والحفاظ عليها على مسافة أكبر».

أنشأ جيش التحرير الشعبي مرسى بطول 300 متر، وقد أصبح جاهزاً لاستيعاب سفن أكبر حجماً مثل حاملات الطائرات، والغواصات، والسفن البرمائية مستقبلاً، ويتوقع الخبراء أيضاً أن تبني الصين منشآت إضافية على شكل أحواض جافة ومراكز تصليح للسفن السطحية والغواصات معاً، حيث تشهد قاعدة الدعم، منذ افتتاحها رسمياً في عام 2017، حملة مستمرة لبناء أرصفة جديدة، ويشتبه البعض في أنها تشمل منشأة سرية للأمن الإلكتروني والسيبراني، وتشارك هذه القاعدة دوماً في تدريبات عسكرية ونشاطات واسعة لإثبات وجودها في المنطقة.

عرّفت الصين قاعدة جيبوتي أمام المجتمع الدولي باعتبارها «منشأة لوجستية» أو «قاعدة دعم»، لكن تكشف أحدث النشاطات أنها تحولت إلى قاعدة بحرية متكاملة، وفي حين تسعى الصين إلى توسيع وجودها في منطقة المحيط الهندي عبر تكثيف النشاطات الاقتصادية والتجارية، تتعدد الأسباب التي تؤجج المخاوف الأمنية في الهند بعد افتتاح أرصفة جديدة في جيبوتي، ثم توسيع نطاق تحرّك الغواصات الصينية، وعمليات المسح، والسفن الهيدروغرافية، بالقرب من السواحل الهندية.

بدأ وجود بحرية جيش التحرير الشعبي يتوسّع بوتيرة ثابتة في المحيط الهندي منذ عام 2009، وعندما أطلقت سفن القراصنة عمليات خطف طلباً للفدية في خليج عدن وزعزعت بذلك ممرات التجارة والطاقة العالمية، انضمّت الصين إلى الجهود الدولية الرامية إلى مراقبة المياه الإقليمية، فحتى اليوم، يتعلق تبرير أساسي لوجود بحرية جيش التحرير الشعبي بحماية الالتزامات التجارية والتجارة البحرية، وتنتشر الغواصات الصينية في المحيط الهندي منذ عام 2013، ويزعم المسؤولون أنها تنشط هناك لمكافحة عمليات القرصنة.

تستعمل الغواصات الصينية مضيق مالاكا أو لومبوك أو سوندا لبلوغ المحيط الهندي، ويبقى مضيق سوندا ضحلاً ويقتصر عمقه على 50 متراً، وتزيد صعوبة التنقل في هذه المياه بسبب الأرصفة الرملية، ووجود منصات النفط في رف سوندا الصخري، ونشاطات سفن الصيد، ويُعد مضيق لومبوك عميقاً بما يكفي كي تمرّ فيه الغواصات بطريقة طبيعية، لكن تضطر الغواصات الصينية للتنقل على سطح الماء حرصاً على أمن الملاحة في مضيق مالاكا، وغالباً ما ترافقها سفن خدمات للدلالة على وجود الغواصات الصينية.

أصبح نشر الغواصات إلى جانب سفن المسح الهيدروغرافي في المحيط الهندي شائعاً منذ عام 2017، فوفق تقارير إخبارية هندية، أجرت أهم سفينة مسح في بحرية جيش التحرير الشعبي في عام 2017 مسحاً لمياه المحيط الهندي، وكانت من طراز «هايانغ كلاس 22»، كانت تلك العملية تهدف على الأرجح إلى تحسين عمليات الغواصات.



في عام 2018، أجرت سفينة المسح الأوقيانوغرافي «شيان 3»، من طراز «625 سي»، مسحاً لخندق مكران في الخليج العربي كجزءٍ من تدريبات مشتركة مع البحرية الباكستانية، وخلال السنة نفسها، انتشرت سفينة «شانغ يانغ هونغ 10» في المحيط الهندي لمسح نطاق «الرابطة الصينية للبحث والتطوير في ميدان الموارد المعدنية للمحيطات» في جنوب غرب المحيط الهندي.

منذ عام 2019، أجرت سفن صينية مثل «شانغ يانغ هونغ 03» مسحاً للمياه العميقة في خليج البنغال، وبحر العرب، والمياه الواقعة في غرب إندونيسيا، إذ تعد الهند وأستراليا هذه المنطقة مهمة لإطلاق عمليات الغواصات، كذلك، نشرت الصين أسطولاً من الطائرات المسيّرة تحت الماء في المحيط الهندي لدراسة البيئة المائية، والخصائص الهيدروغرافية، وظروف قياس الأعماق، وحرارة مياه البحر ودرجة ملوحتها، ومعايير أخرى، ويمكن استعمال هذه المركبات لتحسين أداء تقنية السونار في الغواصات الصينية وزيادة قدرات رصد المعدات الصينية في الحروب المضادة للغواصات في تلك المساحات المائية.

أثار استعمال الصين للطائرات الشراعية البحرية اهتمام وسائل الإعلام العالمية حين التقط صياد إندونيسي صور الطائرات «هايي» قبالة مقاطعة سولاوسي الجنوبية، في ديسمبر 2019، إذ تُركّز الصين أيضاً على بناء أجيال جديدة من الطائرات الشراعية تحت الماء وعوامات «أرغو» لأغراض عسكرية محددة، وقد تسمح أي طائرة شراعية صوتية تحت الماء، وهي مركبة أصبحت قيد التطوير راهناً، بتغيير قواعد اللعبة التي تخوضها الصين عبر رصد الغواصات وتعقبها في المحيط الهندي.

من المتوقع أن تزداد سهولة نشر غواصات الصواريخ البالستية والغواصات الهجومية الصينية في المحيط الهندي مستقبلاً، بعد توسّع نطاق السفن الهيدروغرافية الحكومية الصينية وسفن المسح، وعلى عكس منطقة غرب المحيط الهادئ التي تشهد انتشار غواصات البحرية الأميركية، وقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية، والسفن المضادة للغواصات التي تراقب غواصات بحرية جيش التحرير الشعبي، يُعتبر المحيط الهندي آمناً نسبياً لنشاطات الغواصات الصينية، لكن تجاوز نقاط الاختناق من دون التعرّض للتعقب يبقى من أصعب التحديات التي تواجهها الغواصات الصينية عند دخول المحيط الهندي، فقد تسمح قاعدة الدعم في جيبوتي بتجاوز هذه المشكلة الأساسية، وقد تقضي خطوة الصين المقبلة بنشر الغواصات في هذه القاعدة لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة.

من المبرر أن تتصاعد مشاعر القلق في نيودلهي بسبب القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، وزيادة أعداد السفن التابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي، والغواصات، والسفن البحثية، في المحيط الهندي، فهذا الوضع لا يتحدى نطاق النفوذ الهندي في المنطقة فحسب، بل إنه يزيد مخاطر التهديدات الأمنية حين تنشط السفن الصينية بالقرب من المنطقة الاقتصادية الخالصة في الهند، وفي عام 2022، اضطرت الهند لتأجيل الاختبارات الصاروخية بسبب وجود سفن المراقبة الصينية «يوان وانغ 6» و«يوان وانغ 5» في المحيط الهندي، كذلك، تشتبه الهند بتجسس سفن الصيد الصينية في عمق البحار على منشآت إطلاق الصواريخ الهندية والقواعد البحرية وحركة السفن في خليج البنغال وبحر العرب.

يجب أن تقوي الهند قدراتها المائية وتطالب بإعادة النظر بمفهوم الحروب تحت الماء للتعامل مع تهديدات الصين الناشئة في المحيط الهندي.

* براكاش بانيرسيلفام

back to top