عقدة ألمانيا الحديثة

نشر في 09-12-2022
آخر تحديث 08-12-2022 | 19:13
 أنور السهو

«أوروبا تتحدث بلسان ألماني» طموح سياسي لألمانيا الحديثة، واجتثاث لصورة النازية والدموية من تاريخها السياسي.

عندما ترجع للتاريخ القديم تشاهد وتلمس رغبة ألمانيا التوسعية على مختلف العصور، والتي انتهت بالتقسيم المعروف ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية وجدار برلين، ثم انهيار ذلك وتوحدها على دستور ألمانيا الجديدة بخط أميركي عريض، لكن ألمانيا الحديثة تعود مرة أخرى إلى الصدارة بأقوى اقتصاد من بين الدول الأوروبية، ثم الحامي لوحدة أوروبا وعملتها اليورو وتتدخل لإنقاذ اليونان من الأزمة المالية حتى لا تتمزق القارة الأوروبية وينتهى حلم الاتحاد.

تدخل ميركل إلى اليونان لعلاج الخلل المالي الكبير بشروط اقتصادية قاسية ترفع كفاءة الاقتصاد اليوناني وتتفاجأ بحشود شعبية ترفع الصليب المعكوف كرمز للتاريخ الأسود، وكثيراً ما تتصدر ألمانيا القضايا الإنسانية لكن شبح الدماء لا يموت وعقدة النازية تتجدد، وتدافع عن الحرية وحقوق الإنسان لكن الدبابة النازية لها بالمرصاد، وتخرج إلى العالم بصورة ديموقراطية لكن تدخل دولة قطر وتتجاوز القانون والأعراف الدولية. تحاول ألمانيا الحديثة التملص من قميص ألمانيا النازية بالتباكي على المحرقة اليهودية، وتنسى نزعه بالكامل، فتصمت عن الألم الفلسطيني، وتدخل المونديال الرياضي العالمي بشعار الدفاع عن الحرية، وتبيح لنفسها قمع اللاعب الدولي «مسعود أوزيل» بسبب آرائه الشخصية.

نجحت في إدارة ملف اللاجئين وفعلت لائحة دبلن الأوروبية ومنعت الحراس المسلحين على الحدود حتى لا تستيقظ عقدة ألمانيا النازية، ومع ذلك تصريح «إن التعددية الثقافية خدعة» استقبل بتصفيق حار من المشاركين في مؤتمر الحزب الديموقراطي المسيحي وهو الحزب الحاكم.

تناقضات كثيرة تعيشها ألمانيا الصناعية بسبب الماضي المرعب، تدعم قضايا إنسانية لإيمانها أن تطهير التاريخ يكون بقيم أخلاقية تعبر عن حاضرها المغاير لكن مخالب الماضي تبقى دون تقليم، ومع ذلك تحاول القوة الصناعية أن تكون قوة إنسانية تدعم حقوق الإنسان والحريات بشكل مستقل عن الماضي، وفق معايير الأخوة الإنسانية واحترام قوانين الدول وثقافة شعوبها لكن النفاق السياسي يعيد تدحرج عقدة الماضي، ويعطل خلق مستقبل إنساني مزدهر لألمانيا الحديثة.

سلاح المثلية الذي تسلحت به برلين هو أول ما قتل حياديتها، وأصاب استراتيجيتها في تشكيل تاريخ ألمانيا الإنسانية إصابة بليغة، وخلق سخطاً شعبياً وتذمراً في الشرق الأوسط من التهميش المتعمد لدور المجتمعات الشرقية في حقوق الإنسان والحريات كما ولد صوتاً واثقاً من دناءة حق المطالبة بالمثلية بأن الإنسانية ليست حكراً لألمانيا النازية، والصراع مستمر بين ألمانيا الحديثة وألمانيا النازية وحالة جدلية يصعب معرفة الفائز بها.

back to top