في وداع أستاذي سامي الفرج... رحمه الله

نشر في 02-08-2024
آخر تحديث 01-08-2024 | 20:03
 د. عبدالرحمن الصواغ

‏اتصالٌ، فدعوةٌ، فلقاءٌ، فصحبةٌ علميّةٌ امتدت عشر سنوات، مضتْ سريعاً رغم كثرة لقاءاتها ونقاشاتها وعشاءاتها وضحكاتها... ‏فقدتُ منذ لازمه المرض دعواتَه- بل تأكيداته- الأسبوعية لعشاء الجُمعة في منزله، بحواراته الرشيقة وطبخاته البديعة.

‏لم يكن سامي عالماً استراتيجياً فحسب- فهذا ما يشهد له القاصي والداني- بل كان ذلك العالِم الذي يعجنك بأصالة العلم وذكاء المعرفة، يختبر الأفكار، يناقشها، يتوق إلى جديدها، ويصلها بقديمها.

‏لم يركن سامي إلى شهاداته العالمية، ولم يكتف بألقابه المرموقة، كان شغوفاً بالعلم حقاً، كان إلى آخر أيامه، رحمه الله، يستمع إلى حوارات سينيكا، يراجع حملات الإسكندر، يسألني عن يوشع بن نون، عن الطبري، عن ابن رشد، لم يكن يحب أن يُعرّف على جليل خصاله وخصال أسرته الكريمة إلا في سياق العلم وأهله.

‏لسامي أصحابٌ جَمَعهم ذلك الشغف، لم يدّخر يوماً علمَه ونصحَه عنهم، كان يدفعهم دفعاً إلى تعلم اللغات وتذوّق الثقافات، محتفيًا في ذلك كله بإنجازاتهم، رسائله ومحادثاته تعج بذلك، راسلني صبيحة يوم مناقشتي للدكتوراه قائلاً، بحسن ظنه: «ما هقيت أنّ الله يمد في عمري حتى أشهد اليوم اللي تحصل فيه على اللقب اللي تستحقه من زمن».

‏النبل عنوان سجاياه، شهدتُ ذلك مرات لا تحصى، سليم الصدر، عف اللسان، لا يذكر أحداً بسوء، يجبر خاطر الضعيف، يسأل عن أحوال من لا يُلتفت إليهم، إذا أعطى أو تصدّق لم يقطع، يرسل كل أسبوع أموالاً إلى مساكين في شتى بقاع الأرض- خبيئةً- لا أحد يعرفهم ولا يحب أن يتحدث أحد بذلك.

‏سامي خفيف الظل بالفطرة، حلو المعشر، يألف ويُؤلف، احتفى بالحياة واحتفت به، صداقاته طويلة بعمرها عريضة بمعناها، تمثّل فيها أخلاق الإسلام، لم ينس واجب ربه متى دعاه، ولم يشتك يوماً من قضائه فيما ابتلاه.

‏عاش سامي للكويت بقلبه وعقله، كان مهموماً بأمنها وأمن الخليج بأكلمه، ناقش ودرّس، بادر ونصح، وعينه ترنو للمصلحة العامة لا غير، لم يقدّم عليها منفعة خاصة ولا مكسبا خاصاً، تَحدّث، وتحّدث، وتحدّث طويلاً عن رؤية الكويت الجديدة 2035 منذ أن بذر بذورها وأرسى جذورها مع الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد، رحمه الله، لم يكن حالماً بل واقعياً يكره التشاؤم، ومن شرفة غرفته في المستشفى الأميري كان يتأمل جسر جابر ويقول: «هذا الجسر ما بنيناه حتى يأخذنا للمكشات، هذا الجسر بداية الرؤية مهما تأخرت»، كان مؤمناً كل الإيمان بقدرات الكويت وقوتها الناعمة ودورها الذي يمكن أن تحققه في السياسة الدولية.

‏خلّف سامي الفرج دراسات قيّمة، ومقاربات جديرة بأن تُدرّس وتُطبّق، لم ينشر أغلبها أو تم تداوله على نطاق محدود، سآخد على عاتقي إن أعان المولى أن أشارك في تقريبها للجمهور، وفاءً ببعض جميله، ونشرا لعلمه، فهذه القامة مِلك الوطن بأسره.

‏الكلام يا سامي عنك يطول، لكنها شذرات لا تفي بما تركته من فراغ في الروح، عليك شآبيب الرحمة والرضوان، وإلى جنات الخلد عند الكريم الذي لطالما أحسنت الظن بعفوه، عظّم الله أجورنا بفقدك، وعزاؤنا موصولٌ لأسرتك الكريمة، «إنا لله وإنا إليه راجعون».

back to top