أزمة المناخ هي أزمة صحية أيضاً

نشر في 06-12-2022
آخر تحديث 05-12-2022 | 22:24
علينا العمل على إطلاق آليات مناسبة لمعالجة تأثير تغير المناخ على الصحة العامة، فرغم أننا نعرف بالفعل العديد من الحلول المحتملة، فإن فعاليتها تستلزم وضعها موضع التنفيذ قبل الكارثة.
 بروجيكت سنديكيت يسلط أحدث تقارير لانسيت للعد التنازلي (Lancet Countdown report)، الذي يرصد العواقب الصحية المترتبة على تغير المناخ، الضوء على احتياجنا إلى الاستعداد للتعامل مع الكوارث المقبلة، حتى مع استمرار انتشار مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19)، تشير دراسة حديثة إلى أن احتمال اندلاع جائحة أخرى يزيد بنسبة 2 في المئة كل عام، وفي العقود المقبلة، قد يتسبب التفاعل بين أزمة المناخ والصحة العامة في خلق عاصفة كاملة من الدمار والارتباك على مستوى العالَم.

الخبر السار هنا هو أننا إذا اتخذنا خطوات فورية لتحويل أنظمتنا الصحية، فسيصبح بوسعنا تجنب كارثة أخرى على غرار كوفيد 19، كما هي الحال مع الجائحة الحالية، فإن العوائق التي تحول دون التخفيف من حِدّة تغير المناخ ليست علمية أو تكنولوجية فحسب، بل تمتد جذورها أيضاً إلى الظروف الجيوسياسية وقوى السوق، وقد تعمل المصالح الذاتية على تقويض الصحة العامة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالوصول العادل إلى الموارد، ومع ذلك، اجتمع المجتمع الدولي على تقديم آليات مبتكرة مثل مرفق الوصول العالمي إلى لقاحات (كوفيد 19) (COVAX)، الذي كان مُصَمَّماً لإزالة الحواجز المالية، التي حالت دون حصول البلدان المنخفضة الدخل على اللقاحات.

يتعين علينا أن نعمل على إطلاق آليات مماثلة لمعالجة تأثير تغير المناخ على الصحة العامة، فرغم أننا نعرف بالفعل العديد من الحلول المحتملة، فإن فعاليتها تستلزم وضعها موضع التنفيذ قبل وقوع الكارثة، فهذه ليست مجرد حتمية أخلاقية، فهي أيضاً اختيار اقتصادي ذكي من المرجح أن يعمل على تقليص التكلفة الإجمالية المترتبة على التعامل مع الفاشيات المَرَضية وغير ذلك من الكوارث المرتبطة بالمناخ.

هناك دراسة حديثة تشير إلى أن احتمال اندلاع جائحة أخرى يزيد بنسبة 2% كل عام

أَكَّدَ مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 27) الذي عُقِد في مِصر في نوفمبر من عامنا هذا على حقيقة مفادها أن الاستدامة لا تتوقف فقط على إزالة الكربون، أو استخدام المركبات الكهربائية، أو اتخاذ تدابير التكيف مع المناخ مثل الدفاعات ضد الفيضانات، بل تعتمد أيضاً على التأهب للجوائح، في عموم الأمر، من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في تحويل نطاق موائل مسببات الأمراض الفتاكة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية التي ينقلها البعوض مثل الملاريا، والحمى الصفراء، وحمى الضنك لتصل إلى شمال أوروبا وكندا، وفي الوقت ذاته، تهدد أزمة المناخ بزيادة انتشار الملاريا، والكوليرا، والبلهارسيا في مختلف أنحاء العالم النامي.

تظل أشد دول العالَم فقراً هي الأكثر عُرضة لتغير المناخ، على الرغم من مساهمتها بأقل قدر في خلق المشكلة، لهذا السبب، يتعين على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات فورية لضمان تمكين المجتمعات الفقيرة والمهمشة من الوصول إلى اللقاحات، والعلاجات، ووسائل التشخيص، ونظرا للتأثير المدمر الذي خلفه فيروس واحد على المليارات من أرواح البشر، وسبل معايشهم، والاقتصاد العالمي على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، فقد بات من الواضح تماماً أننا يجب أن نتخذ خطوات عاجلة لمواجهة التهديدات الصحية المرتبطة بالمناخ.

يوفر الجهد العالمي لضمان التوزيع العادل للقاحات (كوفيد 19) نموذجاً مفيداً، فكان الالتزام المسبق في السوق من جانب تحالف اللقاحات (جافي) ومرفق الوصول العالمي إلى لقاحات (كوفيد 19)، الذي يشكل آلية مالية يمولها المانحون ويعمل على تسريع تنفيذها بنك الاستثمار الأوروبي، سبباً في تمكين الناس في بلدان العالم الأكثر فقراً (92 دولة) من الحصول على اللقاحات بالمجان. كانت هذه البلدان المنخفضة الدخل، التي تمثل ما يقرب من نصف سكان العالَم، لتواجه صعوبة شديدة في محاولة تأمين الوصول إلى اللقاحات لولا ذلك.



حتى الآن، تم تسليم أكثر من 1.6 مليار جرعة من مرفق الوصول العالمي إلى لقاحات (كوفيد 19) إلى البلدان النامية، مما يساعد في ضمان تلقيح 52 في المئة من مواطنيها بالكامل، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي بلغ 64 في المئة، وهذا إنجاز رائع، وخصوصاً في سياق تكديس اللقاحات بكثافة من جانب البلدان المتقدمة، والقيود التي فرضتها بعض البلدان على تصدير اللقاحات والمكونات اللازمة لإنتاجها، وتصرفات بعض الشركات المصنعة التي أعطت الأولوية للربح على الإنصاف.

يُظهِر نجاح نموذج مرفق الوصول العالمي إلى لقاحات (كوفيد 19) أن المجال قائم لإيجاد حلول تمويل مبتكرة مماثلة للمخاطر الصحية المرتبطة بالمناخ. على سبيل المثال، يستكشف العديد من الفاعلين في القطاع الخاص حالياً التزام سوق المناخ المُقَدَّم لتحفيز الإبداع والاستثمار في حلول المناخ، وعلى نحو مماثل، لا يخلو الأمر من إمكانات عظيمة لابتكار آليات تستند إلى نموذج مرفق التمويل الدولي للتحصين، الذي يستخدم «سندات لقاح» مخصصة لتأمين التزامات المانحين الطويلة الأجل مقدماً حتى يتسنى توفير الأموال على الفور.

آليات شبكات الأمان يجب تصميمها لحماية الناس الأكثر ضعفاً وعُرضة للخطر في العالم

تشكل التعددية ضرورة أساسية لإنشاء آليات شبكات الأمان، فلم يتسن إنشاء مرفق الوصول العالمي إلى لقاحات (كوفيد 19) إلا لأنه عمل على توحيد القوة المالية والدراية التي تمتلكها أكثر من 190 حكومة، جنباً إلى جنب مع شركاء من القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والوكالات الدولية، حول قضية مشتركة عادت بالفائدة على الجميع، لكن لو كان مرفق الوصول العالمي إلى لقاحات كوفيد 19 موجوداً بالفعل قبل الجائحة، ومجهزاً بتمويل طارئ عند الخطر والقدرة على زيادة قدرته، لكان بإمكانه العمل على تعزيز استجابته - أكبر عمليات نشر اللقاحات على مستوى العالم وأكثرها تعقيداً على الإطلاق- بسرعة أكبر، على النحو الذي كان سيؤدي في النهاية إلى إنقاذ المزيد من الأرواح.

بعد مؤتمر الأطراف 27، يتعين على الحكومات المانحة والمقرضين من الهيئات المتعددة الأطراف دراسة الكيفية التي يمكن من خلالها تكييف الآليات المالية القائمة لمكافحة تغير المناخ من أجل ضمان توفير الأموال بمجرد ظهور أي تهديد، فلا ينطوي تقليل التكاليف المالية الإجمالية المترتبة على المخاطر الصحية المرتبطة بالمناخ على الوقاية فحسب، بل يشمل أيضا التحرك المبكر. يجب أيضاً أن تكون آليات شبكات الأمان هذه مصممة لحماية الناس الأكثر ضعفاً وعُرضة للخطر في العالم، أينما كانوا، لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن هذه الخطوات يجري اتخاذها الآن، فكما يحذر تقرير لانسيت، بدأ بالفعل العد التنازلي لاندلاع الأزمة الصحية العالمية التالية.

*فيرنر هوير و سيث بيركلي

* سيث بيركلي الرئيس التنفيذي لشراكة التحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي)، وفيرنر هوير رئيس بنك الاستثمار الأوروبي.

back to top