حريق المنقف... وردة الفعل التطويرية
إنها لفاجعة أن نرى أبرياء يموتون بحريق عمارة المنقف بسبب إهمال أو فساد، ونتمنى أن تكون هذه المأساة نقطة انطلاق لردة فعل حكومية تطويرية وإصلاحية وفرصة لإصدار قوانين تنظيمية جديدة لحماية الأرواح في المستقبل لتفادي تكرار مثل هذه الكارثة.
لقد سمعنا من الصحف أن أغلب الوفيات ماتت اختناقاً وهي نائمة في أسرّتها بسبب الدخان الذي انتشر بالعمارة، لا بسبب تكدس أعداد العمال وعدم قدرتهم على استخدام مخارج العمارة، فعقاب المسؤولين عن تكديس العمالة فوق طاقة العمارة والحريق مهم جداً، لكن الأهم هو أن نجد آلية لإنقاذ الأرواح في حريق مماثل مستقبلاً، لا سمح الله.
في كثير من المدن العالمية هناك قوانين ملزمة بتركيب أجهزة إنذار كاشفة للدخان والحريق، هذه الأجهزة عبارة عن إنذار مبكر توقظ كل من في العمارة بإطلاق صافرات إنذار عند أول إشارة لوجود حريق ينتشر في أروقة العمارة أو سردابها، وعلى الجهات المعنية إصدار قانون يلزم أصحاب العمارات بأنواعها السكنية والاستثمارية بتركيب أجهزة الإنذار الحديثة هذه في السراديب والممرات وغرف الكهرباء ووضع غرامات مالية لسوء استخدام أو عدم استخدام هذه الأجهزة.
سمعنا أن فرق الإطفاء وصلت الموقع خلال 7 دقائق، وهو أمر يدل على كفاءتها، لكن لنا أن نتساءل: هل هي 7 دقائق من اندلاع الحريق أم من وقت الاتصال لطلب النجدة؟ وما المدة الزمنية الفعلية بين بداية شرارة الحريق ووصول النجدة؟ هناك أجهزة إلكترونية مربوطة بأجهزة كاشف الدخان في العمارات تقوم من تلقاء نفسها بالاتصال بفرق الطوارئ عند اكتشاف أي أثر لحريق ودون الانتظار لأي عامل بشري ليقوم بطلب النجدة، وهناك أجهزة أكثر تطوراً تقوم بإرشاد فرق الطوارئ على موقع الحريق وفي أي طابق بالعمارة وحتى موقع الغرفة التي فيها الحريق.
ولنا أن نتساءل إن كانت الكويت مستعدة لإصدار قانون لتركيب مثل هذه التكنولوجيا في عمارات الكويت مع اعتماد ما تتطلبه من توصيلات كهربائية، وأن تدخل بمواصفات البناء المستقبلية لهذه العمارات بالإضافة لإمكانية إلزام بعض العمارات، خصوصاً التي فيها سراديب بتزويدها بمرشات مياه لإطفاء النيران مثبتة في الممرات العامة والسراديب للمساعدة في إطفاء النيران حتى وصول فرق الإطفاء، أسوة بقوانين الأمن والسلامة في المنشآت الصناعية والتجارية.
لقد لوحظ أيضا أن سيارات الإسعاف نقلت المصابين من المنقف في محافظة الأحمدي إلى 4 مستشفيات «حكومية» منها مستشفى الأميري في مدينة الكويت، ولنا أن نتساءل: ألم تكن هناك مستشفيات «خاصة» أقرب من الحكومية؟ وهل كان بالإمكان إنقاذ أي أرواح لو توجهت سيارات الإسعاف إلى أقرب مستشفى خاص؟ وما قدرة المستشفيات الخاصة على استقبال مثل هذه الحالات؟ بالتأكيد هناك أكثر من مستشفى خاص قادر على استيعاب حالات حروق وكسور مثل إصابات المنقف، فهل هناك نظرة لأي تكاليف أو مسائل مالية متعلقة بالقطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي؟
وأخيراً أتمنى من الوزراء المعنيين سواء بلدية الكويت والإطفاء أو غيرهما عمل زيارات سريعة إلى مدن عالمية لسماع آراء القائمين على تطوير منظومة الأمن والسلامة وسماع تاريخ وخطوات تطورها في تلك المدن مثل طوكيو، وسيؤول، وسنغافوره، ولندن، ونيويورك، ولوس أنجلس، وقد اخترت أسماء هذه المدن لأنها مرت بكوارث وحرائق كبيرة أدت إلى تطوير قوانين مكافحة الحرائق خلال العقود الماضية، ولا مانع من أن نتعلم منهم أفضل السبل والدروس المستفادة (Best Practice) لتطوير بلدنا الحبيب الكويت.
ويجب أن نتذكر أن عقاب المسؤولين عن الحادث مهم جداً لاستتباب الأمن والأمان وإرجاع هيبة القانون والعدالة في هذا البلد، ولكن برأيي خطوات التطوير لها الأهمية نفسها لإكمال مسيرة الكويت في طريق التقدم والتطور العالميين.