وجهة نظر: قلق حول الشفافية

نشر في 10-07-2024
آخر تحديث 09-07-2024 | 20:02
 د. بدر الشلال

في خطوة مقلقة، أعلنت وزارة المالية الكويتية، أخيرًا، قرارها بعدم الإفصاح عن البيانات والعمليات والأنشطة للمواطنين، واختارت بدلا من ذلك التعامل بطريقة الـ «سكّاتي».

هذا الموقف، الذي يكتنفه الغموض، يتناقض بشكل صارخ مع المعايير العالمية للشفافية والمساءلة، في عصر يرتبط الاستقرار والنمو الاقتصادي بشكل وثيق بالعمل المنفتح، فقد يؤدي موقف الوزارة هذا إلى تقويض الثقة بالاقتصاد الكويتي، ويؤثر على تصنيفات الشفافية العالمية وجذب رأس المال الدولي.

تعتمد الصحة الاقتصادية لأي دولة، بشكل كبير، على ثقة المواطنين والمستثمرين، وتعتبر الشفافية حجر الزاوية لهذه الثقة، حيث توفر رؤية واضحة للعمليات الحكومية والسياسات المالية والاستراتيجيات الاقتصادية. وعندما تختار وزارة المالية العمل خلف الأبواب المغلقة، فإن ذلك يلقي بظلال من الشك على نواياها وفعاليتها.

وبالنسبة إلى الكويت، وهي دولة تتمتع بثروة نفطية كبيرة، لكنها تواجه تحديات اقتصادية أكبر، فإن الحاجة إلى الشفافية أمر بالغ الأهمية، بسبب تقلبات أسواق النفط العالمية، إلى جانب جهود الحكومة لتنويع الاقتصاد، إذ يستدعي ذلك تواصلاً واضحاً ومفتوحاً بين الوزارة والمواطنين والمستثمرين لفهم خطط الحكومة وإجراءاتها والتعامل مع هذه التحديات بفعالية.

يمكن أن يؤدي قرار الوزارة بحجب المعلومات إلى مجموعة من المشكلات الاقتصادية، ويمكن أن يؤدي نقص الشفافية إلى تآكل ثقة المستثمرين، مما يسبب هروب رأس المال وتقليل الاستثمار الأجنبي المباشر. كما يمكن أن يؤدي إلى عدم الكفاءة والفساد، حيث تعتبر السرية أو الغموض أرضًا خصبة لسوء الإدارة والاحتيال. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يعيق ذلك النمو والتطور الاقتصادي، مما يعرقل الجهود الحكومية الرامية إلى تنويع الاقتصاد، بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

على الصعيد العالمي، تُعتبر الشفافية والإفصاح الجيد من المؤشرات على الصحة الاقتصادية والاستقرار، إذ تؤكد منظمات، مثل الشفافية الدولية والبنك الدولي، أهمية الحوكمة والبيانات المفتوحة، هذه المعايير ليست مجرد مثالية نظرية، إنها إجراءات عملية تؤثر على تصنيفات الائتمان لأي دولة وجاذبيتها للاستثمار وسمعتها الدولية.

لقد كانت الكويت تفخر تاريخيًا بجهودها للتحديث والمواءمة مع المعايير الدولية، ومع ذلك، فإن موقف وزارة المالية الحالي يمثّل خطوة كبيرة إلى الوراء، ففي عالم يتم فيه الحكم على الدول بشكل متزايد بمعايير الحوكمه، يمكن أن يؤدي تحرُّك الكويت إلى خفض تصنيفات الشفافية الخاصة بها، وهذا بدوره يؤثر على مكانتها في المجتمع الاقتصادي العالمي، مما يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين المحتملين.

في عالمنا المترابط اليوم، يُعد جذب رأس المال العالمي أمرًا حيويًا للنمو والتطور الاقتصادي، وتتنافس الدول على خلق بيئات مناسبة للاستثمار، توفر الاستقرار والشفافية والتنظيمات المواتية. بالنسبة إلى الكويت، التي تهدف إلى تنوع إيراداتها وتقليل اعتمادها على إيرادات النفط، فإن جذب رأس المال الدولي أمر ضروري.

ومع ذلك، فإن قرار وزارة المالية بتغطية أنشطتها بالسرية يرسل رسالة خاطئة إلى المستثمرين العالميين، إنه يشير إلى عدم الشفافية وبيئة أعمال غير متوقعة. ومن المرجح أن يرى المستثمرون الكويت كوجهة عالية المخاطر، مفضّلين وضع أموالهم في دول موثوقة وذات شفافية أكثر.

وللحفاظ على استقرارها الاقتصادي وتعزيزه، يجب على الكويت عكس مسار وزارة المالية الحالي من السرية، إن تبنّي الشفافية ليس مجرد مسألة مبدأ، إنه ضرورة عملية لصحة الاقتصاد ونموه.

أولاً، يجب على الوزارة الالتزام بالكشف الدوري والشامل عن بياناتها المالية وعملياتها وسياساتها. يشمل ذلك نشر تقارير مفصلة عن تخصيص الميزانية والإنفاق والاستراتيجيات الاقتصادية. ستبني هذه الشفافية الثقة بين المواطنين والمستثمرين، حيث توفر صورة واضحة عن إدارة الحكومة للاقتصاد.

ثانيًا، يجب على الحكومة تنفيذ آليات قوية للمساءلة والإشراف، والتدقيقات المستقلة، والمراجعة الشاملة، والوصول العام إلى المعلومات هي أدوات أساسية لضمان أن تتم أنشطة الوزارة بنزاهة وكفاءة. وسوف تساعد هذه التدابير على منع الفساد وسوء الإدارة، مما يسهم في بيئة اقتصادية أكثر صحة.

أخيرًا، يجب على الكويت أن تتماشى مع المعايير العالمية للشفافية والحوكمة، والمشاركة في المبادرات الدولية، مثل شراكة الحكومة المفتوحة، والالتزام بالإرشادات من منظمات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ستعزز مكانتها العالمية وجاذبيتها للمستثمرين.

لا تعد الشفافية والإفصاح اختيارين، بل هما ضرورتان للاستقرار الاقتصادي والنمو والمصداقية الدولية، فمن خلال تبنّي الانفتاح والتماشي مع المعايير العالمية، يمكن للكويت أن تعزز اقتصادًا أكثر قوة وتنوعًا، وتجذب رأس المال العالمي اللازم لازدهارها في المستقبل، ويجب على وزارة المالية أن تقود الطريق نحو كويت أكثر شفافية وازدهارًا.

back to top