انهيار موقع «تويتر»

نشر في 05-12-2022
آخر تحديث 04-12-2022 | 20:34
 بروجيكت سنديكيت

في شهر أبريل من هذا العام، تساءل إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، «هل تويتر يحتضر؟» بعد خمسة أيام، أطلق عرضا غريبا ظاهريا لشراء منصة التواصل الاجتماعي «تويتر»، استغرق الأمر شهورا من الجدل القانوني لإتمام الصفقة، ولكن في السابع والعشرين من أكتوبر، أكد ماسك عرضه الذي بلغت قيمته 44 مليار دولار، وحصل على لعبة جديدة: حرية التعبير.

ومن الناحية المالية، كان استحواذ ماسك على منصة «تويتر» خطوة غريبة، فعلى الرغم من قاعدة مستخدمي الموقع التي تشمل نحو 200 مليون مستخدم- بمن في ذلك السياسيون والصحافيون والمشاهير- لم تحقق منصة «تويتر» أرباحا في السنوات الثمانية عشرة الماضية، ولم يكتفِ ماسك بهدر جزء كبير من ثروته الشخصية في عملية الشراء، كما اقترض 13 مليار دولار من مجموعة من المقرضين، قروض ستكلف 9 مليارات دولار في مدفوعات الفائدة على مدى السنوات السبع إلى الثماني المُقبلة.

ووفقا لتصريحات ماسك، لم يكن المال هو الهدف أبدا، إنه يسعى إلى «مساعدة البشرية» من خلال الاستثمار في المصلحة العامة: ساحة المدينة الرقمية في العالم، وفي الواقع، اكتسب ماسك الآن نفوذا كبيرا على هذه الساحة، فمن خلال جعل «تويتر» موقعا خاصا، يضمن الرئيس التنفيذي- أو الرئيس تويت، كما عرّف ماسك نفسه- أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء، مع غياب المساهمين الذي يتعين عليه أن يستجيب لهم.

تُعد علامة ماسك التجارية بمنزلة أزمة جديدة، لكن المشاكل المالية التي يُعانيها «تويتر»- لا سيما شبح إفلاسه المحتمل- تمنحه الذريعة التي يحتاج إليها للتصرف بقسوة وعلى نحو غير منتظم كما يشاء، وهو تكتيك استخدمه سابقا في اثنتين من شركاته الأخرى «تيسلا» و«سبيس إكس».

يُمثل ماسك بالنسبة إلى مجال الأعمال ما يُمثله دونالد ترامب بالنسبة إلى السياسة، إذ إن قيادته التي تعتمد على الأداء والفن تستلزم النوم في المكتب، وإحضار ابنه البالغ من العمر عامين إلى اجتماع مجلس الإدارة المتوتر، والسير إلى مقر الشركة حاملاً حوضا. يبدو أن هذه الخطوات الغريبة والمُندفعة مصممة لصرف الانتباه عن الأعمال الأكثر فظاعة، مثل إعادة فتح عدد كبير من الحسابات المحظورة (بما في ذلك حسابات ترامب) وتسريح ما يقرب من نصف القوى العاملة في «تويتر» غالبا ما يقوم المُلاك الجدد بإقالة منتقديهم، وبخلاف ماسك، قليلون يتفاخرون بذلك.

لقد أثارت سلوكيات ماسك الغريبة جدلاً حول أفضل الممارسات التنظيمية، ويبدو أن أتباعه الذين يشيدون به باعتباره عبقريا حكيما مقتنعون بأن القيادة الصارمة يمكن أن تُشكل ضرورة أساسية لإحياء شركة مُتعثرة، ويأسف منتقدوه لعودة ثقافة «الزعيم السيئ» بعد عقود من التقدم.

يبدو أن النظرية الاقتصادية تدعم المعسكر الأخير، ففي كتابه بعنوان «الخروج والصوت والولاء»، الذي يتناول دراسته الكلاسيكية للتدهور المؤسسي، اقترح الخبير الاقتصادي السياسي ألبرت أو. هيرشمان أن الاستياء المتزايد داخل أي منظمة يواجه العملاء بخيار: ممارسة سلطتهم من خلال المغادرة، أو البقاء ومحاولة معالجة مصادر التدهور، ويعتمد الخيار الذي يختاره الموظف بشكل كبير على الولاء.

يبدو أن منصة «تويتر» التابعة لماسك تفتقر إلى الولاء، حيث يتوافد العمال والمستخدمون وشركات الإعلان إلى المخارج، وبعد أن أصدر ماسك إنذارا نهائيا لموظفي «تويتر» المتبقين- والذي يشمل الالتزام بأن يكونوا «جديين للغاية» وأن يعملوا «لساعات طويلة بكثافة عالية» أو أن يتقاضوا ثلاثة أشهر من تعويضات نهاية الخدمة- بقي 1200 موظف، والآن تُتابع شركات التكنولوجيا الأخرى العديد منهم بنشاط.

يفقد «تويتر» أكثر مستخدميه نشاطا، أو «أصحاب التغريدات الكثيفة»، لفترة من الوقت الآن، لكن هذا الاتجاه أصبح الآن مُفرطا، حيث فر ما يقدر بنحو 1.3 مليون مستخدم- بما في ذلك العديد ممن استفادت حياتهم المهنية بشكل كبير من المنصة- في غضون أسبوع من استحواذ ماسك عليها.

شهدت عائدات الإعلانات- مصدر 90٪ من إيرادات تويتر- تراجعا حادا أيضا، مدفوعة بمخاوف من أن نهج عدم التدخل الذي يتبعه ماسك في تعديل المحتوى يشكل خطرا على سمعة الشركات، وبالفعل، دعت جماعات الحقوق المدنية إلى مقاطعة الإعلانات العالمية، مع انسحاب كبار المُعلنين من المنصة، بما في ذلك مجموعة كارلسبيرغ وبالنسياغا وتشيبوتل ميكسيكان غريل وجنرال ميلز، وجنرال موتورز، ومايسي، وريو، ويونايتد إيرلاينز، ومجموعة فولكس فاجن، وقد نصحت مجموعة «أمنيكوم ميديا»- التي تمثل شركات مثل بيبسيكو وماكدونالدز- العملاء بإيقاف إعلاناتهم على «تويتر» مؤقتا.

وكما جادل الفيلسوف مايكل ساندل، هناك بعض الأشياء التي لا ينبغي أن تكون معروضة للبيع، وتُعد حرية التعبير واحدة من بينها، فمهما كانت الميزة التي يُقدمها ماسك لتويتر، فإن هوسه بتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والثروة يعميه عن الإنجازات الأساسية لتويتر: محادثة عالمية حقيقية، بجميع العيوب، ويفشل ماسك في رؤية أن الشعب، لا الرصيف، هو من يصنع ساحة المدينة، وأن «استبداده في حرية التعبير» يستبدل سكان المدينة بالسياح والمتصيدين.

وقد حذر المهندسون المطّلعون على الوضع من أن «تويتر» قد يُعاني نقصا في الموظفين لمواصلة تشغيل المنصة بشكل فعال، وقد بدأت التصدعات بالظهور بالفعل، مثل العودة إلى إعادة التغريد يدويا، وحسابات المتابعين «الشبحيين»، والعجز عن تحميل الردود، وقال الكاتب ستيفن كينج مازحا إن العلامة التجارية «MyPillow» التي تدعم ترامب ستصبح قريبا المُعلن الوحيد للمنصة، وتتوقع وسائل الإعلام بأن النزوح الجماعي للمستخدمين الليبراليين واليساريين يمكن أن يحول موقع «تويتر» إلى منتدى يميني متطرف فاشل آخر مثل موقع «بارلير» أو منصة «تروث سوشل» الخاصة بترامب.

وحتى لو نجح في جعل المنصة مربحة، يبدو أن ماسك مُصمم على تقويض المشتركات الحوارية، وللإجابة عن سؤال ماسك، نعم، ربما يكون «تويتر» على وشك الانهيار، وهو من يُحدد نهايته.

* أنتارا هالدار أستاذة مشاركة في الدراسات القانونية التجريبية بجامعة كامبريدج.

back to top