الفرنسيون يقترعون وخيارات ماكرون جميعها مُرّة
حزب لوبن مرتاح و«اليسار» يبحث عن مفاجأة و«الرئاسيون» يراهنون على المناورات
وسط تعبئة تاريخية وتحذيرات من الفوضى، يدلي الفرنسيون بأصواتهم اليوم في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي يتصدرها اليمين المتطرف، متقدماً بفارق كبير على تكتل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قام بمقامرة خطيرة بحله الجمعية الوطنية ودعوته إلى انتخابات مبكرة بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية أمام حزب التجمع الوطني، بزعامة مارين لوبن الذي حقق فوزاً تاريخياً.
ودعي نحو 49 مليون ناخب إلى تجديد الجمعية الوطنية بجميع نوابها الـ577 في انتخابات تجرى دورتها الثانية في 7 يوليو، وقد تحدث انقلاباً يبدل المشهد السياسي الفرنسي بصورة دائمة. وفي 9 يونيو حل ماكرون الجمعية الوطنية، ودعا إلى انتخابات مبكرة بعد ساعات على فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية وإحداثه صدمة بفرنسا.
وبين تأجيل الفرنسيين عطلهم، والارتفاع الحاد في عدد طلبات التصويت بالوكالة، من المتوقع تسجيل تعبئة كثيفة في هذه الانتخابات التي يتركز رهانها الأكبر حول ما إذا كانت ستنبثق عنها لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة جمعية وطنية يهيمن عليها اليمين المتطرف.
الحزب الرئاسي ثالثاً
ومنح استطلاعان لمعهدي أيفوب وأودوكسا أمس الأول «التجمع الوطني» ما بين 35 و36.5% من الأصوات، أما تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، الذي يضم أحزاب اليسار، وفي طليعتها «فرنسا الأبية»، الراديكالي، بزعامة جون لوك ميلونشون المثير للجدل، فيحظى بما بين 27.5 و29% من نوايا الأصوات، متقدماً على المعسكر الماكروني الذي يمنحه الاستطلاعان 20.5 إلى%21 من نوايا الأصوات.
وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز «التجمع الوطني» مع حلفائه بالأغلبية المطلقة المحددة بـ289 نائبا وما فوق.
ومع توجه الأنظار إلى صدور أولى النتائج لتبديد الضبابية، ثارت تساؤلات هل يحل مرشح التجمع الوطني لرئاسة الحكومة جوردان بارديلا (28 عاماً) محل زعيم الأغلبية المنتهية ولايتها غابريال أتال على رأس الحكومة؟ وهل يحدث اليسار مفاجأة؟
وفي الحالتين سيكون على ماكرون تشكيل حكومة تعايش مع أغلبية نيابية ليست من حزبه، وسط بعض الدعوات له بالاستقالة والتي واجهها بالرفض، مؤكداً أنه سيكمل ولايته الرئاسية حتى انتخابات 2027.
ويطرح مراقبون احتمال ذهاب ماكرون إلى حكومة تكنوقراط، تحت شعار حكومة وحدة وطنية تستبعد أقصى اليمين وأقصى اليسار، أي لوبن وميلونشون، لكن هذا الأمر يحتاج إلى مناورات سياسية كبيرة لتمرير الحكومة في الجمعية الوطنية، ولا يستبعد أن يقوم ماكرون بتحالفات مع اليسار الاشتراكي الوسطي، وكذلك شخصيات يمينية بعد الخلافات التي عصفت بحزب الجمهوريين مع تأييد رئيسه اريك سيوتي لـ «التجمع الوطني».
وتعهد بارديلا بعدم تشكيل حكومة في حال لم يحظ بالأغلبية، في موقف يعكس ثقة عالية بين اليمين المتطرف وارتياحه بعد أداء تاريخي في الانتخابات الأوروبية. في المقابل، فشل ائتلاف اليسار الموحد في الاتفاق على تسمية رئيس حكومة، وهو ما قد يضعف موقفه حتى في حال حقق مفاجأة انتخابية كبيرة.
غير أن عوامل مجهولة لا تزال تهيمن على التوقعات، بدءاً بعدد الدوائر التي ستشهد منافسة بين ثلاثة مرشحين في الدورة الثانية، وهو عدد يتوقع أن يزداد بفارق كبير أيضاً، وعدد المرشحين الذين سيعلنون انسحابهم في هذه الحالة سعياً لتوحيد الأصوات ضد «التجمع الوطني».
ويواجه المعسكر الرئاسي أكبر قدر من الضغط في هذه الانتخابات التي تهدده في جوهره نفسه. وتعهد ماكرون الخميس بـ«أكبر قدر من الوضوح» حول الخط الواجب اعتماده خلال الدورتين، في وقت يدعو العديد من الماكرونيين إلى تعليمات واضحة بالانسحاب، لا بل عدم الانسياق إلى موقف «لا تجمع وطني ولا فرنسا الأبية».
مشاركة كبيرة
وتتوقع معاهد الاستطلاع، والسياسيون، ارتفاع المشاركة لتتخطى ربما ثلثي الناخبين المسجلين، بزيادة كبيرة عن انتخابات 2022 التي اقتصرت على%47.51.
وهذا الإقبال المرتقب على التصويت ناجم من عوامل عدة، أبرزها العواقب التاريخية المحتملة لهذه الانتخابات، وهي الأولى منذ 1997 التي لا تنظم بالتزامن مع الاقتراع الرئاسي.
وفي مؤشر على قوة التعبئة المرتقبة في الدورتين، سجل عدد طلبات التصويت بالوكالة ارتفاعا لافتا متخطيا المليونين، بينما سجل التصويت عبر الإنترنت، الذي فُتح أمام المقيمين بالخارج حتى الخميس، مستوى قياسياً قدره 410 آلاف صوت، مقابل 250 ألفا في 2022.
اضطرابات
وعشية التصويت، حذر وزير الداخلية جيرالد دارمانان من مغبة وقوع اضطرابات بالغة الخطورة بعد الانتخابات، وأيضاً بعد العطلة الصيفية في سبتمبر، مشيراً إلى إمكانية استغلال متطرفي اليسار واليمين الفرصة عند إعلان النتائج لإثارة الفوضى والقيام بأعمال تستهدف زعزعة الاستقرار.