ماكرون يستبعد الاستقالة ومخاوف من تحالف يميني كبير

الجمهوريون منقسمون بعد دعوة رئيسهم للتحالف مع حزب لوبن

نشر في 12-06-2024
آخر تحديث 11-06-2024 | 20:04
ماكرون يحيّي الناخبين خارج مركز اقتراع انتخابات البرلمان الأوروبي في لو توكيه الأحد الماضي (شينخوا)
ماكرون يحيّي الناخبين خارج مركز اقتراع انتخابات البرلمان الأوروبي في لو توكيه الأحد الماضي (شينخوا)
بعد مغامرته بالدعوة لانتخابات مبكرة رداً على هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية، استبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاستقالة في حال خسارته الأغلبية، في وقت فجر رئيس حزب الجمهوريين قنبلة بإعلانه الانفتاح على التحالف مع حزب مارين لوبن اليميني المتطرف.

دعا رئيس حزب الجمهوريين اليميني إريك سيوتي أمس إلى إقامة «تحالف» غير مسبوق مع اليمين المتطرف فيما قد يحدث زلزالا جديدا في فرنسا بعد صدمة حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة من جانب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي استبعد الاستقالة.

ويؤثر هذا التطور الجذري في المشهد السياسي الفرنسي مع الفوز الساحق للتجمع الوطني اليميني المتطرف الأحد الماضي في الانتخابات الأوروبية، على المعارضة اليسارية أيضا التي تحاول تجاوز انقساماتها، استعدادا للانتخابات التشريعية المقررة على دورتين في 30 يونيو والسابع من يوليو.

في معسكر اليمين أثار سيوتي زعيم الحزب الذي يقول إنه وريث الديغولية، صدمة جديدة مدوية بدعوته للمرة الأولى في فرنسا إلى «تحالف» مع التجمع الوطني.

وفي مقابلة مع قناة «تي إف 1»، قال سيوتي «نحن بحاجة إلى التحالف، مع الحفاظ على هويتنا... مع حزب التجمع الوطني ومرشحيه». وقد تعرض سيوتي على الفور لانتقادات حادة من كوادر عدة في حزبه الذين طالبوه بمغادرة منصبه، معتبرين أن ما تقدم به «خيار شخصي».

واتهم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان العضو السابق في حزب الجمهوريين والذي انضم إلى معسكر إيمانويل ماكرون في 2017، سيوتي بأنه بذلك «وقع اتفاقات ميونيخ» العائدة إلى عام 1938 وحملت يومها توقيع فرنسا والمانيا النازية خصوصا، أنه يمعن في «تلطيخ شرف العائلة الديغولية».

ورحب التجمع الوطني المدفوع بنجاحه في الانتخابات الأوروبية والذي يعتبر الأوفر حظا في الاقتراع البرلماني المقبل، بهذا الانتصار الجديد وأشاد بـ «الخيار الشجاع»، معتبرا أنه ينم عن «الإحساس بالمسؤولية».

وقالت مارين لوبن زعيمة المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني: «أربعون عاماً من الإقصاء الزائف تتلاشى بعدما تسببت في خسارة الكثير من الانتخابات». ومارين لوبن خسرت الانتخابات الرئاسية مرتين في مواجهة إيمانويل ماكرون.

وسيوضح ماكرون الذي أغرق البلاد في حالة من انعدام اليقين بإعلانه حل الجمعية الوطنية الأحد بعد هزيمة معسكره في الانتخابات الأوروبية، «التوجه الذي يراه مناسباً للأمة»، خلال مؤتمر صحافي كان مقرراً أمس لكنه أرجئ إلى بعد ظهر الأربعاء.

وفي مقابلة مع مجلة «فيغارو ماغازين» عبر الإنترنت أمس، أكد الرئيس الفرنسي أنه يرفض الاستقالة «مهما كانت نتيجة» الانتخابات التشريعية التي قد تحمل للمرة الأولى اليمين المتطرف إلى السلطة فيما تستعد البلاد لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية من 26 يوليو إلى 11 أغسطس.

وردا على سؤال حول احتمال أن يطالب التجمع الوطني في حال فوزه، باستقالته، استبعد ماكرون هذه الفرضية، وأكد «ليس التجمع الوطني الطرف الذي يصوغ الدستور أو روحيته. المؤسسات واضحة وكذلك موقع الرئيس مهما كانت النتيجة. وهذا أمر ثابت لا يُمس بالنسبة لي».

اليمين المتطرف أولاً

وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهدا هاريس إنترأكتيف وتولونا، ونشرت نتائجه الاثنين، أن «التجمع الوطني»، بزعامة جوردان بارديلا المرشح لرئاسة الوزراء، ومارين لوبن سيحصل على 34 بالمئة من نوايا الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات في 30 الجاري، مما يسمح له - وفق التحقيق - بالحصول في الدورة الثانية بعد أسبوع على غالبية نسبية قدرها 235 إلى 265 مقعدا من أصل 577 في الجمعية الوطنية مقابل 89 حالياً.

وأعلنت لوبن، التي سبق أن هزمت 3 مرات في سعيها للوصول إلى الرئاسة، «أمامنا فرصة تاريخية للسماح للمعسكر الوطني بإعادة وضع فرنسا على السكة»، مؤكدة أنها «قادرة بالطبع» على عدم تقديم مرشح بمواجهة «الجمهوريين» في الدوائر التي يتم التوصل فيها إلى اتفاق معه.

وقالت: «هذا ما نعمل عليه، ولكن مع نقاط سياسية يتفق كل طرف حولها» مشيرة إلى «مشروع قائم على ورشتين كبريين، الدفاع عن القدرة الشرائية والنهوض بالاقتصاد، ومكافحة انعدام الأمن والهجرة».

وكانت لوبن استقبلت بعد الظهر ابنة شقيقتها ماريون ماريشال التي ترأست لائحة حزب استرداد (روكونكيت) بزعامة إريك زمور.

مفاجأة الجمهوريين

وفجّر رئيس حزب الجمهوريين (يمين الوسط)، إريك سيوتي، أمس، مفاجأة من العيار الثقيل بالإعلان عن رغبته بإقامة «تحالف» مع «التجمع الوطني» لخوض الانتخابات، وهو ما رحبت به لوبن.

وفي مقابلة مع قناة «تي إف 1»، قال سيوتي: «نحن بحاجة إلى التحالف، مع الحفاظ على هويتنا، ... مع حزب التجمع الوطني ومرشحيه». ومثل هذا الموقف يُعدّ مثيراً للجدل داخل حزبه، وريث الديغولية.

واعتبر سيوتي أن اليمين يحتاج إلى هذه التحالف للاحتفاظ بمقاعده في الجمعية الوطنية، حيث يمثله 61 نائبا، العديد منهم لا يتفق مع سياسة رئيس الحزب.

ووصفت لوبن مواقف سيوتي بأنها «خيار شجاع» وتنمّ عن «الإحساس بالمسؤولية». وقالت: «40 عاماً من التهميش الزائف تتلاشى بعد أن تسببت في خسارة العديد من الانتخابات».

ووفق استطلاع هاريس إنترأكتيف وتولونا، سيحصل حزب «الجمهوريون» على 9 بالمئة من الأصوات (مقابل 11.3 بالمئة حالياً)، مما يعني أنه في حال تم التحالف بين يمين الوسط واليمين المتطرف سيكون لديهما نظريا 44 بالمئة من الجمعية الوطنية.

ورفض الكثير من قادة الجمهوريين اقتراح رئيس الحزب، وكان الرئيس السابق اليميني نيكولا ساركوزي أعلن دعمه لماكرون. ورغم ذلك يرفض الكثير من الجمهوريين التوحد خلف ماكرون الذي سيكون الرابح من أي نتيجة يُهزم فيها «التجمع الوطني».

معسكر الرئيس

أما المعسكر الرئاسي، فمنحه استطلاع الرأي 19 بالمئة من نوايا الأصوات و125 إلى 155 مقعدا فقط. وكتب ماكرون على «إكس»، الاثنين «أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الأنسب له وللأجيال المقبلة».

من جانبه، أكد رئيس الوزراء، غابريال أتال، خلال اجتماع للكتلة النيابية للحزب الرئاسي «سأضطلع بواجبي كمواطن متمسك ببلاده، سيبذل كل ما أمكنه لتفادي الأسوأ»، وفق ما أفاد مساعدون له.

وحذّر أتال، في أول تصريحات له منذ إعلان الرئيس، بأن الانتخابات المبكرة «تنطوي على رهان أكثر خطورة، وله طابع تاريخي أكبر من انتخابات 2022»، لأن اليمين المتطرف «على أبواب السلطة» في فرنسا.

اليسار بعيد عن الوحدة

وفي اليسار، أعيد خلط الأوراق مساء الاثنين، فدعا الحزب الاشتراكي والشيوعيون وأنصار البيئة و«فرنسا المتمردة» من اليسار الراديكالي بزعامة السياسي المثير للجدل جون لوك ميلونشون، في بيان، إلى «تشكيل جبهة شعبية»، مؤكدين عزمهم على «دعم ترشيحات منفردة منذ الدورة الأولى» من الانتخابات التشريعية.

كما دعت هذه الأحزاب إلى «الانضمام إلى المسيرات» المقررة في نهاية الأسبوع بدعوة من النقابات الرئاسية، و«التظاهر بأعداد كبيرة».

وصدر الإعلان في وقت تجمّع مئات المتظاهرين الشبان القادمين من تجمّع ضد اليمين المتطرف في ساحة لا ريبوبليك، أمام المقر العام الباريسي لأنصار البيئة، حيث كان قادة اليسار متجمعين بعد الظهر.

وخاطبت رئيسة «الخضر»، مارين توندولييه، الناشطين الذين كانوا يهتفون «توصلوا إلى اتفاق»، فقالت لهم: «هذا ما فعلناه، نجحنا في الاتفاق».

وكان رئيس القائمة الاشتراكية في الانتخابات الأوروبية، رافايل غلوكسمان، أكد قبل بضع ساعات رفضه التوحد تحت راية ترشيح ميلونشون لرئاسة الوزراء.

واستبعد غلوكسمان تقدمه بنفسه لرئاسة الوزراء، لكنّه حذّر «من الواضح أنه لن يكون جان لوك ميلونشون» كذلك، داعيا إلى «عدم إعادة تشكيل نوبيس»، وهو تحالف شكّلته أحزاب اليسار لخوض الانتخابات التشريعية عام 2022، فاز بـ 151 مقعدا في البرلمان، لكنه تفكك في الخريف الماضي.

وفي حال فوز اليسار طرح اسم رئيس نقابة الكونفدرالية الديموقراطية الفرنسية للعمل (CFDT)، لوران برجيه، لمنصب رئيس الوزراء، في اقتراح لم يحظ حتى الآن بتأييد أحزاب اليسار الأخرى. وانتقد رئيس الوزراء غابريال أتال بشدة هذا التحالف معتبرا بأنه «مقزز» وأكد أن الاشتراكيين يريدون «بناء اتفاق» مع فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي) المتهم بأن مواقفه مبهمة بشأن معاداة السامية.

بكين لا تبدو متحمسة لفوز اليمين المتطرف في انتخابات أوروبا

قالت صحيفة بوليتيكو الأميركية إن بعض كبار الأكاديميين والمستشارين الصينيين للحكومة لا يبدون مقتنعين بأن فوز الاتجاه اليميني المتطرف في الانتخابات في أوروبا سيكون موضع ترحيب في بكين.

ونقلت بلويتيكو عن تشاو كي، رئيس قسم روسيا وأوروبا في مدرسة الحزب المركزية للحزب الشيوعي، قوله في تقرير لموقع «ذا بيبر» الصيني، إن «صعود الجناح اليميني يعني أن الاتحاد الأوروبي سوف يسرع في تنفيذ استراتيجيته للحد من المخاطر وتقليل الاعتماد على الصين».

ويضيف: «مع اعتماد الاتحاد الأوروبي للعدسة الجيوسياسية للنظر في علاقته مع العالم، فإن هذا يخلق تحديات للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي».

وفي التقرير نفسه، قال دينغ تشون، الباحث البارز في شؤون أوروبا في جامعة فودان في شنغهاي، إنه بعد نتائج الانتخابات الأوروبية «يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتبنى وجهة نظر أكثر تحفظاً بشأن السياسة الاقتصادية مع الصين».

أما الباحث في شؤون الصين والاتحاد الأوروبي في فودان، يان شاوهوا، فيقول إنه في حين أن الجماعات اليمينية المتطرفة سوف تروج «لسياسة حمائية ضيقة الأفق في التجارة»، إلا أن هناك أيضاً «الافتقار إلى الوحدة في أجندة الصين» بين مختلف أحزاب اليمين المتطرف.

وأشارت «بوليتيكو» الى أنه على الرغم من أن الجماعات اليمينية المتطرفة لديها علاقات معقدة مع أنظمة مثل الصين، فإنها تتخذ موقفاً معادياً لأجندة العولمة التي تقوم عليها العلاقات التجارية البالغة الأهمية بين الصين وأوروبا. علاوة على ذلك، يُعَد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشار الالماني اولاف شولتس من بين زعماء مجموعة السبع الأكثر استعداداً لاتخاذ موقف تصالحي مع الصين.

وأضافت انه قبل يوم واحد فقط من الهزيمة الساحقة التي مني بها حزبه، كان شولتس يدافع عن صناعة السيارات الكهربائية في الصين، ويشكك علانية في خطة بروكسل لفرض الرسوم الجمركية، لافتة إلى أن انحسار نفوذ ماكرون وشولتس حتى في مقابل بعض المشتركات الأيديولوجية بين اليمين المتطرف وبكين ليس علامة جيدة بالنسبة لبكين.

back to top