وجهة نظر: حدود الدَّين العام
يزداد الاهتمام بقانون الدين العام، محليا، وأهمية تفعيله، من قبل تقارير المادة الرابعة السنوية لصندوق النقد الدولي، وتقارير وكالات التصنيف الائتماني، بالإضافة إلى جهات أخرى، خاصة بعد فترات الضغوط المالية على تمويل الموازنة العامة للدولة. ويكتسب هذا الدين، عالميا، أهمية متزايدة بسبب آثار التدهور الاقتصادي الذي صاحب جائحة كورونا، وما تلاها من أزمات اقتصادية، حتى ان بعض صناديق التمويل المحلية والإقليمية والدولية بدأت تواجه مشكلة تعثر في السداد Default. وقد وصلت قيمة الدين عالميا (الحكومي والخاص) في أول عام 2024 الى حوالي 315 تريليون دولار (%333 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي). في حين كانت قيمة الدين العام الحكومي، أو السيادي (الداخلي والخارجي) حوالي 91.4 تريليون دولار (معهد التمويل الدولي).
ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن حدود الدين العام. وتعتمد حدود الدين العام الداخلي، اقتصاديا، على الذي يبدأ به هذا الدين بمزاحمة Crowding Out القطاع الخاص على التمويل المتاح محليا. والحل، هنا، هو أن تبدأ الحكومة بالاقتراض المحلي بعد أن يستنفد القطاع الخاص احتياجاته من هذا التمويل. وبقدر تعلق الأمر بحالة دولة الكويت، فإن ضخامة المدخرات الخاصة بالقطاع المصرفي (حوالي 38.5 مليار دينار، بالإضافة إلى المدخرات الحكومية بحوالي 4.6 مليارات، في أبريل 2024) قد لا تساعد في وجود ظاهرة التزاحم (حاليا).
أما الاقتراض العام الخارجي فإنه عادة ما يشار الى أنه يجب ألا يتجاوز%60 من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وهنا لابد من وقفة، حيث إن هذه النسبة وردت ضمن معاهدة ماسترخ Maastricht Treaty، التي أنشأت الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 1991، وما تلاها من إضافات، وتسري النسبة على البلدان الأعضاء بالاتحاد.
إلا أنه، للأسف، تم استخدام هذه النسبة في العديد من الدول، النامية النفطية وغير النفطية، باعتبارها واحدة من أهم النسب المعبّرة عن استدامة الدين العام Debt Sustainability، وأن تجاوزها قد يؤثر سلبا على هذه الاستدامة. ويؤخذ على استخدامها، خارج البلدان المتقدمة، هي أنها لا تصلح لبلد غير متنوع في الصادرات (على اعتبار أن عوائد الصادرات المتنوعة هي المصدر الرئيسي لتسديد خدمة الدين Debt Service).
إلا أن الخطورة تتحقق عندما يكون الاقتصاد غير متنوع بالصادرات، ويتمتع بنسبة مرتفعة من الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال تصل هذه النسبة الإجمالية في لبنان، عام 2023، الى حوالي%391، ونسبة الدين الخارجي الحكومي حوالي%107، عام 2022 (حسب بيانات صندوق النقد الدولي). ولا توجد نسبة تصلح لكل البلدان النامية. والقاعدة، بدلا من ذلك، هي أنه كلما قلت درجة تنوع الصادرات، قلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي قد تصل إلى ما بين%30 و%45 في عدد من البلدان النفطية العربية، أو أقل حسب شدّة عدم التنوع، حسب نتائج بعض الدراسات المتخصصة.
ولاغراض السياسات، فإن المصدر الرئيسي، الذي يتصف بالاستدامة، لتمويل العجز الخارجي (الحساب الجاري) ومن ثم الداخلي (الموازنة العامة للدولة)، هو العمل على تنويع الصادرات وبناء احتياطيات لمعالجة أي خلل في ميزان المدفوعات. وفي حالة دولة الكويت وصلت قيمة الأصول الاحتياطية الرسمية، في أبريل 2024، الى حوالي 15088 مليون دينار، تشكل منها العملات الأجنبية والودائع بالخارج حوالي%89، حسب إحصاءات موقع بنك الكويت المركزي، مع عدم وجود إحصاءات رسمية عن الأصول السائلة وغير السائلة بصندوق الاحتياطي العام، الذي يمول عجز الموازنة، ويحول اليه الفائض، بالقانون. ولا زالت مصادر العملة الأجنبية تتأتى، بشكل رئيسي من الصادرات النفطية، التي تمثل حوالي%92.9 من إجمالي الصادرات، بالإضافة الى دخل الاستثمارات الخارجية بحوالي 9936 مليون دينار، عام 2023 (الحساب الأساسي أو الأولي، ميزان المدفوعات، موقع بنك الكويت المركزي). آخذين بنظر الاعتبار أن مشكلة الدين العام الخارجي بالدولة لا تمثل أية مشكلة حاليا، حيث إن الإجمالي، حسب تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي لسنة 2023، في حدود%2.9 من الناتج المحلي الإجمالي، عام 2022. ووفقا لإحصاءات الدين الخارجي، على موقع بنك الكويت المركزي، تتم الإشارة لمجموع هذا الدين، الحكومة العامة والقطاع الخاص (19821 مليون دينار لعام 2023)، دون تجزئته إلى خاص وحكومي بنفس الجدول، ومن دون الإشارة لشروط ومكونات الدين Debt Conditions & Composition، الواردة في دليل الديون الخارجية لصندوق النقد الدولي وآخرين، 2014. مع عدم وجود موقع لإدارة الدين بوزارة المالية لتعقب تطورات الدين الحكومي الخارجي. انظر في شروط ومكونات الديون الخارجية الخاصة والحكومية لحوالي 115 بلد: World Bank Report، International Debt Report، 2023. كما تقوم المملكة العربية السعودية بنشر تفاصيل الديون ضمن موقع: المركز الوطني للدين.
إن القاعدة الذهبية، في السياسة المالية، هي أن النفقات الجارية (بافتراض رشادتها الاقتصادية) تمول من الإيرادات الجارية (الضرائب والرسوم)، وأن النفقات الرأسمالية (بافتراض جدواها الاقتصادية) تمول بإيراد رأسمالي (بجزء من الإيرادات النفطية، باعتبار أن النفط هو أصل وليس دخلا)، على أن يحول باقي الإيراد النفطي، الفائض عن تمويل الإنفاق الرأسمالي، إلى صناديق المصدّات المالية. إدارة الدين العام هي جزء لا يتجزأ من إدارة الاقتصاد الكلي، والإدارة الأولى ما زالت، في العديد من الدول، تعمل بمنأى عن الإدارة الثانية (بافتراض وجود الثانية).