سيكولوجية الدينار الكويتي

نشر في 02-12-2022
آخر تحديث 01-12-2022 | 20:33
 د. محمد بن عصّام السبيعي

أن يجنح العرب إلى المغالاة والأبعاد الكبرى فمتفق عليه، من ذلك قولهم أول من فعل، آخر من ترك، أكبر ما بنى وأطول ما شيد، ومنه أيضا أثمن عملة في العالم، أي أعلى ما يقابلها من سعر صرف، فلا عجب إذاً أن تعود أثمن أربع عملات في العالم إلى اقتصادات عربية، وأثمنها قاطبة الدينار الكويتي، فالدينار الكويتي يعادل في المتوسط ثلاثة دولارات أميركية، وهذه أداة الدفع في أكبر وأهم اقتصاد في العالم، والعملة الأقوى والأوفر قبولا خارج حدودها بلا منازع.

لكن إذا لم تهيئ قيمة الصرف الباهظة للدينار الكويتي مزايا يتمتع بها الدولار الأميركي أو غيره من العملات الصعبة مثل الين الياباني الذي يعادل أقل من فلسين ونصف الفلس، فهل لمثل هذه القيمة من تبعات؟ الغلاء مثلا؟ لا يستبعد أن تكون تلك القيمة سببا في كثير مما يستشعره المستهلك في تبادله اليومي من غلاء، إليك مثلا قطاع تجزئة المطاعم والتغذية حيث لا تنقطع الشكوى من غلاء لا يعرف حدوداً أو حياء، فأن يكون مرد ذلك ارتفاعا في تكاليف المواد أو التشغيل فمستبعد، فشطيرة الفلافل التي قيد سعرها منذ عقود بقرار وزاري (44/1984) في حدود مئة فلس لم يعزف أحد حتى الآن عن بيعها، بل إن هذه السلعة بسعرها الزهيد تمثل عماد كثير من المطاعم.

إذاً ما الذي يدفع الأسعار نحو الغلاء إن لم يكن هناك ارتفاع في تكلفة المنتج والتشغيل؟ الغلاء الماثل في هذا السياق يمكن تصنيفه في جانب ما يسمى التضخم المدفوع بالطلب، أي أنه تضخم ليس بالمستورد كما أنه ليس انعكاسا لارتفاع في تكاليف الإنتاج لكنه وليد الطلب ذاته، الطلب الذي لا يكف عن الإلحاح رغم ارتفاع الأسعار، ومبعث هذا الطلب المتأجج يعود في تقديري إلى سيكولوجية المستهلك الكويتي، سواء في فهمه لمصدر دخله ومنه إلى قراره في توجيه الإنفاق، أو في استيعابه لقيمة الدينار الكويتي.

فهناك غياب خصلة الادخار والسلوك الاستهلاكي الراشد لدى الكثيرين، بل ربما نبذ مثل هذه العادة، ومرد ذلك بالتأكيد يعود إلى ضمان الدخل الدائم المضمون بدوره بدوام الوظيفة العامة غير المهددة بالإلغاء وشاغلها بالتسريح إلا في أحوال نادرة، ورغم ما يبدو بين المتغيرين، أي الدخل الدائم والإنفاق الطائل من علاقة وجيهة منطقيا، فإن المستهلك الراشد يعلم أن ما هو مضمون يوما ما لا يركن إليه دوما، وعلى أي حال فإن مثل هذا التصور بدوام الدخل وتلاشي احتمال الحاجة، أو الندرة بلغة الاقتصاديين، هذا التصور يهيئ أمثل منطلق لإنفاق لا يرتدع أمام غلاء، هذا إن لم يغر جانب العرض بتأجيج الأسعار طمعا في استعداد المستهلك للدفع على أية حال.

وهناك أيضا نظرة المستهلك الكويتي إلى عملته دون اعتبار لثمنها الباهظ، فالمستهلك هنا يعتد بالدينار ومضاعفاته دون اعتبار للمحتوى الحقيقي للدينار الواحد، أي الألف فلس، والذي يعادل ثلاثة دولارات، فكل ما هو دون الدينار من ثمن سلعة أو خدمة يعتبر زهيدا ولا يستحق تقييما حقيقيا لقيمتها، وكل زيادة على الدينار دون الدينارين، أو على العشرة دنانير دون العشرين دينارا هي مما لا ينبغي إطالة التفكير فيه، وهكذا حتى يصبح سلوك المستهلك حقا كما آلة لإتلاف النقود، فارتفاع سعر سلعة أو خدمة من ثلاثمئة فلس، أي دولار واحد، إلى ستمئة فلس، أي دولارين، قد لا يلقي لها الكثيرون هنا بالاً رغم أنها زيادة مئة في المئة، لكن في دوائر المستهلكين الأميركيين هي صدمة تستدعي إعادة حسابات، إما بحثا عن سلعة بديلة أو الاستغناء عنها تماما.

وأدعى من ذلك ألا يأبه أحد هنا من ارتفاع ثمن سلعة من مئة فلس إلى مئة وخمسين، في حين لو ارتفعت ذاتها على سبيل المثال من ريال سعودي واحد إلى ريال ونصف، وهو ارتفاع أقل من سابقه، فلا أظن أن مثل ذلك سيمر في وعي المستهلك السعودي مرور الكرام.

back to top