لا بواكي على غزة
في تأملي أن أبلغ ما يجسد واقع الأنظمة العربية وبخاصة الوقت الراهن، هو قول نُسب لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام، رحمه الله: «من نزل بقرية تفشى فيها الزنى وحدَّث الناس عن أحكام الربى فقد خان الله ورسوله»، ولن أذهب مع الذاهبين إلى الجدل حول صحة نسبته إلى العز بن عبدالسلام أو إنكاره فذلك إسراف لا طائل منه، لقناعتي بأن القول سواء نُسب للعز بن عبدالسلام أم لم يُنسب يتفق مع مقاصد الشريعة في الفهم السليم لفقه الأولويات من حيث المفاضلة بين مراتب الأعمال، وأيها أولى بالتقديم عن غيرها، مبدأً يلتزمه الرجل في بيته والراعي في رعيته والوالي في ولايته، وتتجلى عظمة هذا القول بمناسبة العدوان النازي المجرم على غزة الذي يدخل يومه العشرين بعد المئتين وفصائل المقاومة لا تزال صامدة رغم الحصار والدمار والخذلان في مواجهة أقذر وأحط جيوش الأرض على الإطلاق وخلفه الشيطان الأميركي، والأنظمة العربية في صمت مطبق ما بين التخاذل والانبطاح.
فهنالك من يقيم الحفلات الترفيهية بالرقص والتعري في حين جباه الأطفال والنساء والشيوخ في غزة مخضبة بالدماء، وآخرون مدُّوا الجسور البرية لتزود الاحتلال بالفاكهة والطعام والشراب وأطفال غزة ونساؤها وشيوخها محاصرون يتضورون جوعًا وظمأً، وفي المقابل نرى المظاهرات والاحتجاجات المدوية التي تندد بالعدوان الغاشم على غزة تأتي من خارج البيت العربي والإسلامي من قلب العواصم الأوروبية وأميركا في طليعتها طلاب الجامعات الرائدة والأعلى كعباً مثل كولومبيا وهارفارد وغيرها، وكأن شعارها «ليس ضرورياً أن تكون مسلماً أو عربياً أو فلسطينياً لتثور على الظلم والعدوان بل يكفي أن تكون إنساناً» هذه هي الشعوب الحرة التي تنحاز إلى الحق ولا تحفل بخانة الديانة أو القومية.
وهنا وجدت بعض الأنظمة العربية والإسلامية نفسها عارية أمام الرأي العام العالمي، فبدلاً من العودة إلى جادة الصواب استنفرت الآلة الإعلامية من قنوات مأجورة وأقلام قميئة وعلماء فُسَّاق إلى شيطنة المقاومة، واعتبار الجهاد بمنزلة إرهاب، ليس هذا فحسب بل عمدت إلى إغراق الرأي العام بقضايا تقبل الإثارة، وهي تعرف سيكولوجية شعوبها سلفاً بأن تسلط الضوء على أمور فقهية حسمها العلماء الثقات قديماً مثل إخراج زكاة الفطر نقوداً أم حبوباً، وتهنئة غير المسلم جائزة أم غير جائزة.
ومن فرط الإسراف في التغييب الأعظم خطورة أن تم الإيذان باستدعاء الخفافيش من أوكارها تعيث فسقاً وفساداً بدعوى التنوير وحرية الرأي بمنصة أسمتها (تكوين) هدفها نقد ثوابت الدين، جمعت في عضويتها كتابا وإعلاميين- قاتلهم الله- من المشهود لهم بالفسق والفجور والتجرؤ على الصحابة- رضوان الله عليهم- ومنهم من له سوابق قضائية بتهمة ازدراء الأديان وتم حبسه من قبل، فحضر الأزهر وخرج العلماء يدافعون عن ثوابت العقيدة، ولا غرو أن ذلك هو المأمول، ولكن في قناعتي أن هذه العناصر الماجنة ربما نجحت أو حققت المرجو منها بأن صرفت المجتمع بسياسة الإلهاء إلى مادة إعلامية بزخم من الجدل قد يطول أو يقصر لكنه في النهاية مضيعة لوقت أهل غزة في أمس الحاجة إليه.
وفي النهاية أعرف أن سعي هؤلاء الفجرة لا يعدو أكثر من طنين الذباب، وأن الإسلام سيظل شامخاً باقياً، ومن المحزن أن المحتل يهدم المساجد بالمسيّرات، ويدنس المقدسات الإسلامية، ونحن نجند من يطعن في ثوابت العقيدة، ولا بواكي على غزة.