الوصول للقمة
«I do not know anyone who got to the top without hardwork»- مارغريت تاتشر «لا أعرف أحداً قد وصل القمة إلا بالعمل الشاق».
منذ لحظة إعلان فوز دولة قطر الشقيقة والحبيبة باستضافة كأس العالم بنسخته الـ 22 لعام 2022 منذ عقد من الزمان وأنا أحلم بذاك اليوم الاستثنائي لحضور فعاليات حفل الافتتاح الذي سيقام في دولة قريبة جداً للقلب والروح، ولا يبعدني عنها سوى ساعة طيران واحدة تلك الساعة التي ستأخذني لأشهد حلماً جميلاً يتحقق جلياً على أرض الواقع في صرح اسمه «البيت» ويا له من بيت!
تحقق الحلم وكان من أجمل لحظات حياتي، لحظة دخولي لاستاد البيت في منطقة الخور، يوم العشرين من نوفمبر لعام 2022 هذا اليوم سيبقى في ذاكرتي بكل تفاصيله الجميلة ما حييت.
ركبنا الحافلة من منطقة تجمع في «سوق واقف» وحركنا برحلة برية طويلة استغرقت نحو الساعة التي مرت سريعاً حيث كنت أتأمل خلالها وأفكر كيف تمكنت الدوحة الجميلة والصغيرة بمساحتها من تحقيق هذا الحلم لإنجاز لا أعتقد أنه سيتكرر في التاريخ، ليس لكونها مناسبة رياضية عالمية تتنافس على الفوز باستضافتها العديد من الدول، بل لأنني أستبعد أن يكون باستطاعة دولة عربية أو خليجية أن تتمكن من تحقيق هذا النصر الذي حقق الكثير، وسبقه الكثير من التحضير والجهد والعمل الشاق، لتحقيق رؤية استراتيجية بعيدة المدى.
وصلنا بعد نحو ساعة وعشر دقائق إلى صرح استاد البيت الذي صُمم على شكل بيت شعر نصب وسط الصحراء بعيداً عن وسط العاصمة، ورأيت تصميماً مهيباً جمع بجماله وأناقته وعراقة خلفيته الثقافية العالم كله تحت خيمة واحدة، ويا لها من خيمة لها هيبة وجمال وأثناء السير إلى داخل أروقتها أثلج صدري وشعرت بالفخر أن أكون خليجية وسط الحشود من الناس من مختلف القارات، وقد تزينوا بأعلام بلادهم، وكان مما يلفت النظر أن ترى بين الحين والآخر مواطناً قطرياً أو طفلاً قطرياً أو خليجياً يساعد أحد الضيوف الأجانب في لبس الغترة والعقال، والكل سعيد بالتعرف على ثقافة مختلفة نشرت أجمل الصور في التسامح والسلام،
شعور لا يوصف إلا بالفخر الشديد في تلك اللحظات، فقد كنا نتغنى لسنين بأنا الخليجي وأفتخر أني خليجي، تلك الكلمات شعرت بها بشكل ملموس حين شهدت التنظيم الرائع في عملية دخولنا وخروجنا من منطقة استاد البيت بكل سلاسة وأمن، وسعدت كثيراً وشعرت بالمزيد من الفخر برؤية فتيات وفتية من قطر الحبيبة، وهم يعملون بحماس وجد وحب على قدم وساق في عملية التنظيم والترحيب بالعالم بأسره في دوحة الجميع، كما سماها سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله.
انتظرت بفارغ الصبر لحظة حفل الافتتاح وزانها جمالاً وحماساً أنها كانت تجربتي الأولى على الإطلاق في دخول مدرات استاد رياضي على الرغم من المفارقة أنني عشت في بيت الوالد، رحمه الله، سنين طويلة، ومنزلنا مقابل أحد أشهر النوادي الرياضية في الكويت. كانت من أجمل اللحظات رؤية ملعب بهذه الروعة والفخامة المعمارية، ولم أشعر بالملل ولو للحظات، وأنا أتأمل التنظيم الرائع والتجهيز لانطلاق الافتتاح الذي بدأ بالصوت الرخيم للنجم العالمي مورغان فريمان، وأبهرني دخول الشاب المعجزة القطري غانم المفتاح ذي الاحتياجات الخاصة، وذي الأخلاق التي تنقص الكثيرين، كانت تلك اللحظة لا توصف فكأنها صرختي كأم لذوي الاحتياجات الخاصة قد وصل أخيراً للعالم كله، وقد التفت الجميع الى معنى الاختلاف، وكيف نحترمه ونتعامل معه، لقد كانت رسالة عظيمة حققت القمة في حفل أنا باعتقادي كان الأجمل في تاريخ مسابقات كأس العالم، فقد ركز على الرسائل الإنسانية العميقة التى أصلت ثقافة البلد، وأشعلت حماس كل أرجاء المعمورة بأن يروا الجانب الآخر من العالم.
لحظة يصعب وصفها بالكلمات حين ترى أكثر من ستين ألفاً حضروا إلى هذا البيت الجميل بكل احترام وتقدير رغم اختلاف وتنوع أجناسهم وأعراقهم وألوانهم ودينهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم في هذا البيت، وهذه التحفة المعمارية، جمعهم حبهم للرياضة ورغبتهم في المشاركة، وكانت فرصة لهم للتعرف على ثقافة بلد مسلم وخليجي وعربي.
نعم قطر الشقيقة بلد خليجي صغير بمساحته لكنه تفوق ووصل إلى القمة بالعمل الشاق والدؤوب، وحقق هدف التنمية المستدامة،
درس رائع قدمته دوحة الخير بينت فيه الفرق بين الإدارة والقيادة، وكيف أن الرؤية والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لا بد أن يصل بنا لتحقيق القمة بالرغم من كل العقبات والصعوبات والانتقادات.
كلمة شكراً قليلة في حق قطر التي تحدت الكل، وحققت الحلم بالوصول للقمة، فهنيئاً لكم أهل الدوحة.