الفرص لا تنتهي
استفز خبر توقيع اتفاق طريق التنمية الكويتيين شعبياً ونيابياً، منهم من تساءل: أين نحن مما يحصل حولنا، منهم من يعاتب الحكومة على سباتها، وآخرون يمارسون هوايتهم بالصراخ «الاستقرار غائب، مشاريعنا معطلة، الكويت تتراجع، تشكيل لجنة تحقيق، أموال ضائعة»، وفجأة وجهت السهام إلى مشروع ميناء مبارك، وكأنه بدأ بالأمس لا قبل 17 عاماً وتحديداً في سبتمبر 2007، وأصابع التقصير توجه يميناً ويساراً فهذه طبيعة البشر في حال الفشل.
لا نعتب على مواقف النواب الجدد، إنما العجب والعتب على النواب القدامى، أين هم من مشروع ميناء مبارك خلال وجودهم في قاعة عبدالله السالم؟ أليست الرقابة من صميم العمل النيابي وامتلاكهم أدوات عديدة للمحاسبة بعيداً عن الصراخ؟
انشرح صدري واستثارني مانشيت في إحدى الصحف يتعلق بطريق التنمية بعنوان «الفرصة لا تنتهي»، تساءلت هل فعلاً هناك فرصة؟
أقول: نعم (ونعم كبيرة) هناك فرص لا فرصة واحدة، الفرص لا تنتهي أبداً لمن يحسن استغلالها، والتاريخ يثبت أن الكويتيين يصنعون الكثير من ربع فرصة فما بالك بالفرصة الكاملة؟ نعم الفرص لا تنتهي والأفكار لا تنضب، وهنا أود التطرق الى تجربة شخصية مشابهة ربما توضح تبعات التردد باتخاذ القرار في ضياع الفرص.
بحكم التخصص تصديت شخصيا في عام 2011 لتشكيل اتحاد من شركات اتصالات خليجية مرموقة بغرض إنشاء منظومة شبكات لنقل البيانات وحركة الاتصالات والإنترنت من دول الخليج إلى أوروبا، تبدأ الشبكة من الإمارات وعبر السعودية وتتفرع الى قطر والبحرين، وتمتد عبر الكويت شمالا الى العراق وتركيا ومنها الى أوروبا، أطلقنا عليه اسم الخليج عراق تركيا (Gulf Iraq Turkey).
يهدف المشروع الى خلق ممر رديف لكوابل الفايبر البحرية الناقلة للبيانات والإنترنت التي تربط دول المنطقة عبر البحر الأحمر ومصر والبحر المتوسط الى أوروبا، الفكرة كانت رائدة في ذلك الوقت من عام 2011 والشركاء كانوا متحمسين جدا لتلافي تكرار الحادثة المشهورة في عام 2008 من انقطاع متزامن لعدة كوابل بحرية في البحر المتوسط والتي أدت الى انقطاع 90% من شبكة الإنترنت عن دول الخليج 10 أيام، وهذه الحادثة تحديدا قرعت جرس إنذار لضرورة إيجاد ممرات رديفة لكوابل الفايبر العابرة من شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا.
عملنا في الاتحاد بإصرار وجدية، اجتماعات متواصلة بين دبي وإسطنبول وبيروت والكويت، واجهتنا صعاب جمة استطعنا التغلب عليها، وبعد 3 سنوات اضطررنا الى وقف المشروع بسبب الكويت والعراق تحديدا، التحديات الأمنية بالعراق (في وقتها) كانت عائقا، والتلكؤ باتخاذ القرار في الكويت مضافا الى غياب تنظيم قطاع الاتصالات (قبل إنشاء هيئة الاتصالات) كان أيضا عائقا. نرجع الى التساؤل المثار: هل لا تزال الفرصة قائمة؟ طبعا نعم، لكنها تضمحل مع الوقت، فعامل الوقت عنصر مهم لإنجاح المشاريع، فالاستقرار الأمني في العراق حاليا، ووجود حكومة عراقية جادة تعمل على جلب المستثمر الأجنبي مستغلة الموقع الجغرافي للعراق بوابة المنطقة على تركيا وأوروبا عامل رئيس لإنجاح مشاريع الترانزيت، أقول هذا عن معرفة وتماس متواصل ومباشر مع الجهات العراقية بحكم وظيفتي. نعم لم نستغل الموقع الجغرافي للكويت، مثلما عمل الأشقاء بالإمارات وقطر باتفاقية طريق التنمية وتحويل الوجهة عن الكويت كطريق ترانزيت لنقل البضائع، فستعمل شركات الاتصالات الخليجية ذات العمل (وهي تعمل حاليا) على التوجه بحريا الى العراق ومنها نقل حركة الاتصالات والإنترنت عبورا بالعراق الى أوروبا.
خلق ممر إقليمي لحركة الاتصالات والإنترنت سيفتح على الكويت فرصاً عديدة متنوعة وصناعات رديفة تجذب اهتمام شركات عالمية كبرى للمحتوى، التي بدأت تنفيذ خطط جادة للتوسع بالمنطقة، ويجب علينا استغلال موقع الكويت الجغرافي، وقربنا من أسواق ضخمة، واستغلال وجود مجلس تشريعي منتخب وجهاز قضائي مستقل، وعلاقات دبلوماسية متميزة، وهي عوامل جاذبة للمستثمر الأجنبي، فالفرص لا تزال قائمة، وينبغي ألا نجعلها تمر علينا مر السحاب لتمطر في بلدان أخرى.