فيضانات دبي ليست الأخيرة

نشر في 03-05-2024
آخر تحديث 02-05-2024 | 20:11
 د. نواف المطيري

الظواهر المناخية المتطرفة هي حوادث تحدث على فترات زمنية متباعدة، لكن ما لفت الانتباه في السنوات الأخيرة هو تقلص هذه الفترات وزيادة شدة تلك الحوادث، وتجسدت هذه الظاهرة بشكل واضح خلال الأسابيع الماضية في دولة الإمارات، حيث تعرضت لتساقطات مطرية غزيرة تعد مثالاً بارزاً على هذه الظواهر المتطرفة، إذ بلغت كمية الأمطار الساقطة 24سم في يوم واحد، ويفوق المعدل السنوي للأمطار في الإمارات الذي يبلغ 10سم في السنة، من الواضح أن هذه الظواهر المتطرفة ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي مؤشر على تغيرات جذرية، ولا سيما في منطقتنا الخليجية التي واجهت حوادث مماثلة، وقد يتبادر إلى الذهن: ما السبب في حدوث مثل هذه الظواهر تحديداً في المنطقة الخليجية التي تعدّ من المناطق الجافة، وتندر فيها الموارد المائية الطبيعية؟

أشير في العديد من التقارير إلى إمكانية أن يكون الهطول المطري الكبير الذي شهدته دولة الإمارات ناتجاً عن عمليات استمطار الغيوم، وهي تقنية شرعت دولة الإمارات في استخدامها في نهاية القرن الماضي لتعويض النقص في الموارد المائية الطبيعية، تتم هذه العمليات عن طريق رش الغيوم المحددة بمواد غير ضارة، بهدف تحفيز قطرات المطر وتجمعها حتى تزيد فرص هطولها، وفي الحقيقة استخدمت هذه التقنية في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال لجأت الصين الى استمطار الغيوم خلال أولمبياد 2008 لتأمين الطقس الجيد خلال الحدث الرياضي، كذلك استخدمت الهند وإيران هذ التقنية عدة مرات لمواجهة مواسم الجفاف وتعزيز الزراعة، وعلى الرغم من شهرة هذه التقنية، فإنها تعد مكلفة اقتصادياً وغالباً غير فعالة، وتشير بعض الدراسات العلمية الى عدم جدواها في بعض الحالات أو أنها تنتج في أحيان أخرى هطولاً مطرياً لا يتجاوز 10%، لذلك نجد العديد من الدول عزفت عن تطوير هذه التقنية أو استخدامها، إذاً لا يمكن لعملية الاستمطار أن تسبب هطولاً مطرياً شديداً بحجم الذي شهدته الإمارات، خصوصاً إذا ما علمنا أن مركز الأرصاد الجوية في الإمارات تنبأ بالحالة المطرية مما يجعل استخدام تقنية الاستمطار في تلك الظروف الجوية غير مبرر، فما السبب الرئيس في هذه الفيضانات المطرية؟

بالتأكيد، يؤدي التغير المناخي دوراً حاسماً في التأثير على الحالة المناخية في منطقة الخليج العربي، حيث تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة غير مسبوق، حيث يهيئ هذا الارتفاع في درجات الحرارة الظروف المناسبة لتكرار الحوادث المناخية المتطرفة، إذ يزيد عمليات التبخر من البحار المحيطة، وفي الوقت نفسه يعمل على تسخين الهواء، مما يزيد إمكانية حمل الرطوبة بشكل أكبر، ونظراً لوقوع المنطقة الخليجية في الإقليم الجاف وكذلك ندرة الغطاء النباتي، الذي يُعد مسؤولاً عن امتصاص الرطوبة من الجو، فإن هذه العوامل تسهم في حدوث الكوارث المناخية كالتي حدثت في دولة الإمارات، وتأتي هذه الحادثة المناخية الجسيمة بعد استضافة دبي مؤتمر الأطراف (COP28)، ومن المتوقع أن تشهد هذه المنطقة المزيد من الحوادث المناخية المتطرفة في المستقبل، لذا من الضروري اتخاذ خطوات جادة وتكثيف الجهود لمواجهة التغير المناخي، بالإضافة الى بناء القدرات والكوادر اللازمة لمتابعة المستجدات البيئية والمناخية، وينبغي أيضاً رفع الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع بشأن تبعات التغير المناخي وضرورة تهيئة البنى التحتية المناسبة للتعامل مع تأثيراته المحتملة.

* متخصص في علوم الأرض والبيئة

back to top