بين الافتعال السياسي والممارسة البرلمانية الرشيدة

نشر في 01-05-2024
آخر تحديث 30-04-2024 | 20:01
 د. محمد المقاطع

المشهد السياسي العام في البلد مكفهرّ، وتخالطه توجسات عديدة.

فعلى الرغم من أن أساس حلّ مجلس الأمة الأخير (مجلس 2023)، كان، حسبما ورد في مرسوم حلّه، رقم 16 لسنة 2024 «وبناء على ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمُّد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة»، فإن أخذ العبرة وتجنّب ما حدث سابقاً، ليس بوارد «بعض الأعضاء المنتخبين»، وأشدد على «بعض»، لأنّ تلك هي الحقيقة، فأغلبية الأعضاء، ربما يأخذون الأمور برويّة وحكمة وحُسن تصرف، لكن يبقى «البعض» الذي هو مصدر «الافتعال» للخروج على الثوابت الدستورية التي أشار لها مرسوم الحل.

بل إن «البعض» من ذلك «البعض»، بدأ تسخيناً مبكراً لخرق تلك الثوابت الدستورية، في حملته الانتخابية، بل وبعد حصوله على عضوية مجلس الأمة!

فهل يُعقل أن نترك هذا «البعض» يفرض افتعاله السياسي للأحداث، لتكرار مشهد الإرباك وحالة عدم الاستقرار السياسي، تارة بحجة الانفعال السياسي، وتارة بتحدٍّ غير رشيد، وأخرى لتكسّب انتخابي وانتظار تصفيق السذّج من الجماهير!

ومن ثم يحاول هذا «البعض» أن يتهرب من سوء تصرّفه وسوء تقديره، أو يتوقع أن يكون بعيداً عن المساءلة القانونية أو السياسية الطبيعية، أو يحاول الالتحاف بالحصانة البرلمانية، أو يُحدث ضوضاء أوسع ليخلط الأوراق ويتملّص من فعلته تلك!

وهو في جميع الأحوال مخطئ، ولن يسعفه ذلك في المرحلة القادمة، لا قانونياً ولا سياسياً ولا حتى شعبياً، فالنيّة المبيتة، أو جسامة سوء التصرف، أو استجابته لمن له تأثير عليه (متنفذ أو شيخ)، سيضعه أمام فوهة المواجهة لإخلاله بالثوابت الدستورية بتداعياتها وآثارها عليه، وينبغي للعمل البرلماني الجمعي الرشيد، أن يعزل ذلك العضو، ويتخذ بحقه إجراءات المساءلة السياسية والتأديبية وفقاً للائحة الداخلية للمجلس، والتي قد تصل إلى حد إسقاط العضوية، عند الخروج على السلوك البرلماني القويم وانتهاك الثوابت الدستورية، وعلى رأسها المادتان 91 و108 من الدستور، وفقاً للمعطيات اللائحية والقواعد القانونية المستقرة.

وضمن التوجسات الأخرى، مشهد ضعف الحكومة أمام البرلمان، وهو ما يُفضي لفرض مجلس الأمة هيمنته عليها وجعلها تبعاً له، وهذا يقتضي أن يكون رئيس الحكومة قوياً صارماً في تعامله مع المجلس، يرفض تدخُّل الأعضاء في عمل الحكومة، ومحاولة بعضهم أن ينجح في الابتزاز السياسي، ويمنع الأعضاء من دخول الوزارات لتخليص المعاملات، وهذا يتطلب مواجهة ونديَّة من رئيس الحكومة، باستخدام كل الأدوات الدستورية المتاحة أمامه، بطلبات التأجيل للموضوعات، وأحقيّته هو وحكومته في تدوين رأيه بكل مقترح وقبوله أو رفضه، أو طلب سحبه، أو إعادته إلى اللجان، أو عدم حضور الجلسات أو الانسحاب منها، أو التوجه للمحكمة الدستورية، بما في ذلك طلب حلّ المجلس، حتى تكون النديّة والمواجهة وسيلتين للتوازن وتغليب السلوك البرلماني القويم.

ومن التوجسات تكرار الحل، ويجب أن يكون ذلك منطلقاً لمرحلة استقرار ليقوم المجلس بوقف من يتهور من أعضائه بالاستجوابات أو يستخدمها للابتزاز السياسي أو لبطولات برلمانية وهمية وواهية، فتكرار الحل أرهق الدولة ومؤسساتها والشعب من تلاحقه وتسبُّبه في تعطيل مشاريع الدولة ومصالحها ومصالح الناس، ويجب أن تكون قوة الحكومة ومواجهتها الحازمة لأي انحراف أو سلوك برلماني غير قويم هي بديل الحل والأدوات المتاحة كثيرة، ويجب أن تُقرأ رسالة تأجيل انعقاد جلسات مجلس الأمة وفقاً للمادة 106 في هذا السياق.

إن مصلحة البلد العليا لم تعد تمنح الجميع متسعاً من الوقت، لإضاعة الممارسة البرلمانية والحكومية السويّة، وهي مسؤولية على الجميع بلا استثناء، فاستقرار البلد واستقرار الحكومة واستمرار البرلمان من دون حل يحتاج إلى وقفة غير تقليدية وحاسمة من الجميع، آخذين بعين الاعتبار العبرة والحكمة من التوجيهات السامية التي نبهت وشددت على هذا الأمر خمس مرات متوالية منذ 22/ 6/ 2022 وحتى خطاب «العشر الأواخر» في الأول من أبريل الماضي.

لنتجنب جميعاً، خيار «شديد الوقع والأثر» و«تواطؤ السلطتين على الإضرار بالبلد»، وانتشال البلد من تدمير للهوية الوطنية بما لحق الجنسية الكويتية من عبث وتزوير وتدليس يخالف أحكام القوانين كافة.

ألا هل بلّغت؟!

back to top