نظام الشراكة... «دروازة العبد الرزاق» ونظرية الـ(P)

نشر في 30-04-2024
آخر تحديث 28-04-2024 | 18:58
 د. بلال عقل الصنديد

أجمع المتحدثون في مؤتمر عقد أخيراً بهدف تسليط الضوء على واقع نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الكويت، على أن معوقات وتحديات مشاريع الشراكة لا تختلف كثيراً عن تلك التي يعانيها أي مشروع حكومي، مهما كبر أو صغر، وبصرف النظر إن كان تنموياً أم تشغيلياً.

فقد التقى الاقتصاديون مع القانونيين، واتفق الخبراء الكويتيون مع نظرائهم الأجانب على أن ما تطلبته صيانة «دروازة العبد الرزاق» من أخذ ورد، وتراخ وتعقيدات فنية ومالية، لا يختلف كثيراً عن الأجواء التي تحيط بمشاريع الشراكة والمشاريع الحكومية كافة، الأمر الذي ينتهي عادة الى تحميل الميزانية العامة مزيداً من التكلفة وتكبيد المصلحة العامة كثيراً من التأخير، مما يضاعف شعور الإحباط واليأس!

لا شك أن القانون رقم (116) لسنة 2014 الخاص بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص يحتاج لنفضة تشريعية تتصدى لبعض مثالبه وثغراته وتجعله أكثر مرونة وحداثة، بما يشمل إعادة النظر بتعريف مشاريع الشراكة والمبادرات وتوضيح دور كل من هيئة الشراكة والجهات الحكومية المعنية في تحديد مواصفات المشروع المزمع طرحه، وكذلك إعادة النظر في تشكيل ومهام اللجنة العليا التي أنشأها القانون نفسه، إضافة الى أهمية تبسيط إجراءات فتح المظاريف والتأهيل المسبق أو اللاحق، وتيسير قواعد وإجراءات الحوار التنافسي، ناهيك عن أهمية إعطاء مرونة أكثر لعمل الجهاز التنفيذي المسؤول عن دراسة وطرح مشاريع الشراكة بما يخفف عليه من وطأة القيود الرقابية والإجرائية، وتوسيع آليات حل النزاع بالوسائل البديلة والتحكيم... إلخ.

ولكن الأمر لا يقف عند عتبة تعديل نص من هنا أو تشريع من هناك، ذلك لأن المعضلة لا تكمن فقط في النصوص بل في عدم الاستفادة من الدروس، فصحيح أن معظم القوانين التي من المفترض أن تقود التنمية في الكويت وأن تلبي رؤية تحويلها الى مركز مالي وتجاري، صدرت إما كردود أفعال وإما تحت وطأة الشعبوية غير المجدية... وصحيح أن النصوص في بعض الأحيان يساء فهمها وتطبيقها، الا أن الأصح أن هناك سمات عامة للبيئة الاستثمارية والتنموية في الكويت يقتضي التوقف عندها والاستعجال في التصدّي لمعوقاتها.

***

نبدأ من المستوى الأعلى والأعم لنجد أن الكويت تحتاج لتصويب البوصلة الاقتصادية رغم كل الحديث عن تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد له، فلغة التخطيط التنموي- وإن شهدت بعض التطور والتحديث في الآونة الأخيرة- لم تستطع لأسباب عديدة قد تتجاوز مسؤولية المخططين أن تلامس تطلعات الشباب ولا أن تخاطبهم بلغة العصر والابتكار والإبداع.

الأكثر أهمية في هذا الجانب هو التصويب على المعوقات الواضحة في بيئة الأعمال بما يتجلّى في استمرار معاناة المستثمرين وكافة المراجعين من طول الدورة المستندية مع بطء الانتقال الى التعامل الإلكتروني، ناهيك عن تشديد القيود التي تتعارض مع سياسة جذب المستثمرين الأجانب واستقطاب المتخصصين للإقامة في الكويت مع أسرهم، يضاف الى ذلك الذهنية التقليدية التي ما زال يتعامل من خلالها الموظفون مع ملفات المراجعين مهما علا شأنهم أو ارتفعت أهمية ملفاتهم.

ولا يمكن في السياق تجاهل آفة تحكم المصالح المادية والمجاملات الشخصية في آليات اتخاذ القرار ومقاربة الملفات الصغيرة والكبيرة حتى التنموية منها، اضافة الى ندرة الأراضي وارتفاع أثمانها ومقابل الانتفاع بها، وعدم تمكين القطاع الخاص من قيادة المسار التنموي بسبب التعامل معه من بعض الحكوميين والمشرّعين على أنه منافس غير مرغوب فيه!

***ليس من السهولة ولا من الممكن أن نحصر في هذه العجالة كل المعوقات البنيوية التي تؤثر سلباً في نجاح نظام الشراكة- بالتالي كل المشاريع التنموية في الكويت- إلا أنه قد يكون ملائماً أن نوجز مقاربة حلولها من خلال التركيز على ثلاثة أحرف (P) مستوحاة من مصطلح الـ(PPP) الذي يجمع الأحرف الأولى للكلمات الإنكليزية المكونة لعبارة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

فالـ(P) الأولى المستوحاة نشير من خلالها الى التخطيط (Planning) الذي يقتضي به أن ينجح سريعاً في تحديد الهوية الاقتصادية للكويت بما ينعكس إيجاباً على منظومة التنمية في الكويت بما يشمل مشاريع الشراكة... وقد سلف أن دعوت في مقال سابق لي إلى أهمية إعلان الكويت «عاصمة التحول الرقمي»، وذلك لعدة اعتبارات تلخص في سهولة وسرعة تركيز البنية التحتية والبشرية المؤهلة واللازمة لهذا المسار التنموي السريع التحقق والمميز النتائج، فلم يعد المجال مفتوحاً أمام رفاهية تشتيت الجهود وصرف الأموال من غير طائل وتضييع الوقت في مشاريع غير محددة الهوية وغير مجدية النتائج، كما لم يعد المجال ممكناً أن ينحصر التخطيط بشعارات جذابة وخطط ورقية لا تطبق إما عمداً أو تقصيراً.

أما الـ(P) الثانية فهي ترتبط بـعبارة (Process) وتشير الى ضرورة تقليص وتيسير المسار الإجرائي الطويل والمعقد الذي تعانيه مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص كما المشاريع الحكومية كافة... وحسناً فعلت هيئة تشجيع الاستثمار المباشر في محاولة تجاوزها العراقيل المتجذرة في بيئة الأعمال أن قادت «اللجنة الدائمة لتحسين الأعمال وتعزيز التنافسية» لتنجح في عام 2020 بإدخال الكويت ضمن قائمة الـ10 دول الأكثر تحسناً في مؤشر «سهولة ممارسة أنشطة الأعمال» الذي كانت تعدّه مجموعة البنك الدولي وتنشر نتائجه سنوياً، وهذا ما يقتضي سرعة إعادة التجربة بعد توقفها بسبب أزمة كورونا، إضافة الى أهمية استعادة تجربة «مجلس الوكلاء» الذي قاده جهاز متابعة الأداء الحكومي في عام 2014 ونجح من خلال الاجتماعات الدورية التي كان يعقدها وكلاء وقياديو الوزارات والجهات الحكومية- ولاسيما الخدمية منها- في تجاوز كثير من العراقيل التي أعاقت تقدم المشاريع التنموية.

تبقى الـ(P) الأخيرة وهي تشير الى كلمة (Personnel) بما يوجّه التركيز نحو ضرورة تأهيل وإعداد الكوادر البشرية المتعاملة مع بيئة الأعمال ومشاريع التنمية المستدامة في زمن الذكاء الاصطناعي الذي تفوق مقوماته وتحدياته زمن العولمة والانفتاح الاقتصادي، وهذا ما يقود حتماً الى أهمية التصدي للتراجع المقلق في منظومة التعليم وعدم مجاراتها لمتطلبات العصر، كما يقود الى أهمية التأهيل الضروري للموظفين الحكوميين بما يشمل تعزيز ثقافة ومهارات حسن التعامل مع المراجعين والمستثمرين، ويعني أيضاً تكثيف الحملات الدعائية والتوجيهية للمجتمع بشرائحه وطبقاته كافة بهدف تآلفه مع لغة الاستثمار العصرية ومفاهيمها الحديثة والمعقّدة وتصالحه مع متطلبات جذب الاستثمار الأجنبي ذي القيمة المضافة.

* كاتب ومستشار قانوني.

back to top