دراسة قانونية بشأن لائحة الاحتراف رقم 25/ 2022 الصادرة من ‏الهيئة العامة للرياضة (1 - 4)

الاحتراف الرياضي...‏ بين قيود القانون وحوافز الاستثمار

نشر في 29-11-2022
آخر تحديث 28-11-2022 | 22:15
د. بدر العتيبي
د. بدر العتيبي
تنشر «الجريدة»، عبر 4 حلقات، قراءة تحليلية للدكتور بدر العتيبي في قانون رقم 25/ 2022 بشأن لائحة الاحتراف من الهيئة العامة للرياضة، وفيما يلي الحلقة الأولى:
ماذا يعني الاحتراف الرياضي؟

يمكن تبسيط مصطلح الاحتراف بشكل عام بمعنى استغلال النشاط المدني المهني ‏لأهداف ربحية، بما يجعل مهنة الشخص الأساسية التي يعيش من أجورها تعتمد على ‏نشاط غير ربحي بالأساس.‏

فالرياضة بالأساس نشاط بدني هادف للمنافسة أو رفع اللياقة أو الاستشفاء، أو ‏غيرها من الأهداف غير الربحية، لكن إذا تحوَّل النشاط الرياضي بحد ذاته إلى مهنة، ‏يعتمد بموجبه اللاعب في معيشته على راتبه ومكافآته من ممارسة الرياضة، فإن ‏اللاعب هكذا يتحوَّل إلى رياضي محترف.‏

ما أشكال الاحتراف الرياضي؟

يمكن للاحتراف أن يأخذ الأشكال التالية:‏

أولاً: بالنسبة لمدة العقد:‏

• الاحتراف الجزئي: يخصص اللاعب جزءاً من وقته فقط لناديه خلال الموسم الرياضي. ‏

• الاحتراف المنتظم خلال الموسم الرياضي: يلتزم اللاعب بتخصيص وقت كافٍ ‏لممارسة الرياضة بشكل احترافي من دون تجزئة وقته خلال أيام الموسم من ناحية، ‏ومن دون تفرغ كامل من ناحية أخرى.‏

• الاحتراف الكُلي: إذا فرغ وقته كاملاً لممارسة الرياضة مع ناديه.‏

ثانياً: بالنسبة لعدد المحترفين في النادي:‏

• الاحتراف النسبي: يكون جزء من لاعبيه محترفين، والآخرون هواة.‏

• الاحتراف الشامل: لجميع لاعبي هذا النادي.‏

هل يعني الاحتراف تحوُّل الرياضة إلى تجارة؟

لا يعني انتقال الرياضة إلى الاحتراف أن النشاط الرياضي أصبح تجارياً ‏بالضرورة، فالنشاط المهني ممكن أن يكون مدنياً ربحياً، مثل باقي المهن، كالمحاسبة ‏والمحاماة والطب، أو تجارياً، مثل: التوريد والشركات التجارية.‏

إذن النقلة النوعية التي تتحقق للرياضة من طبيعتها الاحترافية، هي تحوُّل ‏الرياضة من هواية إلى مصدر معيشة أساسي، وما يستتبعه من العمل الجدي والمتفرغ ‏على الأداء الرياضي، بهدف الاعتماد على ممارسة الرياضة لتوفير معيشة اللاعب، ‏وهكذا سيتحوَّل القطاع الرياضي إلى قطاع احترافي استثماري.‏

بعدها قد يتحوَّل الاحتراف الرياضي إلى نشاط تجاري، فنرى الأندية الرياضة تأخذ ‏شكل الشركات، مثل نادي بروسيا دورتموند الألماني، الذي أخذ شكل شركة مساهمة ‏عام 2002.‏

وفي هذه النقاط يتلاقى القانون مع الرياضة، والسبب أن المشرِّع هو الذي يحدد ‏طبيعة النشاط الرياضي، وقواعد ممارسته، وتحقيق الربح من خلاله.‏

كيف كانت مسيرة المشرِّع الكويتي مع الاحتراف الرياضي؟



انتقل المشرِّع من الاعتماد شبه الكُلي على قواعد العمل التقليدية في المرسوم ‏بالقانون رقم 42/ 1978، إلى القانون رقم 49/ 2005 الذي أطلق عبره مفهوم ‏‏«الاحتراف الرياضي»، حيث جاء القانون بأحكام رياضية خاصة تراعي طبيعة ‏الاحتراف في هذا المجال.‏

وقد كان من المأمول لهذا القانون أن ينقل القطاع الرياضي في الكويت إلى مستوى ‏الاحتراف العالمي، حتى إن المشرِّع عرف الاحتراف بأنه ممارسة الرياضة كمهنة ‏أو حرفة بصفة منتظمة (مادة 1). ‏

لكن الثغرة القاتلة في قانون 49/ 2005 كانت تتمثل في تعريف عقد الاحتراف الذي ‏أتاح بموجبه التعاقد مع لاعب يمنح جزءاً من وقته فقط للنادي حتى خلال الموسم ‏الرياضي، وأطلق المشرِّع على هذه الحالة «الاحتراف الجزئي».‏

بناءً عليه، عرقل القانون 49/ 2005 مسيرة الاحتراف في الواقع، لأن الانتقال ‏نحو الاحتراف كان يتطلب تخصيص اللاعب كل وقته لممارسة الرياضة، وإلا ‏سيتشتت مجهوده بين عدد من المهن التي تحظى كل منها بجزء من وقته.‏

كما أن عقود الاحتراف الجزئي تكون أقل من حيث التكلفة والأجور على الأندية، ‏الأمر الذي قد يدفع بعض الأندية للتحايل، بغرض استغلال مجهود اللاعبين عبر عقود ‏احتراف جزئي تلزم اللاعب - في حقيقتها الضمنية- بالتفرغ الكامل، وقد يضطر ‏اللاعب للموافقة تحت ضغط ظروفه المعيشية.‏

ما الخطوة التشريعية الاستراتيجية نحو الاحتراف الرياضي؟

كانت فكرة الاحتراف الجزئي في قانون 49/ 2005 أنها الحل الوسط بين ‏الهواية التي تظلم اللاعبين، وبين الاحتراف الذي لا تقدر عليه الأندية مالياً، لكن بعد ‏تطبيق هذا القانون على أرض الواقع ظهرت ثغراته العملية.‏

بناءً عليه، كان على المشرِّع إصدار قانون لعقود الاحتراف الكُلي والشامل -دون ‏أدنى شك- حتى يساهم في إصلاح القطاع الرياضي مالياً.‏

لكن الإشكالية الكبرى كانت في عدم قدرة الأندية على تحمُّل تكلفة الاحتراف بالنظر ‏إلى أن معظمها هي مؤسسات رياضية تدير رأسمال محدود تُدار بمنظومة إدارية ‏تقليدية، وتعتمد بالأساس على مساهمات وتبرعات من بعض كبار أعضاء النادي.‏

لذا، فقد وجد المشرِّع أن الخطوة الاستراتيجية القادمة يجب أن تلغي منهجية ‏الاحتراف الجزئي، لكنها بالمقابل لن تفرض الاحتراف الكُلي لجميع عقود اللاعبين، ‏أي أن معيار الاحتراف في الوقت الراهن -وفق المشرِّع- يجب أن يكون هو الاتفاق ‏بين النادي واللاعب على الهواية أو الاحتراف دون تجزئة وقت اللاعب.‏

من جهة أخرى، فقد صدر القانون رقم 87/ 2017 ملغيا فكرة الاحتراف الجزئي، ‏لكنه في نفس الوقت اعتبر أن النادي هو هيئة رياضية لا تهدف إلى تحقيق الربح ‏بشكل أساسي (مادة 1).‏

بالتالي، فإن المشرِّع في القانون 87/ 2017 لم يسمح بالتحول نحو الاحتراف بمعناه ‏الشامل، لأن النادي حينها سيصبح مشروعاً ربحياً يتعاقد مع لاعبين محترفين فقط. في ‏المقابل، فإن المشرِّع في هذا القانون أتاح تطبيق الاحتراف مع فئة من اللاعبين ‏يتعاقد معهم النادي وفق قدرات ميزانيته.‏

هل تتوافق رؤية قانون الرياضية رقم 87/ 2017 مع الفكر الاستثماري الرياضي؟

إن الاحتراف الرياضي -كفكر استثماري- لا يتوافق مع الهواية على الإطلاق، ‏فالاستثمار في المجال الرياضي يقوم على ركنين أساسيين، هما:‏

• أندية محترفة: وهي التي يتم تشغيلها إدارياً ومالياً لتحقيق الربح، وتقوم بتعاقدات ‏احترافية على أعلى مستوى ممكن من الأداء، حتى تنافس محلياً وعالمياً، الأمر ‏الذي يزيد من جاذبية القطاع الرياضي الاستثماري، فتصبح الأندية محط أنظار ‏المستثمرين، كما نرى اليوم مع الأندية الأوروبية، وبشكل خاص الإنكليزية.‏

• لاعبون محترفون: وهم اللاعبون المتفرغون من حيث الوقت والعمل للنشاط ‏الرياضي على أعلى مستوى تنافسي في الأندية المحترفة، والذين تنص عقودهم ‏على بنود التفرغ والالتزام والأجور العادلة وفق القواعد الرياضية التي تضعها ‏الاتحادات الرياضية العالمية.‏

لكن المشكلة تكمن في أن القانون 87/ 2017 أتاح الاحتراف بشكل نسبي فقط ‏في النادي، بالتالي فإن التحوُّل نحو الفكر الاستثماري الرياضي لم يتم بعد في الكويت، ‏وبقيت الهواية تشكِّل جزءاً أساسياً من نشاط الأندية وفق القانون 87/ 2017.‏

أي أن المشرِّع انتقل إلى منهج الاحتراف، لكن ضمن نشاط فرعي للنادي، وليس ‏ضمن الغرض الأساسي من نشاطه، والذي هو لا يزال إلى اليوم ممارسة الرياضة ‏كهواية دون تحقيق الربح.‏

بالتالي، نستطيع القول إن الرؤية الاستثمارية الرياضية لن يتم تحقيقها بموجب ‏القانون 87/ 2017، لأن هذا القانون قسَّم عقود الأندية إلى قسمين: عقود ‏هواية أساسية، وعقود احتراف فرعي.‏

back to top