خطف مسؤول قواتي يعيد لبنان إلى أجواء الحرب الأهلية

رسائل سياسية مغلّفة بعمليات إجرامية ضد الاعتراض المسيحي على «جبهة غزة»
• دعوات لاعتماد الأمن الذاتي بعد مطالبة جعجع بتطبيق الفدرالية على غرار «حزب الله»

نشر في 09-04-2024
آخر تحديث 08-04-2024 | 20:32
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وقائد الجيش يرافقان الرئيس القبرصي في قصر الحكومة وسط بيروت أمس (أ ف ب)
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وقائد الجيش يرافقان الرئيس القبرصي في قصر الحكومة وسط بيروت أمس (أ ف ب)

ساعات عصيبة عاشها لبنان تذكّر بمشاهد غابرة. إنها لحظات تشبه ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 1975. والمفارقة أن تلك الحرب التي كانت قد بدأت بعمليات خطف، في شهر أبريل، خيّمت أجواؤها على البلاد في الشهر نفسه على خلفية خطف منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان.

عملية خطف غامضة، بعض اللبنانيين شبهها باختطاف الناشط لقمان سليم واغتياله، والبعض الآخر شبهها باغتيال القيادي القواتي في بلدة عين أبل الجنوبية إلياس الحصروني.

وعقب وقوع حادثة الاختطاف تداعى القواتيون إلى مركز القوات اللبنانية في منطقة جبيل، واعتصموا وقرروا قطع الطريق الرئيسي الذي يربط بيروت بالشمال، في تحرك احتجاجي تصعيدي للإفراج عن المخطوف.

وبقيت القوات اللبنانية، التي نزل «رئيسها» على الأرض، ملتزمة الصمت بانتظار تحقيقات الأجهزة الأمنية الرسمية لمعرفة ملابسات الحادثة، إذا كانت سياسية أم شخصية أم لأسباب مالية، خصوصاً أن الرجل المخطوف مسؤول تقني في أحد المصارف، وتأتي عملية الخطف في ظل انقسام لبناني عمودي حول كل الملفات، من الوضع في الجنوب، إلى الواقع السياسي المتأزم، والانقسام القائم حول استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.

وكان كلام مسؤولي القوات خلال اعتصامهم في غاية الوضوح، وهو إعطاء الدولة اللبنانية مهلة لتحرير المخطوف، وفي حال لم تتمكن الأجهزة الرسمية من ذلك، فقد تعالت أصوات تدعو إلى اعتماد مبدأ الأمن الذاتي، واعتبار الدولة غير قادرة على حماية أبنائها. وهذا الكلام، يتلاقى مع طروحات كثيرة تلقى صدى في البيئة المسيحية، حول اللامركزية المالية والإدارية الموسعة، أو اعتماد نظام الفدرالية، خصوصاً أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كان قد اعتبر قبل أيام أن «حزب الله» يطبق الفدرالية في مناطقه، وبالتالي يمكن تطبيقها في مناطق أخرى. ويؤكد القواتيون أن الثقة بالدولة المركزية أصبحت منعدمة، وأنه لا بد من البحث عن نموذج جديد بإدخال تعديلات جوهرية على النظام كي لا يذهب الوضع إلى انفجارات غير محسوبة وغير معروفة المصير.

روايات كثيرة سيقت حول عملية الخطف، لا سيما أن مخابرات الجيش اللبناني قد أوقفت سوريين بتهمة التورط في الواقعة، وأشارت المعلومات إلى أن الرجل خُطف واقتيد إلى منطقة على الحدود اللبنانية ــ السورية من جهة الشمال، ولفتت إلى أن عصابة لبنانية ــ سورية هي التي نظمت ونفذت العملية.

وتقول مصادر القوات اللبنانية إنها لا تريد استباق التحقيقات، ولا الدخول في تفاصيل كيف يمكن لمثل هذه العصابة أن تعمل في وضح النهار بمنطقة جبيل، علماً بأن المنطقة لم تشهد من قبل أي نشاط لعصابات السرقة، وسط تساؤلات عما إذا كانت العملية كلها تتصل بتوصيل رسائل سياسية مغلّفة بعمليات السرقة أو العصابات، خصوصاً في ظل الموقف الاعتراضي لدى القوى ولدى جزء كبير من المسيحيين على انخراط «حزب الله» في الحرب إلى جانب حركة حماس الفلسطينية، كما أن البطريرك الماروني بشارة الراعي قد اتخذ موقفاً في غاية الصراحة والوضوح والحزم اعتراضاً على سلوك الحزب.

عملياً، فإن التداعيات السياسية لحادثة الخطف تجاوزت تفاصيلها، وانتقلت بالبلاد إلى مرحلة جديدة، تتصل باتهام الأجهزة الرسمية ومؤسسات الدولة بالانهيار وعدم القدرة على توفير ظروف حماية المواطنين. لم تعد التداعيات مرتبطة بنتائج ومآلات العملية ومصير المخطوف، بل بوضع لبنان في نفق مظلم على ما يبدو أنه سيكون طويلاً، مع مزيد من التداعي، خصوصاً أنه في ظل المخاوف من تفاقم المشاكل الداخلية، لا يمكن إغفال زيادة حجم التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات واسعة لـ «حزب الله».

back to top