الأساس الدستوري لحق العمل وشغل الوظائف العامة

نشر في 08-04-2024
آخر تحديث 07-04-2024 | 17:05
 د. بلال عقل الصنديد

اعترف الدستور الكويتي بحق العمل كواحد من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المقرّة دولياً والتي من شأنها ضمان مستوى معيشي لائق للأفراد وتحقيق المشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني، وهذا ما يلتقي مع أحكام المادة (23) من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان التي نصت على أن «لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة...».

انطلاقاً من ذلك تسود القناعة بأن الحصول على وظيفة في إحدى الوزارات أو الجهات الحكومية هو حق مكتسب لكل مواطن كويتي، الأمر الذي يسنّده البعض الى أحكام الفقرة الأولى من المادة (41) من الدستور التي تنص على أن «لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه».

وهنا يشرع السؤال عن الإطار الدستوري الشامل والدقيق الذي يحيط بالمسألة، وبخاصة أن كثيراً من المتمسكين بمقولة «إن الوظيفة العامة حق فردي لكل مواطن» يغفلون عن نص المادة (26) من الدستور التي اعتبرت «أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة».

***

يشار بداية الى أن المادة (41) من الدستور تتناول مسألة عامة تشمل العمل كحق من الحقوق الأساسية للإنسان، وهذا لا يعني وفق العبارات الصريحة للمذكرة التفسيرية «حق كل فرد في إلزام الدولة بأن توفر له عملاً وإلا تعرضت للمسؤولية، وذلك لأن التزام الدولة بهذا الخصوص محدود بإمكاناتها، ولذلك قالت العبارة الأخيرة من المادة «وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين» ولم تقل «وتوفر الدولة العمل للمواطنين».

بمعنى أوضح لم تقرر أحكام الدستور الكويتي حقاً شخصياً عينياً لكل مواطن تلتزم بتحقيقه جهات التوظيف في القطاعين العام والخاص، بل فرضت على السلطات واجب «بذل العناية لا تحقيق الغاية» من خلال تهيئة البيئة المناسبة والظروف الملائمة لخفض نسب البطالة وتمكين المواطنين من الحصول على عمل شريف ولائق يتناسب مع مقدرات وطموحات كل منهم.

وهذا ما يلتقي مع اتجاهات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تؤطّر واجبات الدولة تجاه تكريس حق العمل، حيث يقع عليها مسؤولية احترام وكفالة إمكانية إعمال مواطنيها وتوفير فرص العمل لهم، والالتزام بضمان حرية اختيار العمل أو قبوله، وينطوي هذا على واجب عنايتها بتوفير فرص وخيارات مختلفة لكسب الرزق للأفراد الذين لا يتمتعون بهذه الفرصة وألا تعوق الفرص المتاحة لذلك، وأن تلتزم حماية حق الفرد في العمل ومنع الآخرين من التعرض له في هذا الشأن.

المقاصد الرئيسة لأحكام المادة (41) تتبلور- ودائماً وفق منطوق المذكرة التفسيرية- في «ألا تصادر الدولة حرية الفرد في أن يعمل تاجراً مثلا أو صانعاً أو غير ذلك، فهو الذي يختار لنفسه نوع عمله في ميدان النشاط الحر، دون أن يلزم مثلاً بنوع عمل والده أو جده، كما أن هذه الحرية تتعلق بنشاط الأفراد الخاص في المجتمع، ومن ثم لا شأن لها بأعمال الموظف في وظيفته العامة»، وهذا ما يرتبط بنص المادة (42) من الدستور التي تحرّم أي نوع من أنواع السخرة وتحظر إجبار الإنسان على عمل معين ما لم يكن الجبر «في حالة من الحالات الاستثنائية التي يعينها القانون، ولا يكون تقرير هذه الحالات تشريعياً إلا «لضرورة قومية» ويجب في جميع الأحوال أن يكون العمل الجبري «بمقابل عادل»... والا يكون التشريع المقرر للإجبار قانوناً غير دستوري».

***

الواقع أن العمل في كل من القطاعين العام والخاص هو، وحق الملكية وتملك رؤوس الأموال، من المقومات الأساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية، وبمنطوق المادة (16) من الدستور «هي جميعاً حقوق فردية ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون» وهي تشكل في حقيقتها رخصاً قانونية قد لا تتبلور فعلاً على أرض الواقع نتيجة ظروف عامة تفرض على الدولة والمجتمع أو خاصة ترتبط بالفرد نفسه.

وفي السياق أشارت المذكرة التفسيرية للمادة (16) الى أن الانحراف برأس المال عن رسالته الاجتماعية شجبته المادة بأن «جعلت «العمل» ركنا ثالثاً في المجتمع يحد من غلواء رأس المال وتسلطه» وجعلت لكل من هذه الحقوق «وظيفة اجتماعية» يقتضي تنظيمها بما يهدف «الى منع الإضرار بمصلحة المجموع أو إساءة استعمال الحق».

واذا ما أردنا التوسّع في فهم الدلالات الدستورية لكفالة حق العمل واعتبار الوظيفة العامة خدمة وطنية، نتوقف عند نص المادة (20) من الدستور التي أشارت عبارات تفسيرها أن «الملكية ورأس المال والعمل مقومات يتخلف عنها نوعان من النشاط أحدهما خاص، والآخر عام، ولذلك حرصت المادة (20) على توكيد التعاون بين هذين النوعين وحددت هدفه وهو تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، ولقد أضيف إلى المادة وصف هذا التعاون بأنه «العادل» حتى لا يطغى أي من النشاطين المذكورين على الآخر، والعدل هنا أمر تقريبي لا يعني التعادل الحسابي أو المناصفة بينهما، فالمسألة متروكة للمشروع داخل هذا التحديد العام المرن، يقدر في كل مجال مدى تدخل الدولة بما يتفق وحالة البلاد ومقتضيات التوفيق بين الصالح العام ومصالح الأفراد، فيوسع نطاق النشاط العام مثلاً في الأمور ذات الصلة الوثيقة بأمن الدولة أو أسرارها أو الاقتصاد القومي، في حين يوسع على النشاط الحر مثلاً في الأمور التجارية وإشباع الحاجات العامة الجارية...».

***

بخلاصة القراءات الدستورية فإن النص على كفالة حق العمل وحق المواطن بولوج الوظيفة العامة هو تقرير رخصة لا فرض إلزام، وبخاصة اذا ما تراخى هو عن إعداد نفسه لهذا الغرض أو عرقلت الظروف واجب الدولة بتهيئة المناخات الملائمة لخلق الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص وتوسيع مروحة تنوعها.

فلو أراد المشرّع الدستوري الزام الدولة على تأمين وظيفة عامة لكل مواطن لنص بصريح العبارة على هذا الإلزام، وذلك على غرار ما فعله في نص المادة (40) مثلاً حين أعقب إعلان التعليم كحق دستوري للكويتيين بأنه «إلزامي مجاني في مراحله الأولى...» ومن ثم تلزم الدولة بأن تكفله «وفقاً للقانون وفي حدود النظام العام والآداب»، هذا مع الإشارة والتنبيه الى أن كفالة الدولة لحق التعليم مرهونة بصريح عبارات المذكرة التفسيرية للمادة (42) المذكورة «بإمكانيات الدولة ومدى طاقتها».

* كاتب ومستشار قانوني

back to top