على إسرائيل أن تواجه ما تخشاه وهو قيام الدولة الفلسطينية

نشر في 07-04-2024
آخر تحديث 06-04-2024 | 17:55
 الغارديان

كان انهيار جسر فرانسيس سكوت المأسوي في بلطيمور صادما، وقد عبر أبناء المنطقة عن فزعهم من التفكك المباغت لمعلم ألفوه على مدار حياتهم، والنظام الدولي في ما بعد عام 1945 شبيه بعض الشيء بذلك الجسر، فقد كان دائما حاضرا، وباتت سلطته وقواعده وقوته أمورا مفروغا منها، والآن، من المثير للقلق، أن الصرح العالمي بأكمله في حالة سقوط حر إذ يجري التخلص من وسائل الدعم المعتادة.

عميق هو الإحساس بتفكك الأشياء، والتداعيات السلبية حولنا في كل مكان، فميثاق الأمم المتحدة، وهو حجر أساس القانون الدولي، يتعرض للانتهاك بشكل روتيني، وقد وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخيرًا على وقف «فوري» لإطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، فتعرض لتجاهل مهين.

وفي أوكرانيا وميانمار والسودان، تمر جرائم الحرب والإبادة الجماعية المزعومة دونما عقاب ودون رادع، وتبعث روسيا وإيران والهند، من بين دول أخرى، قتلة إلى الخارج للقضاء على المعارضين السياسيين، والحرب السيبرانية غير المعلنة لا حدود لها.

وتصورات القطيعة الدائمة الخارجة عن القانون أصبحت قوية بصفة خاصة في الشرق الأوسط في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر والحرب بين إسرائيل وحماس، وحجم الفظائع مثير للقلق، وكذلك ما قوبلت به من إفلات من العقاب، وأوامر محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة بمنع المجاعة لا تكاد تجد من يبالي بها.

والعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي حجر زاوية في المنطقة، وصلت إلى نقطة الانهيار، فلا يكاد الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتبادلان حديثًا، ويطالب بايدن بإيصال المزيد من المساعدات ووقف التهديدات بالهجوم على رفح حيث يعيش 1.4 مليون فلسطيني خائفين وجياعًا ويطالب بإجراء محادثات ما بعد الحرب بشأن حل الدولتين، نتنياهو، الملقب بـ«عنصر التدمير» الإسرائيلي المؤذي لنفسه، يمنعه عند كل منعطف.

تتزايد الأزمة الداخلية في إسرائيل بشكل وجودي مع تحول نتنياهو وحلفائه المتطرفين المناهضين للديموقراطية وجماعات المستوطنين اليمينية المتطرفة إلى التمرد، ولو أن المنتقدين على حق في أن نتنياهو يطيل أمد الحرب للبقاء في السلطة، فإن ذلك يعني أنه قد يعمد إلى التصعيد في الضفة الغربية ولبنان، وهذا ما يحدث بالفعل، إذا حكمنا من خلال الهجمات الإسرائيلية الأسبوع الماضي.

كان تغيير موقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، عندما سمحت أخيرا بتمرير قرار وقف إطلاق النار في غزة، مشجعا إلى حد ما، ولكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تتخذا أي خطوات لفرضه، وروسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، تفضلان الترويج للسعي إلى السلام والعدالة، والدول العربية نموذج للعجز.

لقد غيرت الولايات المتحدة موقفها متأخرا، ليس لأنها لاحظت فجأة أن أكثر من اثنين وثلاثين ألف شخص، منهم آلاف الأطفال، قد لقوا مصرعهم في غزة أو لأن الغذاء يستخدم كسلاح، فمحامو وزارة الخارجية ينكرون ذلك، بل لأن الضغط الأميركي يتزايد لأن بايدن يفقد الدعم في عام انتخابي ويشعر بالإهانة من نتنياهو، ويشير المعلقون الإسرائيليون إلى أن الصدع قد يكون غير قابل للإصلاح.

وقد كتب عاموس هاريل في صحيفة هآرتس أن «كبار المسؤولين الأميركيين يشكون من عدم فهمهم لما يريده نتنياهو، لكن (ما يريده) واضح تماما، فالنجاة السياسية هي أولويته القصوى، ولو أن استمرار الحرب، حتى وسط الادعاءات المتزايدة بأن إسرائيل تنتهك قوانين الحرب، هو ما سيبقيه في منصبه، فهو على أتم استعداد لإدامتها، وكل الوسائل مشروعة، على ما يبدو، بما فيها المزيد من التأخير في وضع اللمسات النهائية على صفقة الرهائن».

وها هي سياسة بايدن في الشرق الأوسط، سواء تعلقت بالبرنامج النووي الإيراني، أم باستغلال النفوذ الصيني، أم بإحياء إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، أم بالتوصل إلى صفقة كبرى مع المملكة العربية السعودية، أم بمستقبل فلسطين، أصبحت في حالة يرثى لها، وقد يصح قول ذلك نفسه عن بريطانيا، وهي حليف راسخ آخر لإسرائيل، التي باتت- في أيام البؤس هذه التالية للبريكست- تتبع خطى واشنطن في كل شيء تقريبا.

لقد اتخذ ديفيد كاميرون، وزير خارجية المملكة المتحدة ورئيس وزرائها السابق، موقفا أكثر صرامة إزاء استمرار الحرب في غزة، فقد واجه نتنياهو بشأن المساعدات وطرح فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية في عملية سلام مستقبلية، ومضت بريطانيا إلى أبعد من الولايات المتحدة بدعم وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

كل هذا يشكل تناقضا محمودا مع أسلاف كاميرون الكسالى وغير الأكفاء في وزارة الخارجية، من أمثال بوريس جونسون، وليز تروس، ودومينيك راب، غير أن بريطانيا لا تزال تزود إسرائيل بالأسلحة، وفرضت عقوبات على وكالة الأمم المتحدة للإغاثة في غزة، الأونروا، لأسباب واهية، كما أنها بما يفقدها مصداقيتها لن تعلن رسميا أن تصرفات إسرائيل تنتهك القانون الإنساني، فقد يكون كاميرون تجسيدا لتحسن لكنه ليس بالتحسن الجذري.

إن المملكة المتحدة، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودولة من مجموعة السبع، تتحمل نصيبا من المسؤولية عن الانهيار الشامل للقانون والنظام الدوليين، فينبغي على بريطانيا، على سبيل المثال، أن تدفع حلف شمال الأطلسي إلى رد أقوى على التدخل الروسي لأوكرانيا، وينبغي أن تقود الجهود الرامية إلى معاقبة الصين بشأن هونغ كونغ والانتهاكات التي ترتكبها في شينغيانغ والاتفاق على طرق أكثر أمانًا وإنسانية لإدارة الهجرة الدولية.

ويجب على المملكة المتحدة أن تعمل على زيادة المساعدات الخارجية، لا على خفضها، وأن تكون مثالا يحتذى به بخفض ترسانتها من الأسلحة النووية، بما يتفق مع التزاماتها بموجب المعاهدة، وينبغي أن تدين الأنظمة القمعية، وأن تعزز الديموقراطيات في مختلف أنحاء العالم، لا أن تفصل نفسها عن الديموقراطيات المجاورة في أوروبا، وهذا الفصل بطبيعة الحال هو إرث كاميرون البائس الدائم الذي لا يمحى.

وما الذي يمكن إنقاذه من حطام فلسطين بما قد يساعد في تغيير الاتجاهات العالمية العدمية إلى عكس وجهتها؟ إن عدوان نتنياهو الطائش يعزز حماس سياسيا، بدلا من أن يهزمها، فلقد نجح في تحويل الاشمئزاز الحقيقي من فظائعها إلى دعم متزايد للقضية التي يفترض أنهم يتبنونها، ويكرهها هو، أعني قضية الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.

هذه هي الفرصة للأغلبية الفلسطينية المعتدلة، ففي حين أن إسرائيل المنقسمة المصدومة المنبوذة سيئة القيادة تمزق نفسها، وفي حين أن أوراق اعتمادها التاريخية والأيديولوجية والديموقراطية تتمزق إربا، قد يكون أمرا ممكنا أن يعاد تأسيس عملية تفاوض ذات مصداقية هدفها الصريح المعتمد دوليا هو وجود دولتين تتعايشان جنبا إلى جنب، ومن المفارقات أن تكون هذه هي الطريقة المثلى والوحيدة لإنقاذ إسرائيل من نفسها.

وقد تكون أيضا هي الأمل الأمثل لإنقاذ المجتمع الدولي من مزيد من الانحدار إلى الفوضى، فالعالم في حاجة ماسة إلى انتصار، وفي حين أنه من الممكن أن يعاد بناء جسر بلطيمور، فمن سيعيد بناء الثقة العالمية؟

* سيمون تيسدال

back to top