شيل الصخرة

نشر في 04-04-2024 | 17:58
آخر تحديث 04-04-2024 | 17:28
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

انتبهَ رجل لصخرة مرمية في شارع عام، فأوقف سيارته ونزل ليميط الصخرة عن الطريق، ورجل آخر رأى المشهد نفسه في مكان آخر، فقرر أن يجلس في سيارته ويصور هذه اللقطة، ويحول هذا المشهد إلى قضية رأي عام، ويزعج كل العالم بهذه اللقطة، وآخر رأى تقصيراً من أحد الموظفين، فذهب للمدير، وكتب شكوى رسمية بهذا التقصير، وآخر رأى التقصير نفسه، فقرر أن يُنَفّس عن مشاعره السلبية بمقطع فيديو يشتكي فيه من الوزارة بأكملها، ثم نشره للعالم، ورجل آخر رأى سائق شاحنة مخالفاً قواعد السلامة العامة، فاتّصل بسرعة بشرطة المرور وبلّغ عنه، وآخر سجّل تعليقه وأسفه وحوقلته، ثم نشرها

هناك فرق بين إيصال الشكوى إلى الجهة المختصة لأخذ الإجراء اللازم، وبين محاولة تحويل الموضوع إلى قضية عامة، ورميها للمجهول! صحيح أن بعض الحالات قد يأتي تصويرها بنتيجة إيجابية، لكن تعميم هذه الفكرة بذاتها مصيبة.

أعزائي القرّاء، إن في كل بلد مشاكل لا تنتهي، ونحن لسنا بحاجة لمصوري مشاكل من كل الزوايا، ليزيدوا الطين بلة، ويزيدوا البلد همّا فوق همّه، فهل يعقل أن ندعو الناس أن يكونوا مصلحين ونتكاسل نحن عن إماطة صخرة! ولو كان الإصلاح بهذه السهولة لتفوقنا على اليابان بالتعليم والصحة والشوارع، وانتهت المشكلة، ولكن طرق الإصلاح متعبة، ولا يطيقها أغلب البشر، فمن يطيق أن يقتطع جزءا من وقته وجهده لمواجهة المجرمين، أو ملاحقة المختلسين أو محاسبة الفاسدين، إلا ما رحم ربي، «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ».

هل تعلم عزيزي القارئ أن تصوير هذه النوعية من المشاهد ونشرها للعامة يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون في بعض الدول، لأنهم يعلمون أن هذا ليس سبيل الإصلاح، بقدر ما هو انتقاص من صورة البلد والجهات الحكومية.

يقول الإمام الشافعي في أدب النصح:

تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في اِنفِرادي

وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَة

فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ

مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه

إن الإصلاح يا سادة أسمى من ذلك، فهو إرشاد بلا ضرر، ورغبة داخلية في عمل الخير من دون تكسّب أو شهرة أو تعال، وهو مشقّة وبذل للجهد والوقت لا الاكتفاء بتصوير لقطة ورميها على الآخر في الفضاء الواسع، فهل يعقل أن يصل خبر حريق المباركية إلى دول الخليج قبل المطافي؟!

ختاما، أقترح على كل الوزارات فتح منصات رقمية تفاعلية لاستقبال شكاوى المواطنين بالصوت والصورة، مسجلة بالاسم وقابلة للمتابعة، حتى تصل شكوى المواطن في مكانها السليم، بدلا من أن تذهب خارج نطاق التغطية!

back to top