الانتخابات المتعاقبة انعكاس لغياب مشروع الدولة

مخاوف من تحمُّل المالية العامة الضريبة الكبرى مع تفشي «العنصرية» وتراجع البلاد سياسياً واقتصادياً
• رابع انتخابات فيما لا يتجاوز 4 سنوات أمر لم يحدث إلا في الكويت والكيان الإسرائيلي

نشر في 04-04-2024
آخر تحديث 03-04-2024 | 18:39
محمد البغلي
محمد البغلي

تجرى اليوم في الكويت انتخابات مجلس الأمة للفصل التشريعي الـ 18 في وقت باتت العملية الانتخابية أشبه بالعادة المتكررة سنويا نتيجة غياب «مشروع الدولة» الذي تتفق عليه الادارة العامة في البلاد، وتحظى فيه بالقدر السياسي والاجتماعي المطلوب للإصلاح.

وهذه هي رابع انتخابات برلمانية تشهدها البلاد خلال اقل من 4 سنوات بالتوازي مع تشكيل 8 حكومات، وهذه لم تحدث بالعالم الا في الكويت وكيان الاحتلال الاسرائيلي الذي شهد 5 انتخابات خلال 4 سنوات، كما أنها هي الانتخابات رقم 11 منذ عام 2006 وقد تشكلت في نفس هذه الفترة 24 حكومة مما يشير الى تدني وتيرة الاستقرار في السنوات الأربع الأخيرة لينخفض معدل عمر البرلمان من 20 شهرا الى سنة واحدة ومعدل بقاء الحكومات من 9 اشهر الى 6 اشهر، بل ان آخر برنامجين لعمل الحكومة لم يكتب لهما حتى بلوغ فترة الـ 100 يوم الاولى التي عادة ما تمثل تعهدات تنفيذية سهلة او تشريعية متفقاً عليها في صورة لا تليق بالبلاد من ناحية عدم استقرار المشهد السياسي وآثاره على الاقتصاد والادارة الكويتية.

ولتجاوز هذا المشهد المتكرر والذي تتزايد آثاره السلبية على البلاد من المهم ان يكون لدينا مشروع دولة حقيقي يعالج من جهة اخفاقات العقود الماضية كانفلات وهدر المصروفات العامة وتدهور الخدمات كالتعليم والاسكان وغيرهما وتمدد المشروعات الشعبوية من البرلمان الى مجلس الوزراء وبلوغ قضايا الفساد مؤسسات مالية وعسكرية، والعمل على ايجاد معالجات للتضخم تختلف عن الحلول السطحية الحالية الخاصة بالتوزيعات المالية والنقدية وغياب الانجاز حتى بات الأمل تجاوز بعض المشكلات التي لا تليق حتى بأي دولة كإعادة افتتاح «الدروازة» او ايجاد حل لحصى الطرق وتلفها.

ومن جانب آخر فإن المشروع يجب ان يقوم بصياغة نموذج اقتصادي جديد يراهن على تطوير النظام التعليمي بما يناسب متطلبات سوق العمل واعادة تعريف دور القطاع الخاص وتنظيمه بأن تلعب الدولة دور المنظم بين المشغل والعميل، وتشجيع هذا القطاع من خلال طرح الفرص الاستثمارية ليكون ممولا للايرادات العامة ومشغلا للعمالة الوطنية فضلا عن اعادة ترشيق القطاع العام من خلال دمج هيئاته المتشابهة وتقليص الحجم المبالغ فيه من القطاعات، وبالتالي القياديين على مستوى الوكلاء والوكلاء المساعدين، مع العمل على تطوير بيئة اعمال المشروعات الصغيرة ليكون حاضنة لتشغيل الشباب الكويتي بدلا من القطاع العام.

فالكويت اليوم لا تحتاج فقط إلى التمسك بدستورها والحفاظ على مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية واستقلالية كل منها، إنما هي أيضاً بحاجة لأعمق من ذلك، وهو إطلاق مشروع دولة تتعاون فيه مؤسسة الحكم مع سلطات الإدارة في البلاد، لا سيما التشريعية والتنفيذية لمعالجة إخفاقات السنوات الماضية، التي عانت الكويت فيها من جميع الاختلالات وتراجعت قيمتها الاقتصادية بشكل لا يتناسب مع قيمة البلاد فالكويت لا تعاني أزمة وجود أو حدود إنّما تحديات استدامة، ولا أزمة اقتصادية مركّبة في البلاد كضخامة الديون أو الانفجار السكاني أو شح الموارد، بل مجرد سوء إدارة ترتب عليه سنوات من تراكم اختلالات الاقتصاد بكل مظاهرها المالية والبشرية والتنموية.

مشروع الدولة ليس بنية تحتية ضخمة بل جودة في الإدارة البعيدة عن المحاصصة وتنمية للاقتصاد غير الريعي

ان ثمن غياب مشروع الدولة يعني المزيد من الاخفاقات, اقلها عدم الاستقرار في مكونات الادارة العامة كالانتخابات المتكررة او التشكيلات الحكومية المتتالية لكنها لا تقف عند هذا الحد، فضريبة غياب هذا المشروع متصاعدة وتصل الى تمدد الشعبوية ليس إلى المالية المعنية بالزيادات او المنافع المالية فقط انما ايضا تلامس تبني الخطاب العنصري تارة ضد الوافدين ومحاولات تحمليهم مسؤولية نتائج تجارة الاقامات واستغلال البشر وتارة اخرى ضد المواطنين وهو ما طفا على السطح خلال السنوات القليلة الماضية من حديث غير علمي ولا يستند لأي من قواعد النمو السكاني عن وجود ارقام غير دقيقة عن العدد الحقيقي للمواطنين وتحول مثل هذا الموضوع بكل حساسيته الى مجال للصراع في وسائل التواصل الاجتماعي وسط صمت الجهات الرسمية التي تمتلك الارقام الحقيقية!

بعض مشكلات الكويت لا تليق بأي دولة كإعادة افتتاح «الدروازة» او إيجاد حل لحصى الطرق وتلفها

ان مشروع الدولة المطلوب ليس مجرد تنفيذ ميناء مبارك او انشاء مدينة الحرير او تطوير الجزر والمنطقة الشمالية ولا اي مشروع بنية تحتية ضخم في البلاد، فهذه نتائج لمشروع الدولة وليست من عوامل انطلاقه، فالعوامل تحتاج الى افكار ورؤى تستهدف جودة في الإدارة البعيدة عن المحاصصة وتنمية للاقتصاد غير الريعي وتحديد مستهدفات عديدة تربط التعليم بسوق العمل ومعالجة لإخفاقات واختلالات الاقتصاد العميقة كأحادية الايرادات وانفلات المصروفات وشح فرص المبادرة امام الشباب الكويتي... اما غياب مشروع الدولة فسيعني العكس من ذلك تماما فعندها ستتكرر الأزمات وتتوالى الانتخابات وتتزايد المطالب الشعبوية ويتنامى الخطاب العنصري وتفقد الكويت المزيد من قيمتها السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم.

back to top