البلطيق يرى ماكرون بثوب تشرشل

إرسال قوات برية إلى أوكرانيا يحاصر بوتين بـ «غموض استراتيجي»

نشر في 02-04-2024
آخر تحديث 01-04-2024 | 17:28
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون

استعادت فرنسا في الأشهر الأخيرة ثقة دول البلطيق وفنلندا، من خلال دعمها القوي لأوكرانيا، ووجود قواتها في إستونيا ورومانيا. وحظيت التصريحات المفاجئة الأخيرة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بشأن إرسال قوات برية لدعم كييف بترحيب ودعم قويين في المنطقة، حتى أن بعض المسؤولين شبّهوا ماكرون برئيس الوزراء البريطاني البارز تشرشل، إبان الحرب العالمية الثانية.

في هذا السياق، أكدت وزيرة خارجية فنلندا، إلينا فالتونين، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، أن ماكرون كان على حق في إبقاء روسيا تحت الضغط فيما يتعلق بالدعم الغربي لكييف، عندما طرح إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنها أقرت بأنه «ليس الوقت المناسب لإرسال قوات لأوكرانيا، لكن على المدى الطويل لا يمكن أن نستبعد أي شيء».

وتسلّط تصريحات فالتونين، التي رددها قادة ومسؤولون في دول البلطيق، الضوء على التأييد الذي حظي به ماكرون من قبل دول الخطوط الأمامية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد تحذيراته الأخيرة لروسيا، واعتباره أن هزيمة موسكو في أوكرانيا أمر بالغ الأهمية لأمن أوروبا.

ولعقود من الزمن، نظرت دول وسط وشرق أوروبا لفرنسا بقدر كبير من الريبة والشكوك، بسبب تجاهلها المصالح الأمنية للمنطقة في ظل توددها لـ «الكرملين»، لكن ماكرون استنتج أخيرا أن روسيا تشكل تهديدًا وجوديًا للاتحاد الأوروبي ولأمن فرنسا، وفاجأ في فبراير الماضي حلفاءه عندما أعلن استعداده لنشر قوات في أوكرانيا إذا ما اقتربت موسكو من الانتصار في الحرب، داعيا الى استعادة «غموض استراتيجي» تجاه روسيا.

ورغم أن برلين وواشنطن ولندن استبعدت إرسال قوات إلى أوكرانيا، فقد دعت فالتونين إلى إبقاء روسيا في حالة تخمين بشأن ما سيكون أنصار أوكرانيا على استعداد للقيام به. وتساءلت: «لماذا نكشف كل أوراقنا، خاصة أننا لا نعرف إلى أين ستذهب هذه الحرب وماذا سيحدث في المستقبل؟».

من جهتها، رحبت رئيسة وزراء ليتوانيا، إنغريدا سيمونيتي، بمحاولة خلق «غموض استراتيجي»، وقالت: «ما أعجبني في تصريحات ماكرون هو أنه قال في الواقع لماذا يجب أن نفرض على أنفسنا خطوطا حمرا عندما لا يكون لبوتين خطوط حمر؟».

في السياق ذاته، قال وزير خارجية إستونيا، مارجوس تساكنا، إن تدخّل ماكرون «أيقظ زعماء أوروبا قليلا، وبدلا من نشر قوات على الأرض، من الأكثر أمانا إرسال أسلحة وأموال» إلى أوكرانيا، مضيفا أن «ذلك يجعل بوتين يشعر بالقلق بشأن ما يمكن أن تفعله أوروبا بالفعل. إن هذا التفكير خارج الصندوق مفيد».

من جانبه، رحب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في برلمان ليتوانيا، زيجيمانتاس بافيليونيس، بتصريحات ماكرون «الذي يتخذ الخطوة الأكثر حكمة في غياب تفكير تشرشل، إنه يسمعنا، إنه يفهمنا».

وتجتمع فنلندا ودول البلطيق أيضًا حول أفكار فرنسية تقليدية مفادها أن يؤدي الاتحاد الأوروبي دورًا أكبر في المشتريات العسكرية المشتركة والتعاون في مجال صناعة الدفاع، مع تخصيص ميزانية لدعم ذلك. وأشاد ماكرون برئيس وزراء أستونيا، كاجا كالاس، لدعوته الاتحاد الأوروبي لإصدار ديون مشتركة للدفاع. وحتى فنلندا، الدولة المقتصدة التقليدية التي تعارض الاقتراض من الاتحاد الأوروبي، تبدو كأنها تؤيد ذلك، حيث قالت فالتونين «ليس لدينا أي شيء ضد ذلك، إذا قررنا أننا نريد إنفاق 100 مليار يورو بشكل جماعي على تعزيز دفاعنا وإصدار سندات لتمويله، فهذا لا علاقة له بالاقتصاد».

ولكن لا تزال هناك اختلافات كبيرة، حيث تتردد دول البلطيق في تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع على حساب «ناتو»، على الرغم من الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بالحلف في حالة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وشددت فالتونين على أن التعاون في مجال صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون مفتوحا لجميع أعضاء «ناتو»، وليس فقط دول الاتحاد الأوروبي، فيما حذّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في برلمان لاتفيا، ريهاردس كولس، من أن «خطاب الزعماء الأوروبيين بأننا لا نستطيع الاعتماد على الأميركيين يمنح ترامب مزيدا من الذرائع»، ليتمسك بموقفه من «ناتو».

وقال سفير أوروبي لدى دول البلطيق إنه معجب بـ «اللفتة الكبرى» التي قدّمها ماكرون تجاه أوكرانيا، لكنه تساءل عمّا إذا كانت فرنسا تفي دائما بوعودها الخطابية. وقال إنه لدى العديد من المسؤولين في منطقة البلطيق ثقة أكبر في مساهمة ألمانيا المتزايدة في الأمن الإقليمي مقارنة بفرنسا أو بريطانيا.

بدوره، ذكر مسؤول عسكري من منطقة البلطيق أن ماكرون خلق «أول معضلة استراتيجية لروسيا»، لكن تصريحه كان «ضعيفا»، ويبدو أن فرنسا لم تفكر في الخطوات التالية.

وأوضح الباحث الدولي توماس جيرمالا فيشيوس أنه «أمام فرنسا وماكرون جبل يجب عليهما تسلقه فيما يتعلق باستعادة المصداقية. نحن نحب روح ماكرون الجديدة، لكن التعامل مع انعدام الثقة الغريزي تجاه الغرائز الجماعية الفرنسية بشأن روسيا سيستغرق وقتاً».

back to top