إنفاق بلا سقوف... هل نزاهة الانتخابات الرئاسية الأميركية على المحك؟

نظرة فاحصة على تحديات وضوابط تمويل حملات المرشحين ودور المال في العملية الديموقراطية
• «الجريدة•» تشارك في برنامج حول اقتراع نوفمبر ينظمه مركز الصحافة الأجنبية في «الخارجية» الأميركية

نشر في 01-04-2024
آخر تحديث 31-03-2024 | 16:52
No Image Caption
ضمن مجموعة مختارة من وسائل الإعلام الدولية، (نحو 40 وسيلة إعلامية حول العالم)، تشارك «الجريدة»، حصرياً بين وسائل الإعلام الكويتية، في سلسلة محاضرات وإيجازات صحافية حول الانتخابات الرئايسة الأميركية، تستمر حتى الاقتراع في نوفمبر 2024، ينظمها مركز الصحافة الخارجية (FPC)، التابع لوزارة الخارجية الأميركية. في إطار مشاركتها في الحلقة الثانية من هذا البرنامج، والتي حملت عنوان «تمويل الحملات في الانتخابات الأميركية»، تقدم «الجريدة» نظرة فاحصة إلى قلب العالم المعقد لتمويل الانتخابات، والذي يعد جانباً حيوياً من الديموقراطية الأميركية. ويختصر هذا التقرير، جلسة مع د. راي لاراجا أستاذ العلوم السياسية والعميد المشارك لابتكار البرامج في كلية العلوم الاجتماعية والسلوكية بجامعة ماساتشوستس - امهيرست، ويسلط الضوء على تعقيدات تمويل الحملات الانتخابية، ما يوفر فهماً لكيفية تأثير المال على الانتخابات الأميركية.

على عكس العديد من الديموقراطيات الأخرى، لا تفرض الولايات المتحدة قيودا على الإنفاق السياسي، تحت العنوان العريض للتعديل الدستوري الأول الذي يحمي حرية التعبير.

ويشجع غياب الحد الأقصى للإنفاق، المرشحين للرئاسة على جمع مبالغ مالية طائلة، كما يفتح الباب أمام مشاركة مؤثرة للمانحين الأثرياء ومجموعات الضغط في العملية الانتخابية.

وفي الوقت نفسه لا يميل الكثير من الخبراء الى شيطنة هذه الظاهرة بشكل مطلق، معتبرين أن الإنفاق قد يكون وسيلة لتعزيز العملية الديموقراطية والارتقاء بها وزيادة الانخراط العام في العملية السياسية.

ولإظهار الفارق الشاسع في النفقات على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة مقارنة بدول أخرى، قارن د. لاراجا بين فرنسا والولايات المتحدة، حيث أنفق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نحو 47 مليون دولار أميركي للفوز بدورتين انتخابيتين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في 2022، فيما أنفق الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، المرشح الديموقراطي لانتخابات نوفمبر، 25 ضعف هذا المبلغ في الانتخابات التي فاز فيها على منافسه الحالي الجمهوري دونالد ترامب في 2020.

اللاعبون الرئيسيون في التمويل

توفر الحكومة الأميركية تمويلاً عاماً محدود للمؤتمرات الحزبية، لكن المرشحين الرئيسيين يتجنبون هذا التمويل بسبب محدوديته والقيود الصارمة التي ترافقه، ما يجعل المصادر الخاصة للتمويل المهيمنة من خلال التبرعات.

وينبع تمويل الحملات من مصادر متنوعة، مثل الأحزاب السياسية ولجان العمل السياسي (PACs) والمتبرعين الفرديين واللجان المستقلة.

تقوم لجان العمل السياسية (PACs)، وهي كيانات ترعاها الشركات أو النقابات العمالية أو جماعات المناصرة بجمع الأموال وتسليمها مباشرة للسياسيين أو الأحزاب السياسية، وهي تعمل ضمن حدود تقيِّد المبالغ التي يمكن التبرع بها لكل مرشح في دورة انتخابية.

على النقيض، اللجان السياسية الفائقة (Super PACs)، المُسماة كذلك بسبب قدرتها على جمع وصرف مبالغ غير محدودة من الأموال، هي لجان للإنفاق المستقل، وهي لا تمنح الأموال مباشرة للسياسيين أو الأحزاب، بل تنفق الأموال مباشرة في أنشطة مثل الإعلانات لدعم أو معارضة أحد المرشحين، وبالتالي هي غير مُقيدة بالحدود نفسها التي يخضع لها الـ PACs، بشرط عدم التنسيق بينها وبين حملة المرشح.

كذلك، يمكن للأحزاب توفير الدعم المالي للمرشحين وتشغيل الإعلانات نيابة عنهم، بينما يمكن للمتبرعين الفرديين التبرع بمبالغ محدودة مباشرة للمرشحين أو الأحزاب.

وتظهر مصادر تمويل الحملات بأنماط يمكن تمييزها حيث يتلقى الديمقراطيون تقليدياً دعم النقابات والمحامين وصناعة الترفيه، بينما يحصل الجمهوريون غالبًا على دعم من قطاعات النفط والتصنيع والتعدين. وحديثاً تقوم شركات التكنولوجيا الحديثة العملاقة باعتماد التحوط وهي استراتيجية تلجأ إليها الشركات الكبيرة بشكل متزايد، حيث توزع الأموال بين المرشحين الرئيسيين.

رقابة وثغرات

يشير لاراجا إلى أن وجود آليات قوية لتنفيذ القانون، وتدقيقات تجريها لجنة الانتخابات الفدرالية (FEC)، ومتطلبات صارمة للكشف عن المعلومات، هو أمر أساسي لحفظ نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة العامة في العملية الديموقراطية.

تسمح متطلبات الكشف الشامل عن المعلومات لأصحاب المصلحة برصد التبرعات والنفقات، مما يخفف من خطر الأنشطة غير الشرعية. وتتم متابعة أي محاولات للالتفاف على القوانين، مثل استخدام المتبرعين الوهميين، بشكل حاسم للحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية.

إلى جانب ذلك، يشدد لاراجا على دور «الآليات الخارجية» لتنفيذ القانون، منوهاً بالدور الذي تلعبه الصحافة في كشف أي انتهاكات وزيادة الوعي بالانتهاكات المحتملة.

ورغم أن الشفافية تظل أساسية في تشريعات تمويل الحملات الانتخابية، فإن هناك ثغرات تسمح لبعض المنظمات بتجنب الكشف عن متبرعيها. على سبيل المثال يمكن للجمعيات غير الربحية المصنفة كجمعيات رعاية اجتماعية أو تعليمية الحفاظ على السرية إذا بقي إنفاقها السياسي دون مستوى معين، وتثير هذه الثغرة مخاوف بشأن المساءلة وامكانية التأثير غير المعلن في الانتخابات.

من جهة أخرى، تواجه جهود إنفاذ القانون عقبات بسبب الانقسامات الحزبية داخل الهيئات التنظيمية مثل لجنة الانتخابات الفدرالية (FEC).

علاوة على ذلك، تثير المخاوف بشأن تأثير التبرعات على القرارات التشريعية ومدى التزام المرشحين بالولاء للمتبرعين الكبار على حساب المصحلة العامة، الاستفسارات المستمرة والمناقشات، مما يستدعي تدابير الشفافية والمساءلة لحفظ المبادئ الديموقراطية.

أموال أكثر دعم أكبر؟

رداً على سؤال حول دلالات تمكن الرئيس جو بايدن من جمع أموال أكثر بكثير من منافسه دونالد ترامب، وإذا كان ذلك يعني أنه حصل على دعم أكبر، يشير لاراجا إلى أن الرئيس الذي يسعى إلى ولاية ثانية يستطيع البدء في وقت مبّكر في حملته الانتخابية، لأنه حائز بالفعل على دعم حزبه ما يمكنه من جمع أموال أكثر، كما أنه في العادة، يملك المرشح الموجود في المنصب سواء كان رئيسا أو عضواً في الكونغرس قدرة أكبر على جمع التبرعات، خصوصا من قبل المصالح التي يعبّر عنها، وهذا قد يبرر قدرة بايدن على جمع تبرعات كبيرة.

من ناحية أخرى، يلفت لاراجا إلى أن المتاعب القانونية لترامب تثير مخاوف المتبرعين حول الوجهة النهائية لأموالهم، وسط جدال سياسي وقانوني إذا كان باستطاعة الرئيس السابق إنفاق أموال الحملة لتغطية الرسوم القانونية المترتبة عليه.

يوضح لاراجا انه في حين تصح مقولة ان المرشح الذي ينفق أكثر عادة ما يفوز في انتخابات الكونغرس، فإن هذا الأمر أقل صحة في الانتخابات الرئاسية، وفوز ترامب على هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 أوضح مثال على ذلك، حيث انفقت كلينتون أكثر بكثير مما أنفقه ترامب الذي تمكن في نهاية المطاف من الفوز، ويعود ذلك إلى أن التركيز يتمحور في مرحلة ما على المرشحين وعندها يصبح الإنفاق غير فعّال. ويعبر الباحثان في تمويل الحملات مايكل مالبين وبريندان غلافين عن هذه المفارقة كالتالي: «إذا كان الناخبون غير معجبين بما يسمعونه من أحد المرشحين، فإن تكرار تلك الرسائل (عبر الاعلانات مثلا) لن يجعلهم يغيرون رأيهم».

التأثير الأجنبي

أثناء الجلسة، تم طرح مخاوف بشأن إمكانية مشاركة الأجانب في الحملات الانتخابية، خصوصا في ضوء حادثة سابقة تتعلق بمشاركة مواطنين روس في تمويل حملة برلمانية.

قدم الدكتور راي لا راجا نظرة على التدابير المتخذة لمنع مثل هذه الحوادث، وأقر في الوقت نفسه بإمكانية دخول الأموال الأجنبية إلى النظام من خلال قنوات معينة، مثل المجموعات المالية المظلمة، لكنه شدد على الآثار السياسية السلبية التي ستضر بأي مرشح يتلقى تبرعات مثل هذا النوع مبرزاً المخاطر والعقوبات الكبيرة المرتبطة بهذا النوع من الانتهاكات. ولفت إلى الدور الحيوي الذي تلعبه وزارة العدل التي تمتلك سلطات تحقيق أكبر من لجنة الانتخابات الفدرالية في التحقيق وملاحقة القضايا المتعلقة بالتدخل الأجنبي في الانتخابات.

تحديات الإصلاح

على الرغم من الرفض الواسع النطاق للإنفاق المفرط على الحملات الانتخابية بين الناخبين الأميركيين، فإن الجهود الرامية إلى تفعيل إصلاحات ذات معنى تواجه حواجز قانونية وأيديولوجية، مما يسلط الضوء على التوتر بين المشاعر الشعبية والتفسيرات الدستورية. ويسعى صناع السياسات ذوو التوجهات الإصلاحية إلى معالجة تأثير الأموال الكبيرة في السياسة من خلال مبادرات تعزز التمويل العام وتحفيز التبرع بمبالغ صغيرة جدا. مع ذلك، فإن الهيمنة المستمرة للمانحين الأثرياء وجماعات المصالح تسلط الضوء على التحديات الهائلة الكامنة في تحقيق إصلاح شامل لتمويل الحملات الانتخابية.

دروس دولية

يمكن للبلدان التي تعاني تحديات مماثلة، استخلاص دروس قيمة من التجربة الأميركية في تنظيم تمويل الحملات مثل التشديد على أهمية تطبيق القانون بصرامة، والكشف الشفاف، والرقابة النشطة التي يمكن أن تساعد في التخفيف من خطر الأنشطة غير الشرعية وتعزيز الحوكمة الديموقراطية. وفر عرض لا راجا نظرة حيوية على التحديات والضمانات المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية، وعلى التوازن المعقد في النظام الانتخابي الأميركي، وبينما يلعب الإنفاق دوراً مهماً، فإن تأثيره يختلف في سياقات انتخابية مختلفة.

back to top