على غرب «الأوروبي» أن ينصت إلى شرقه في أمر أوكرانيا

نشر في 30-03-2024 | 17:12
آخر تحديث 30-03-2024 | 18:08
 آسيا تايمز

من النادر أن تتصدر كلمات مسؤولي الحكومة الليتوانية عناوين الأخبار خارج بلدهم، فآراء ليتوانيا لا تشكل أولوية قصوى حتى لدى حلفائها، ولكن ربما حان الوقت لأن يتغير ذلك، فعلى غرب الاتحاد الأوروبي أن يستمع إلى الشرق في ما يتعلق بأوكرانيا.

إننا لا نفتقر إلى القدرة، إنما نفتقر إلى الإرادة السياسية والإلحاح اللازم لدعم أوكرانيا والحفاظ على أمننا الجماعي، ومن ناحية أخرى، فإن روسيا لديها الإرادة لتدمير أوكرانيا وإعادة تأسيس الإمبراطورية الروسية، فمتى سنبدأ باستخدام قدرتنا على ردع ذلك؟

ليتوانيا بلد صغير يبلغ عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة فقط، لذلك قد لا نتوقع منها أن تقود رد أوروبا على العدوان الروسي، ومع ذلك فإن الاحتلال السوفياتي لليتوانيا، المشبع بالاضطهاد والقمع ونظام الحكم الشمولي، مفهوم بعمق حتى بالنسبة للأجيال الشابة.

وقد يبدو من المنطق السليم إعطاء ثقل لوجهات نظر ليتوانيا وجيرانها يفوق ثقل وجهات نظر الدول الأخرى، فلماذا لا يحدث هذا؟

لقد توقع فيتوتاس لاندسبيرغيس، الذي كان في السابق أول رئيس لبرلمان البلد بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، وقوع هذه الحرب منذ عام 2008، ففي مقابلة أجراها موقع إخباري أوروبي على الإنترنت حول «الوضع في جورجيا»، أجاب بصراحة قائلا: «إنه ليس الوضع في جورجيا فقط، وإنما الوضع سيئ للغاية في أوروبا، وسيئ للغاية بالنسبة لمستقبل أوروبا، ويَعِدُ كثيرا بالمزيد والمزيد من السوء، فمن التالي بعد جورجيا؟ القادمة هي أوكرانيا».

يتناقض هذا الرأي تناقضًا صارخًا مع ما أجمع عليه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت عندما أعربوا عن «قلقهم البالغ» بشأن الحرب، فقد انتقدوا رد فعل روسيا غير المتناسب، لكنهم ضغطوا على جورجيا للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار المكون من ست نقاط، والذي سمح في الأساس «لقوات الأمن» الروسية بتنفيذ «إجراءات أمنية إضافية». وقد أدت اتفاقية وقف إطلاق النار إلى احتلال روسيا لـ20% من أراضي جورجيا، وهو الاحتلال المستمر حتى يومنا هذا، وفي عام 2014، عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وافقت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى على عقوبات معينة، لكنها استمرت طوال الوقت في إقامة شراكاتها في مجال الطاقة مع المعتدي، وبدلا من ذلك، قامت ليتوانيا ببناء محطتها الخاصة للغاز الطبيعي المسال، وأطلقت عليها اسم «الاستقلال»، بما سمح لها بالتوقف عن الاعتماد على الغاز الروسي.

في عام 2015، عندما كانت دول الاتحاد الأوروبي حذرة بشأن إعلان الاتحاد الروسي معتديا في منطقتي لوهانسك ودونيتسك في أوكرانيا، صرح سفير ليتوانيا لدى الأمم المتحدة بوضوح قائلا: «إن روسيا طرف مباشر في هذا الصراع وتتحمل المسؤولية الأساسية في الصراع الذي يمزق لحم أوكرانيا».

كيفية الرد على روسيا؟

بحلول عام 2022، كانت روسيا قد شنت هجوما واسع النطاق على أوكرانيا، فجاءت كلمات الدعم من كل اتجاه، لكن الدعم الملموس كان أقل توافرا، خلال الأيام الأولى من الحرب، رفضت ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بل منعت إستونيا من إرسال أسلحتها المدفعية القديمة من طراز هاوتزر.

وفي الوقت نفسه، دقت ليتوانيا، إلى جانب لاتفيا وإستونيا وبولندا، ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يشكله الوضع على بقية المنطقة، ودعت أوروبا إلى دعم أوكرانيا «بكل الوسائل المتاحة»، ويرى كثيرون في المنطقة أن أوروبا يجب أن تلتزم بشكل لا لبس فيه بمساعدة أوكرانيا على كسب الحرب. وحتى وقت قريب، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه يقترح أن أوكرانيا يجب أن تتنازل عن بعض سيادتها لتلبية مطالب بوتين، فقوبلت مثل هذه التعليقات ببرود في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، وعندما غيَّر ماكرون استراتيجيته ليقول إنه لا يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا، واجه ردود فعل عنيفة من عدة عواصم أوروبية، لكنه وجد حليفا في ليتوانيا.

ترسيخ المركزية الغربية:

يسلط هذا المنظور التاريخي الضوء على الاختلاف الصارخ في الرأي بين دول مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبولندا وجمهورية التشيك مقارنة بدول أوروبا الغربية مثل فرنسا أو ألمانيا، ويشير هذا إلى أن ظاهرة «المركزية الغربية» لا تزال سائدة في الاتحاد الأوروبي.

فلم يتم اختيار مرشحين من أوروبا الشرقية قط لتولي أدوار حاسمة مثل منصب الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، على سبيل المثال، بل إنهم في واقع الأمر يتعرضون للتشويه، ومن ذلك ما فعله نائب رئيس المفوضية الأوروبية السابق فرانس تيمرمانز ومسؤول واحد على الأقل في المفوضية بشكل غير رسمي.

لا تزال أوروبا الغربية تنظر إلى أوروبا الشرقية ودول البلطيق فلا ترى فيها شركاء مساوين، ونتيجة لهذا فإن الاتحاد الأوروبي- الخاضع لهيمنة الغرب- لا ينظر إلى روسيا باعتبارها تهديدا مباشرا للأمن الأوروبي. وفي بادرة إيجابية للاعتراف، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطابها السنوي عن حالة الاتحاد في عام 2022 قائلة: «كان ينبغي علينا أن نستمع إلى أصوات داخل اتحادنا، أتت من بولندا ومنطقة البلطيق وجميع أنحاء وسط وشرق أوروبا»، ولابد أن تشكل لحظة الاعتراف العابرة هذه أساسا لمناقشة ذات مغزى أكبر حول من يتخذ القرار في الاتحاد الأوروبي وعلى أي أساس.

* فيكتوريا لابا

* محاضرة في معهد صنع السياسات الأوروبية بجامعة بوكوني

back to top