صمت السودان الذي لا يغتفر

نشر في 25-03-2024
آخر تحديث 24-03-2024 | 17:35
 نيويورك تايمز في سبتمبر الماضي، عندما زرت مستشفى مؤقتا في أدريه بتشاد، حيث كان اللاجئون السودانيون الصغار يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد، لم أسمع شيئا غير هذا: صمتا غريبا.

كنت قد حاولت تأهيل نفسي لبكاء الأطفال ممن يعانون المرض والهزال، لكن أولئك المرضى كان قد تمكن منهم الضعف، فلم يقووا حتى على البكاء، وفي ذلك اليوم، رأيت طفلا يبلغ من العمر ستة أشهر، وحجمه هو حجم طفل حديث الولادة، وطفلا كاحلاه متورمان، وجسمه مليء بالتقرحات، من جراء سوء التغذية الحاد... كانت المشاهد سواء من وجهين، فهي مريعة مستحدثة، ومأساوية مألوفة.

كنت قبل عشرين عاما قد زرت المدينة نفسها والتقيت بلاجئين سودانيين فروا من العنف في دارفور، حيث نفذ الجنجويد، بدعم من نظام عمر البشير، حملة إبادة جماعية شملت القتل الجماعي والاغتصاب والنهب.

واليوم، حولت الحرب الأهلية السودان مرة أخرى إلى جحيم لا يطاق، ولكن حتى بعد أن أعلنت جماعات الإغاثة أن الأزمة الإنسانية في البلد من أسوأ الأزمات في العالم، لم يلق الشعب السوداني غير القليل من الاهتمام أو المساعدة.

وإنني أضغط منذ ما يقرب من عام على مجلس الأمن في الأمم المتحدة لكي يجهر بالحديث، وأخيرا في الثامن من مارس دعا المجلس إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، وهذه خطوة إيجابية إلى الأمام، ولكنها ليست حتى بالقريبة من الكافية، وهي لا تغير حقيقة الصمت إلى حد كبير من المجتمع الدولي ومن وسائل الإعلام.

يجب أن ينتهي صمت العالم وتقاعسه، ويجب أن ينتهي الآن، وأول ما يجب أن يحدث هو أن علينا أن نزيد الدعم الإنساني للفئات الأكثر ضعفا في السودان، إذ يواجه ثمانية عشر مليون سوداني الجوع الحاد، والمجاعة بادية في الأفق، واضطر ما يقرب من ثمانية ملايين شخص على ترك منازلهم في ما أصبح أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، وانتشرت الحصبة والكوليرا وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

منذ بداية هذا الصراع، وعاملو المجال الإنساني موجودون على الأرض، وغالبا ما يعرضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ الآخرين، ولكن المقاتلين من كلا جانبي الحرب يتعمدون تقويض جهودهم، إذ أعاقت القوات المسلحة السودانية عبور المساعدات الإنسانية الرئيسة من تشاد إلى دارفور، وقام أعضاء قوات الدعم السريع المنافسة بنهب مستودعات المساعدات الإنسانية.

يجب على القادة الإقليميين والعالميين أن يطالبوا الأطراف المتحاربة بشكل معلن ولا لبس فيه باحترام القانون الإنساني الدولي وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وإذا لم يصغ الأطراف، فيجب على مجلس الأمن أن يتخذ إجراءات سريعة لضمان تسليم وتوزيع المساعدات المنقذة للحياة، ويجب أن ينظر المجلس في كل الأدوات المتاحة له، ومنها التفويض بالتحرك من تشاد وجنوب السودان إلى السودان، كما فعلت الأمم المتحدة مع تدفقات المساعدات عبر الحدود إلى سورية، والولايات المتحدة مهيأة للمساعدة في قيادة هذه المبادرة.

ونعتقد أيضا أنه ينبغي للأمم المتحدة تعيين مسؤول إنساني رفيع المستوى خارج السودان للدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية، وتوسيع نطاق جهود الإغاثة، وحشد الجهات المانحة الدولية، ولقد حذر برنامج الغذاء العالمي من أنه ما لم تصل تمويلات جديدة فإنه سيضطر إلى قطع المساعدات الغذائية عن مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين في تشاد في وقت مبكر من الشهر المقبل، ولم يلق النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة من أجل السودان غير استجابة ضئيلة، وهذا غير مقبول، والولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة منفردة في كلا المسعيين، والآن يجب أن تتقدم دول أخرى، ولا بد أن يطالب المجتمع الدولي أيضا بحماية المدنيين وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب.

في تقرير قانون إيلي ويزل لعام 2023، نبهت إدارة بايدن إلى استمرار التقارير عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في السودان، وفي ديسمبر، قطع وزير الخارجية أنطوني بلينكن أن المقاتلين من كلا الجانبين قد ارتكبوا جرائم حرب، وأن أفرادا من قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا.



عندما زرت الحدود السودانية في العام الماضي، أعلنت عن عقوبات أميركية على قادة الميليشيات الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، منها عنف جنسي مرتبط بالنزاع وقتل على أساس عرقي، ومنذ ذلك الحين، أصدرنا عدة دفعات أخرى من العقوبات المستهدفة.

علينا أن نكسر دائرة الإفلات من العقاب، وعلينا أن نطالب بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي تجري أمام أعيننا، وهي فظائع موثقة بتفاصيل مروعة في تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة، فقد تبين لمحققين أن النساء والفتيات، وبعضهن لا يتجاوز عمرهن أربعة عشر عاما، تعرضن للاغتصاب الوحشي على أيدي رجال من قوات الدعم السريع، وأن قناصة المجموعة استهدفوا المدنيين بشكل عشوائي، وأن قرى بأكملها تعرضت للإحراق وذبح السكان، فضلا عن فظائع أخرى، وفي أواخر العام الماضي، بحسب التقرير، تعرض أكثر من ألف من المساليت والأقليات غير العربية للذبح في قرية أرداماتا بغرب دارفور.

علينا أن نقف جميعا داعمين للتحقيق المستمر الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في دعاوى جرائم الحرب في المنطقة، وداعمين أيضا لجهود التوثيق المحلية والدولية ومبادرات المساءلة الأخرى.

وعلينا أخيرا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف القتال وإعادة السودان إلى طريق الديموقراطية، وفي الوقت الراهن، تقوم بضع قوى إقليمية بإرسال الأسلحة إلى السودان، وهذا الدعم الخارجي يعمل على إطالة أمد الصراع وتمكين ارتكاب الفظائع التي تحدث في جميع أنحاء غرب دارفور، ومنها مجازر تذكِّرنا بالإبادة الجماعية عام 2004، وقد أوضح مجلس الأمن أن عمليات نقل الأسلحة غير الشرعية هذه تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة وأنها يجب أن تتوقف.

لن يتم حل هذا الصراع في ساحة المعركة، ولكن سيتم حله على طاولة المفاوضات، فعلى أصحاب النفوذ، وخاصة الاتحاد الإفريقي وزعماء شرق إفريقيا والخليج العربي، أن يدفعوا الأطراف المتحاربة نحو السلام.

وسوف تواصل إدارة بايدن دعم هذه الجهود الدبلوماسية، ففي الشهر الماضي فقط، قام الوزير بلينكن بتعيين توم بيرييلو، صاحب الخبرة الكبيرة بالمنطقة، مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى السودان.

وتعمل الولايات المتحدة على توحيد اللاعبين المعنيين حول هدف مشترك متمثل في منع تفكك السودان الذي من شأنه أن يغذي الاضطراب في عموم أنحاء منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، كما نعمل أيضا مع القادة الشعبيين الشجعان من أجل بناء زخم نحو مستقبل أفضل، يستطيع فيه الشعب السوداني تحقيق تطلعاته إلى حكومة مدنية منتخبة ديموقراطيا.

على الرغم من ضجيج إطلاق النار والقصف، فقد سمع شعب السودان صمتنا، وإنهم ليسألوننا لماذا تخلينا عنهم، ولماذا نسيناهم؟ يجب على المجتمع الدولي، بعد طول انتظار، أن يجهر بالحديث وأن يعمل مجتمعا على إنهاء هذا الصراع الذي لا معنى له.

* ليندا توماس غرينفيلد

* سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

«نيويورك تايمز»

back to top