عمر الحريري... نجم لا ينطفئ بريقه
النجم المحبوب يلتقي سعاد حسني في «غصن الزيتون»
شارك الحريري في العديد من الأفلام المقتبسة، لاسيما في فترة الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، وكان العديد من كُتاب السيناريو والمخرجين يلجأون إلى النص الأجنبي، ويحاولون تمصيره، لكن بعضهم سقط في التغريب، وباتت أعمالهم بعيدة عن خصائص المجتمع المصري، وأنقذها براعة الإخراج والأداء المتميز للحريري وزملائه من الفشل الجماهيري، وظهر ذلك جلياً في الفيلم الرومانسي الاجتماعي «وفاء للأبد» (1962)، المأخوذ عن فيلم «الانتصار اللامع» لمارك روبوت عام 1936، وقام بتمصيره محمود صبحي، وأخرجه أحمد ضياء الدين، وشارك عمر الحريري في بطولته مع مجموعة كبيرة من النجوم، منهم: عماد حمدي، ومديحة يسري، وسهير البابلي، وزينب صدقي، ومحمد رضا.
التلميذ والأستاذ
والتقى الحريري الفنان الكبير يوسف وهبي، مؤلف ومخرج وبطل فيلم «الخيانة العظمى»، وشاركهما في البطولة: فيفي يوسف، وفؤاد شفيق، وحسن البارودي، ودارت أحداثه حول «مصطفى أفندي» أب لثلاثة أبناء، كل ما يملكه في الحياة هو ورشته مع شريكه شعبان، لكن الورشة تتعرَّض لمشكلات شديدة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ويظهر «شارل» الذي يعرض على مصطفى أن يشتري منه الورشة مقابل مبلغ بسيط، وبعد إتمام الصفقة تنقلب حياته رأساً على عقب، ويتهدد استقرار أسرته.
سافر إلى ليبيا لمدة سبع سنوات بعد نكسة 1967
وبعد غياب لفترة طويلة، ظهرت صورة الحريري على ملصق «الخيانة العظمى» كبطل رئيس مع يوسف وهبي، ويدل ذلك على اقتناع الأستاذ بموهبة تلميذه، وأنه جدير بأدوار البطولة أسوة بنجوم جيله، وعُرض الفيلم في 10 سبتمبر 1962، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
وفي العام ذاته، ظهرت صورة الحريري على ملصق «غصن الزيتون» مع السندريلا سعاد حسني وأحمد مظهر، والفيلم إخراج السيد بدير، وشارك في بطولته عبدالمنعم إبراهيم وعبدالوارث عسر، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي حول المشكلات الزوجية.
الخائنة والجبل
بدت فترة الستينيات مواتية لانطلاقة مغايرة للحريري، وظهرت صورته كبطل رئيس في ملصقات أفلام عدة، منها «عريس لأختي» (1963)، قصة إحسان عبدالقدوس، وإخراج أحمد ضياء الدين، وشاركه البطولة كمال الشناوي، ومريم فخرالدين، وزيزي البدراوي، وعبدالمنعم إبراهيم، ونوال أبوالفتوح.
وفي العام نفسه، دخل تجربتين مهمتين في مشواره الفني، حين أسند إليه المخرج يوسف شاهين دور ملك فرنسا «فيليب أغسطس» في فيلم «الناصر صلاح الدين»، واحتل هذا الشريط السينمائي المرتبة الحادية عشرة في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وحلَّق الحريري في فضاء السينما العالمية، حين شارك عام 1965 في فيلم «عملية إبادة» مع المخرج الإيطالي أمبرتو ليزي، وفي العام ذاته شارك في فيلم «الخائنة»، تأليف إبراهيم الورداني، وإخراج كمال الشيخ، وبطولة: نادية لطفي، ومحمود مرسي، وحسين رياض، وعادل أدهم، ويوسف شعبان، ونادية الجندي.
وجسَّد الحريري شخصية «المهندس فتحي» في فيلم «الجبل»، قصة فتحي غانم، وإخراج خليل شوقي، وبطولة: سميرة أحمد، وصلاح قابيل، وليلى فوزي، وماجدة الخطيب، والضيف أحمد، وزوزو ماضي، وقد عُرض الفيلم لأول مرة في 24 مارس 1965.
وشهدت كواليس الفيلم العديد من المواقف المثيرة، حين ذهب الحريري مع زملائه والكاتب فتحي غانم والمخرج خليل شوقي لمعاينة موقع التصوير في إحدى مناطق مدينة الأقصر (أقصى جنوب مصر)، ومعايشة أبطال القصة الحقيقيين، واستغرق العمل تسعة أشهر، وأصيب المخرج بشلل نصفي، لكنه أخفى الأمر عن العاملين بالفيلم، وتعلل بأنه أصيب بوعكة بسيطة، وأكمل التصوير، ثم عادوا إلى القاهرة.
«محقق المذنبون» دور استثنائي مع حسين فهمي وسهير رمزي
ويحتل «الجبل» المركز 94 في قائمة أفضل مئة فيلم في ذاكرة السينما المصرية، وفق استفتاء النقاد، ورشحه الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول للمشاركة في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1965.
ويدور الفيلم حول مهندس شاب يحاول إقناع أهل بلدته من سكان الجبل ببناء مساكن لهم بدلاً من حياتهم داخل مغارات الجبال وتعرضهم للخطر الدائم، لكن العُمدة يحاربه ومن خلفه اﻷهالي، رافضين التخلي عن تقاليدهم.
رجل وامرأتان
تراجع الإنتاج السينمائي عام 1966، وتزامن مع انطلاق نذير الحرب بين مصر وإسرائيل، وفي ذلك العام قدَّم الحريري فيلماً واحداً هو «رجل وامرأتان»، وجسَّد فيه شخصية «دكتور التوليد» أمام يحيى شاهين، وهند رستم، وسميحة أيوب، وإخراج نجدي حافظ، وتدور أحداثه حول مهندس مشهور تتبدَّل حياته مع زوجته، بعد عودته من رحلة عمل.
وأسدل «المخربون» الستار على مسيرة الحريري السينمائية في الستينيات، والفيلم إخراج كمال الشيخ، وشارك في بطولته: لبنى عبدالعزيز، وأحمد مظهر، وليلى فوزي، ورشوان توفيق، وحسين الشربيني، ويدور حول سقوط بناية حديثة، وتورط المقاول في جريمة التلاعب في مواد البناء، وتبدأ الشرطة في التحقيق مع المتهمين، وعُرض الفيلم في 3 أبريل 1967.
المسرح الحديث
بدأ الفنان عمر الحريري رحلته مع المسرح، عقب تخرجه في المعهد العالي للتمثيل، وكان شاهداً على ازدهار الحركة المسرحية لأكثر من 60 عاماً، منذ التحاقه بالفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى عام 1948، وكان عُمره وقتها 22 عاماً، ووقف على خشبة مسرح الأزبكية بالقاهرة، وسط عمالقة التمثيل المسرحي: أمينة رزق، وحسين رياض، ودولت أبيض، وأحمد علام، وعبدالعزيز خليل.
وفي عام 1950، صدر قرار بإنشاء فرقة المسرح الحديث، وقدَّمت الكثير من العروض الناجحة، وكانت تضم 14 ممثلاً وممثلة من جيل الشباب، منهم: الحريري، وشكري سرحان، ونعيمة وصفي، وملك الجمل، وعبدالرحيم الزرقاني، وسعيد أبوبكر، وعدلي كاسب، وعبدالمنعم إبرهيم، ونور الدمرداش، ومحمود عزمي، ومحمد السبع.
«الخيانة العظمى» ظهور سينمائي مميز مع أستاذه يوسف وهبي
وفي عام 1943، انضمت الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى إلى فرقة «المسرح المصري الحديث» بعنوان «الفرقة المصرية الحديثة». وفي عام 1959 أُنشئت مؤسسة فنون المسرح والموسيقى، وتألفت من عدة فرق، منها فرقة «المسرح القومي»، التي ضمَّت أعضاء «الفرقة المصرية الحديثة».
ورغم الرصيد المسرحي الهائل للفنان عمر الحريري، الذي تجاوز 200 مسرحية، لا يعرف الجمهور سوى مسرحيتين فقط، هما: «شاهد ماشفش حاجة»، و«الواد سيد الشغال» مع نجم الكوميديا الزعيم عادل إمام، وحقق العملان نجاحاً كبيراً، واستمر عرضهما لعدة مواسم، ولا تزال القنوات التلفزيونية تعرضهما حتى اليوم.
وهناك عروض كثيرة قدَّمها الحريري للمسرح قبل إنشاء التلفزيون، وتمثل أكثر من نصف رصيده المسرحي، وتراوحت بين التراجيديا والكوميديا، منها المسرحيتان الشعريتان «قيس وليلى» و«مجنون ليلى»، ومن المسرح العالمي «مدرسة الإشاعات»، و«بيت من زجاج»، و«الجريمة والعقاب»، و«الحيوانات الزجاجية»، و«الثعابين».
بطل «الجبل» يخوض تجربة مثيرة تنتهي بإصابة المخرج بالشلل
ومنذ منتصف الخمسينيات، تراجع الرصيد المسرحي للحريري، لانشغاله بالسينما، وقدَّم نحو 20 مسرحية، منها: «تعيش وتاخد غيرها» (1962)، و«يا مين يخلصني» (1965)، و«الشبعانين» (1966)، و«مصرع كليوباترا» (1968)، و«لعبة اسمها الحُب» (1974)، و«زيارة بلا موعد» (1982)، و«إنهم يقتلون الحمير» (1984)، و«منوَّر يا باشا»، و«المنولوجست» (1993)، و«في عز الظهر» (2003)، و«ليالي الأزبكية» (2007)، و«زكي في الوزارة»، و«سُكّر هانم» (2010)، وآخر مسرحياته «حديقة الأذكياء» في عام 2011.
السفر إلى ليبيا
خاض الحريري تجربة فنية فارقة، حين عمل أستاذاً للإلقاء ومديراً للمسرح الشعبي في ليبيا، بعد سفره من مصر لمدة سبع سنوات بعد عام 1967، وتتلمذ على يديه عشرات الفنانين الليبيين، وقدَّم العديد من العروض المسرحية، لذلك كُرِّم هناك بالعديد من الجوائز، تقديراً لإسهاماته، منها درع الجماهيرية العربية الليبيبة، إضافة إلى جوائز وتكريمات من مصر والعديد من الدول العربية.
ورغم النجاحات الكثيرة التي حققها، فإنه كان يجد نفسه في لحظة صفاء عندما يختلي بنفسه، وقال عن ذلك في لقاء تلفزيوني: «كنت أجد نفسي في الهدوء، وعندما أختلي بنفسي، خصوصاً في ليبيا عندما تسافر الأسرة، وبعيداً عن شهرة الأضواء والمعجبين، فكنت أهرب بنفسي، فأنا شخص بسيط، ومنذ صغري أشتغل، لدرجة أنني لم أعد أعرف نفسي، فكل الأدوار التي قدَّمتها انصهرت بداخلي».
العودة إلى القاهرة
عاد الحريري إلى القاهرة عام 1974، وكان في ذروة نضجه الفني، وتخلى عن أدوار الفتى الوسيم، وبات النجم الوقور بشعره الأشيب أكثر جاذبية وتألقاً، ورفض العديد من الأدوار التي لا تناسب مرحلته العمرية، واعتبر أن الممثل بعد سن الأربعين لن يصدقه الجمهور في دور طالب جامعي أو شاب صغير، مهما كانت براعة الماكياج والحيل الفنية.
واستأنف نشاطه السينمائي بفيلم «امرأة في مهب الريح»، تأليف محمد كامل، وإخراج حسن حافظ، وشارك في البطولة: يوسف شعبان، وعفاف شعيب، وأمينة رزق، وعُرض الفيلم في 19 أبريل 1974، وتدور أحداثه في إطار تشويقي، حول «الدكتور أحمد كمال» الذي يشعر بالذنب بعد وفاة زوجته ويطارده شبحها، ويتزوج بعد فترة من نادية، وينكشف سر غامض لم يكن في الحسبان.
الجبان والحُب
وفي العام التالي شارك في فيلمين، أولهما «المذنبون» قصة نجيب محفوظ، وإخراج سعيد مرزوق، وجسَّد الحريري شخصية «المحقق حسين صديق» الذي يحقق في جريمة قتل نجمة سينمائية شهيرة، أمام مجموعة كبيرة من النجوم، منهم: كمال الشناوي، وسهير رمزي، وحسين فهمي، وزبيدة ثروت، وعادل أدهم، وصلاح ذوالفقار.
ولعب الحريري دور الأستاذ الجامعي «الدكتور أحمد فكري» في فيلم «الجبان والحُب»، قصة موسى صبري، وبطولة وإخراج حسن يوسف، وضم الفيلم مجموعة من النجوم، منهم: هند رستم، وشمس البارودي، وشويكار، ومحمد رضا، وعُرض في 16 يونيو 1975، وحقق نجاحاً كبيراً، واستمر في دور السينما مدة 16 أسبوعاً، وحصد إيرادات عالية بلغت نحو 45 ألف جنيه.
«صورة بالدموع» أول لقاء مع عادل إمام
عندما عاد عمر الحريري من ليبيا إلى القاهرة عام 1974، وجد نجماً جديداً يحتل ملصقات الأفلام وإعلانات المسرح، وكان عادل إمام، الممثل الشاب الذي شارك الحريري لأول مرة خلال الستينيات في سهرة تلفزيونية للمخرج محمد فاضل اسمها «صورة بالدموع»، وكان دوراً ثانوياً، لكنه لفت الأنظار إلى موهبته الكوميدية.
وتحدَّث الحريري عن علاقته بعادل إمام في لقاء تلفزيوني، قائلاً: «يمتلك طاقة فنية كبيرة، وعندما غبت عن مصر من عام 1967 حتى 1974، كنت كلما أزور مصر في الإجازات ونتقابل يطلب مني الرجوع إلى مصر، ويقول لي: (يا أستاذ نفسي أشتغل معاك)، وعندما عُدت قدمت معه مسرحية (شاهد ماشافش حاجة)، وكان صارماً ودؤوباً، ويهتم بكل التفاصيل، ويأتي قبل رفع الستار بساعة يجلس مع نفسه، وكان يُشعر الجميع بأننا أسرة واحدة، وعندما انتهت المسرحية بدأ نجمه يسطع في عالم السينما ويصبح النجم الأوحد».
ومرة أخرى، التقى الحريري وإمام في مسرحية «الواد سيد الشغال»، وقدَّما المسرحية لمدة ثماني سنوات، وعندما جاءت مسرحية «الزعيم» لم يجد الممثل الكبير دوراً مناسباً له، وكانت جميع الأدوار بسيطة، وحتى في السينما كان عادل إمام يقول للمنتج: «اعرضوا عليه، إذا وافق فسأكون سعيداً، لكن إذا لم يوافق فهذا من حقه»، وعندما يجد الدور بسيطاً وصغيراً لا يقبله، لأنه تجاوز هذه النوعية من الأدوار.
وعلى مستوى الدراما التلفزيونية، شكَّل الحريري وإمام ثنائياً متميزاً في مسلسل «أحلام الفتى الطائر»، تأليف وحيد حامد، وإخراج محمد فاضل، وعُرض المسلسل على مدى 16 حلقة على الشاشة الصغيرة، بدءاً من 5 أغسطس 1978، وحقق نجاحاً ساحقاً.
النجم الشهير يرفض مساعدة ابنته
ورثت ميريت عمر الحريري من والدها حُب الفن، وتطلعت لدخول عالم التمثيل، لكن النجم الشهير رفض مساعدتها في العمل بالمجال الفني، لأنه أشفق عليها من صعوبة التجربة، لذا بدأت التمثيل بعد رحيله، وذهبت إلى مكاتب «الكاستينج» بحثاً عن أدوار بالمسلسلات والأفلام.
ميريت عمر الحريري
وكشفت الفنانة ميريت خلال لقاء تلفزيوني وصية والدها لها، وأنه طلب منها ألا تضعه في موقف محرج بسبب أي فعل يصدر عنها، وأنها ملتزمة بوصية والدها الثانية عندما طلب منها الانضباط خلال قيادة سيارتها، حيث قال لها: «لو رخصتك اتسحبت مش هجيبها»، مشيرة إلى أن رخصة قيادتها لم تُسحب منها منذ تعلمها القيادة حتى الآن.
وبعد رفض والدها مساعدتها في دخول عالم التمثيل، قالت: «إذا كان عندي قبول عند الناس هستمر في التمثيل، وإذا ماعنديش نفضها سيرة».
وتعرضت ميريت لمحنة قاسية، ودخلت في صراع مع مرض السرطان لمدة عامين، وانتصرت على المرض الخبيث، وكانت تتمتع بالرضا، ولم تحزن عقب علمها بمرضها، وظلت تحضر ورش التمثيل عقب تلقيها جلسات العلاج الكيماوي.