غزة تعري الفن والفنانين

نشر في 18-03-2024
آخر تحديث 17-03-2024 | 17:23
 خولة مطر

المشاهد قد تكون متشابهة في مضمونها، مشاهد في مدن يبعد بعضها عن بعض آلاف الكيلومترات في الجغرافيا، وربما في الزمن أيضا، مشاهد تتشابه ربما لكونها احتفاليات بالفن أينما كان وكيفما كان، فن غناء وطرب أو فن تشكيلي أو تمثيل وسينما ومسرح أو رقص، تعددت الفنون والجمال واحد، بل الفعل الأخلاقي واحد، أو هكذا يكون.

تعلمنا أن الفن ليس مجرداً، ودرسنا في معاهد وكليات عالمية أن السينما وكل الفنون هي تعبير بل هي أكثر الوسائل قوة في التعبير عن الأفكار أو المشاعر أو المواقف أو الوضع العام فقط، وهذا بالطبع لا يحولها أو يبعدها عن قدرتها على إمتاع المتلقي، وكما يرى البعض في الفن ترفيها من أجل الترفيه هناك كثيرون كان شغفهم بالفن بكل ألوانه كوسيلة للتعبير عن واقع أو عن حالة، بل في الكثير من الأحيان تعد الفنون وسيلة للإلهام وفتح السموات ليحلق المشاهد أو المتلقي في خيال لا حدود له.

هنا ينتهي الحديث عن الفن للانتقال عن المشاهد التي أثارت الكثير من المتابعين مؤخراً، فهناك في أقصى معاقل الشرق صهاينة حيث القبضة المحكمة على قبلة السينما والفن والإبداع في هوليوود، هناك عمل الصهاينة كما عملوا مع عالم المال والاقتصاد وعالم الإعلام وكل ما يستطيعون من خلاله أن ينشروا صورة واحدة، بل هي سردية لا يستطيع الكثير من ضحاياها أن يتخطوها، في احتفاليات الأوسكار لم تستطع المؤسسات رغم قدراتها وثقلها الذي استطاعت من خلاله الهيمنة ومطاردة كل من يخالف سياساتها العامة، والأمثلة على ذلك كثيرة، من تشارلي شابلن مرورا بفنيساردغريف وآخرين كثر، برزوا بقدرات إبداعية في التمثيل والإخراج والإنتاج، وما لبثوا أن طردتهم تلك المؤسسة، بل حاصرتهم حتى أبعدتهم عن المشهد، فأصبحوا خارج الصورة العامة، كثير منهم بقوا محافظين على إبداعهم خارج أسوار هوليوود وهيمنتها وخلقوا سينما جديدة أكثر واقعية وأبعد عن التجارة والاتجار بالفكر والفن وهيمنة نمط واحد من السينما المتطورة فنيا وتقنيا، والمكررة في الأفكار والسيناريوهات!!

في احتفاليات الأوسكار البعيدة لم ينس الممثلون والمبدعون أهل فلسطين ولا قضيتهم، بل تحدثوا وجاهروا بوضع العلامة الحمراء الخاصة بالتعريف عن استنكارهم ورفضهم للإبادة، هناك مرت الكاميرا على الوجوه وكثير من الأعين كانت مليئة بالدمع، ووقف الكثيرون ليصفقوا للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر بعد تسلمه جائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، وكان غلايزر، وهو كاتب ومخرج يهودي بريطاني، قد عبر في كلمته عن تعاطفه مع ضحايا 7 أكتوبر من الإسرائيليين وضحايا الإبادة في غزة وكل فلسطين. وقال «نقف هنا كرجال يدحضون أن تختطف يهوديتهم والمحرقة من قبل الاحتلال الذي أدى الى نزاع بالنسبة للعديد من الناس الأبرياء سواء ضحايا السابع من أكتوبر في إسرائيل أو الهجوم المستمر على غزة».

وفي حين انتقد كثيرون كلمته، وقف الكثير من المشاركين في الأوسكار، وصفقوا له في تغيير جذري عن الموقف في الأوسكار قبل أكثر من أربعين عاما عندما فازت فانيسا رديغريف بالأوسكار وقوبلت بكثير من الرفض وحملة من الانتقادات والهجوم رغم أن فيلمها أصبح أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما، ولكن كان الموقف من رديغريف هو موقف من فيلمها الوثائقي «الفلسطيني 1977»، وهو الفيلم الذي أنتجته وروت فيه محنة الشعب الفلسطيني.

انتهى المشهد في هوليوود الذي كانت غزة بنسائها ورجالها وأطفالها وكنائسها ومساجدها ومستشفياتها وجامعاتها، حاضرة جدا. المشهد الآخر هو في المدن والعواصم الأقرب لفلسطين وغزة ورمضان يقترب ثم يحل والمشهد لا يتغير عن سنوات مضت، والفن هنا وهناك بعضه يصيب مرة ومرات عدة «يسلق» المشهد أو كل المسلسل أو الفيلم أو الأغنية، والأهم أن معظم بل كثير من الفنانين والفنانات لم تكن غزة حاضرة معهم، بل بعدت جدا حتى حاول بعضهم التبرير وآخرون وباستخفاف شديد رددوا «ما علاقة الاحتفال بالفن بالموت» الفن هو الحياة نعم، وهم أيضا أي أهلنا في غزة وفلسطين وجنوب لبنان وكل المقاومين للموت يحبون الحياة بل يسعون لها ويرون أن من حقهم أن يستمتعوا بها وبكل أنواع الفنون.

في هوليوود كان الفن رسالة لمعنى الحياة، وفي عالمنا العربي خصوصا في الأسبوع الأول من صيامنا يبدو الفن وسيلة للتربح الرخيص والاستهلاك المتدني لأن هناك استهلاكا بالطبع أكثر رقيا مما يقدمه بعضهم حتى لا نعمم، وقبل رمضان اصطفوا جميعا مرتدين أحلى ما عندهم ليعيشوا ليالي بعيدة جدا عن كثير من متابعيهم ومشاهديهم وحتى محبيهم.

في هوليوود وكثير من فناني العالم كان الموقف أن الفن هو الجمال والحب والخيال لا القتل والذبح والدم، ولذلك وقف الفنانون من مغني راب الى ممثلين ومنتجين وكتاب وفنانين تشكيليين مع غزة لأنهم نساء ورجال يعرفون أن الفن في حضرة الموت يموت، وحتى لا يشاركوا في الإباده ربما هو الوعي، ربما بعض الفناينن عندنا استساغوا عبارة «عايزين نعيش» حتى لو كانت تلك اللقمة مغمسة بكثير من عرق ودم الفلسطيني أو حتى دمعه في حالة الجوع والعطش والمرض.

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.

back to top