ما أحوجنا إلى قيم المواطنة!

على الرغم من احتفاظ المهاجرين من الأصول العربية والإسلامية في أميركا الشمالية وأوروبا بموروثهم الثقافي والاجتماعي وهويتهم الدينية فإنهم استطاعوا التكيف والتأقلم مع الحياة الغربية، وأن يكونوا إضافة نوعية للدول التي احتضنتهم.

قبل الاسترسال في الموضوع لا بد من التطرق إلى حقيقة أن الغرب قد وفر سبل العيش الكريم للمهاجرين باختلاف مشاربهم، وكأنهم مواطنون من الدرجة الأولى، فلا تمايز بينهم في الحقوق والواجبات إلا في عقول العنصريين، وبالمناسبة خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتخابات ولايته الثانية لم يكن بسبب ولائه للوبي الصهيوني ولا لرفضه المثلية، ولكن بسبب ممارساته العنصرية تجاه المهاجرين حتى أن المحاكم الأميركية رفضت تنفيذ الكثير من قراراته التي اتخذها ومنها التشديد على إعطاء تأشيرات دخول الولايات المتحدة الأميركية.

اليوم وقبيل الانتخابات البرلمانية هناك من يريد إثارة الفتنة من خلال استخدام العنصرية الفئوية دون إدراك لتداعيات هذه الدعوة البغيضة على المجتمع واللحمة الوطنية، فكانت البداية حل المجلس ليبدأ الحديث عن الترويج لمرسوم ضرورة يمنع المواطنين من الترشح والانتخاب إلا لفئة المؤسسين، بعدها جاء الحديث عن إقصاء المواطنين من الفئات الأخرى من تولي المناصب القيادية، وما سمي الوظائف الحساسة.

لن أقول إن رئيس وزراء بريطانيا ورئيس وزراء أسكتلندا من المهاجرين، فهذه الوظائف على الرغم من أهميتها فإنها نقطة في بحر الوظائف السياسية والأمنية والعسكرية في جميع دول الغرب دون استثناء، حتى البيت الأبيض وقصر بكنغهام لم يسلما من المهاجرين، بل إن من بينهم من ولد وعاش معظم حياته في وطنه الأم.

هذه المعادلة قد تبدو صعبة على العقول العنصرية، فكيف بوافد ومهاجر أن يتغير ولاؤه بدرجة 180 إلى دولة قد وفد إليها للتو؟ أليس في الأمر شيء؟

لا طبعاً فهم يقدرون العقول، أما النيات فليس لها قيمة، فالمحك الحقيقي هو العطاء والإخلاص في عمله والوظيفية المسندة إليه، ومن يخالف ذلك فالقانون كفيل سواء كان من المؤسسين أو من المواطنين الجدد.

إذاً مفهوم المواطنة ليس له علاقة بالدين أو العرق، ولكن في الولاء والتميز، ولو كان غير ذلك لانهار جيش الولايات المتحدة الذي يقوم على كل الأجناس وفيهم من لا يحمل الجنسية الأميركية.

أختم المقال لقصة رواها أحد الإخوة من البدون الذي هاجر إلى جمهورية ألمانيا والحديث على لسانه،

هاجرت بعد تحرير الكويت إلى ألمانيا مع أسرتي وأنا لا أملك شيئاً ولا أعرف سوى اللغة العربية، وليس لدي سوى شهادة المتوسطة، وعند وصولي كلاجئ وفرت لي الحكومة الألمانية سكناً ومساعدة مالية تصرف لي كل شهر كانت كافية لتوفير متطلبات الحياة، وقامت بتعليم أولادي وبعدها دارت عجلة الحياة، أنا بدأت بأعمال بسيطة وقد رزقني الله الخير الكثير، أما أولادي فأكملوا دراستهم وابنتي أصبحت دكتورة وولدي تخرج مهندسا يعمل بالجيش الألماني بوظيفة متقدمة، صحيح أني أشعر بالغربة لكني أفتخر بهويتي الجديدة وبالدولة التي احتضنتني وكفلت لي حقوقي.

في الختام الدولة التي تحفظ حقوق مواطنيها وتعمل على إذكاء روح الولاء هي الدولة التي تستطيع البقاء والمضي قدماً في مسيرة التنمية والازدهار.

ودمتم سالمين.