الجهاز مغلق

نشر في 15-03-2024
آخر تحديث 14-03-2024 | 17:22
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

لماذا نشتاق للماضي ونحِنُّ إليه، ونعشق كل شيء يذكرنا به؟ هل لأن عقولنا تتعمد الاحتفاظ باللّقطات السارّة، وتحاول نسيان المآسي الحزينة؟ أم أن عقولنا تحاول إعادة صياغة الماضي بما يحلو لها؟! أم هي متعة الحديث في قراءة الماضي بشكل مختلف؟! أم أن كل ما حدث كان معه طرفة لم ننتبه إليها في ذاك الوقت؟!

قد نشتري ساعة «موديل» قديم أو عطراً، أو سيارة «كلاسيكية» فقط لأنها تذكرنا بعبق الماضي، ونشعر بسعادة غريبة وكأننا استعرنا شيئاً من الزمن! أو انتشلناه بشكل رسمي!

في هذا المقال، أود أن ألفت انتباهكم لحاجة جميلة من الماضي، لا يستعيرها إلا النخبة، وهي من أروع الأشياء التي يمكن أن نستعيرها ونتلذذ بها، و«بدون فلوس»، ألا وهي: «صفاء اللحظة» أو الوقت.

في الماضي كان تركيزنا أعمق، لأنه لم يكن لدينا مشتتات ذهنية، كبرامج التواصل، والمنصات الرقمية، التي دخلت حياتنا بشكل رهيب، فصرنا نرسل ونستقبل ونتابع كل جديد وبدون ضوابط أو تحكم بالوقت، وصار البال معلقاً بالعالم الافتراضي.

أعزائي القرّاء، إن أفضل طريقة للعودة لصفاء الوقت الذي عشناه في السابق، هو تطبيق نظام «الصوم الرقمي»، وهو عبارة عن إغلاق الأجهزة الذكية أو الإنترنت لفترات طويلة أو حتى لأيام، وكما أنه يوجد نظام للحمية الغذائية يسمى «الصوم المتقطع» الذي يساعدنا في تخفيف أوزاننا، وطرد السموم من أجسادنا، فكذلك فكرة «الصوم الرقمي» يساعدنا في طرد المشتتات الذهنية، التي ترهق التفكير، وتضعف الذاكرة، وتعوق التأمل بالنفس وبالخلق والخالق.

يقول صديقي «أبو مبارك»: ذهبت في الإجازة إلى جزيرة بعيدة في إحدى الدول السياحية، لقضاء وقت من الراحة والاستجمام، واشترطت على نفسي وزوجتي ألا نحضر معنا الهواتف الذكية، لنعيش أوقات الماضي الصافية الجميلة، وبالرغم من قلة الأماكن الترفيهية في الجزيرة، فإنها كانت من أجمل وأروع الرحلات التي قضيتها في حياتي، فقط لأنها أرجعتني إلى مزاج الزمن القديم، وصفاء البال والذهن، فكنت أستمتع بالحوارات والحديث مع الأجانب، وقراءة الكتب، والمشي بذهنٍ سارح، والتأمل في الطبيعة والحياة، «وكأن البركة رجعت في كل شيء».

لذلك عزّمت ألا أترك هذا النوع النفيس من الصيام، وأن أطبق جزءاً منه في الكويت، وبالذات في شهر رمضان.

back to top