الضمراني: الذكاء الاصطناعي يؤسس لخطاب أدبي جديد

نال الدكتوراه بدراسته عن سمات بيئة العمل الصحافي في مواقع تطبيقات الأخبار

نشر في 06-03-2024
آخر تحديث 06-03-2024 | 19:32
توصلت دراسة أكاديمية حديثة إلى أن مواقع تطبيقات الأخبار المجمعة العربية والدولية هي الأكثر إقبالاً عليها لدى الشباب، وأن الأخبار السياسية تحتل المرتبة الأولى تليها المواد الإخبارية الاقتصادية والفنية والرياضية. كما توصلت الدراسة، التي حملت عنوان «سمات بيئة العمل الصحافي في مواقع تطبيقات الأخبار المجمعة العربية والدولية: دراسة لآليات صناعة المحتوى والتأثيرات والإشكاليات»، للباحث حسام الضمراني، والتي نال بها درجة الدكتوراه من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، إلى أن تأثر الذكور بمواقع التواصل أكثر من الإناث، وأن الاستخدام المطوَّل والمكثف لها يؤدي إلى الشعور بالذنب، والمعاناة من الوسواس القهري.
حول الدراسة ونتائجها، وانعكاس آثارها على الواقع، التقت «الجريدة» د. حسام الضمراني، الذي يُعد من أبرز الباحثين في الجيل الثالث من وسائل الإعلام الرقمية، وكان الحوار التالي:

• حصلت أخيراً على درجة الدكتوراه في مجال الإعلام الرقمي عن «سمات بيئة العمل الصحافي في مواقع تطبيقات الأخبار المجمعة العربية والدولية... دراسة لآليات صناعة المحتوى والتأثيرات والإشكاليات»، ماذا عن هذه الدراسة؟

- الدراسة استهدفت بحث سمات بيئة العمل الصحافي في مواقع تطبيقات الأخبار العربية، مثل: «نبض، أخبارك.نت»، والدولية مثل «غوغل نيوز، أوبرا نيوز» واقتصاداتها، والتشريعات التي تعمل في إطارها، وتأثيراتها على القائم بالاتصال فيها، والمقرر صدورها في كتاب قريباً عن إحدى دور النشر بمصر.

وتُعد تطبيقات الأخبار المجمَّعة العربية والدولية من نماذج الأعمال الجديدة في مجال الإعلام الرقمي، حيث تمثل «الجيل الثالث من وسائل الإعلام الرقمية»، والتي تتسم بالتنوع في البيئات الإعلامية عالية الاختيار اليوم من قبل المستخدمين القراء، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة من قراء الأخبار من مصادرها الرقمية، سواء منها أو من محركات البحث، وليس من خلال وسائل الإعلام التقليدية، لما توفره مجمعات الأخبار على نحو خاص من التعرض للأخبار المتنوعة، من خلال الاختيار الشخصي لهؤلاء الأفراد قراء الأخبار الرقمية.

• ما النتائج التي توصلت إليها؟

- جاءت أبرز نتائج الدراسة، أن المواد الإخبارية التي قامت مواقع تطبيقات الأخبار المجمعة العربية والدولية بتقديمها لقرائها المستخدمين طوال فترة الدراسة في الترتيب الأول الأخبار الدولية والعربية، تلتها المواد الإخبارية الاقتصادية، ومن ثم ظهرت المواد الإخبارية الفنية، والرياضية، وأخبار الحوادث والجرائم، وغيرها من المواد الإخبارية.

كما أظهرت النتائج تصدر نسبة الأخبار الطويلة من المواقع الأصلية، والتي يبدأ عدد كلماتها من 41 حتى 250 كلمة، تلاها الأخبار المتوسطة، والتي اعتمدت عليها مجمعات الأخبار العربية والدولية، ويبدأ عدد كلماتها من 8 إلى 40 كلمة في الترتيب الثاني، فيما جاءت الأخبار القصيرة التي اعتمدت عليها مجمعات الأخبار العربية والدولية في الترتيب الثالث، وهو ما يكشف عن غياب البيئة التشريعية المنظمة لحقوق المواقع الإخبارية الأصلية صاحبة المحتوى.

أجيال رقمية

• لماذا تسعى التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية إلى اقتحام عوالم الأدب، وتحاكي المبدعين والأدباء في إنتاج نصوص تسعى إلى إرساء ملامحها الخاصة؟

- لعدة أسباب، من أبرزها الأوضاع الاقتصادية، التي أصبحت تحاصر صناعة النشر في العالم مع تداعيات الأزمات الاقتصادية المتتالية، وجائحة كورونا، والحرب الروسية - الأوكرانية، وهو ما دفع دور النشر حول العالم، والقائمين على صناعة الأدب، للاتجاه نحو توظيف التكنولوجيا في صناعة النشر، كونها تعد بمنزلة سلاسل توزيع قليلة التكلفة وسريعة الانتشار.

في الوقت نفسه، ومن بين الأسباب في تصوري، زيادة أعداد الأجيال الرقمية من المراهقين والشباب، خصوصاً الأجيال التي تُعرف بـ «جيل z» من الفئة العمرية التي تنحصر بين 17 و25 عاماً، والتي تُعد الأكثر استخداماً للهواتف الذكية، ومتصفحات الإنترنت، ومحركات البحث، وتطبيقات الكتب الصوتية واتجاهاتهم الأدبية والمعرفية من مصادرها الرقمية، مقابل تراجع اهتماماتهم بالكتاب الورقي المطبوع، كلها أسباب في ظني وراء سعي التكنولوجيا لاقتحام عوالم الأدب.

• وماذا عن الذكاء الاصطناعي؟

- بالنظر إلى سعي الشركات التكنولوجية عابرة القارات، التي يتبع لها عدد من محركات البحث الأكثر استخداماً حول العالم مثل «ميكروسوفت» ومحرك بحثها الأشهر «بينج» واتجاهها أخيراً نحو توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في تقديم خدماتها، واتجاه «غوغل» ومحرك بحثها الأشهر، وتطبيقاته للذكاء الاصطناعي، خلق حالة من التنافسية في سباق امتلاك تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يخدم تسويق خدماتها، ومن بينها الخدمات الموجهة لصُناع النشر حول العالم، بإنتاجهم نصوصاً تسعى لإرساء ملامحها الخاصة بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل برامج التوليد الآلي، وتقنيات الواقع المعزز والافتراضي، وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي، جميعها أسباب تتضافر في الإجابة عن سبب اقتحام التكنولوجيا صناعة النشر، لكونها صناعة لها مدخلات وعمليات تشغيل ومخرجات، في ظل أسواق رقمية سحابية تتخطى حواجز الجغرافيا والزمن، وتؤسس لخطاب أدبي رقمي جديد يتشكل على مهل عند أجيال رقمية من المتلقين للمعرفة والأدب، حيث تغيرت اتجاهاتهم المعرفية، التي ظلت لعقود حبيسة تدور في فلك وسائل الإنتاج الأدبي والمعرفي التقليدية، وانتقلت بواسطة التكنولوجيا وأدواتها لاتباع اتجاهات جديدة أصبحت محل دراسة أخيراً من قِبل صُناع النشر حول العالم ومازالت، وهو ما نلاحظه في تجليات من الأنماط والأشكال الرقمية الجديدة التي تتنافس علي تقديم الخدمات الثقافية وتحقق أرباحاً لا بأس منها، مثل: خدمات «البودكاست الأدبي»، وزيادة أعداد رواد الأعمال من «صُناع المحتوى الرقمي» حول العالم، إضافة إلى المؤثرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واتجاه صُناع النشر نحو إتمام شراكات معهم لتسويق منتجاتهم وخدماتهم المعرفية، وغيرها من الآليات الجديدة التي ترصدها تقارير صناعة النشر الدولية أخيراً ومؤتمراتها، فعلى دور النشر المصرية والعربية التركيز بشكل أكبر في اتباع تلك الآليات، مقابل تخليها عن الآليات التقليدية في صناعة المعرفة، وتسويق خدماتها الثقافية، والانطلاق نحو دراسة الجمهور الذي تستهدفه، حتى لا تتوقف خدماتها قريباً، في ظل التحديات الاقتصادية واللوجستية التي تواجه صناعة النشر حول العالم.

الأدب والتكنولوجيا

• هل الكلمة المكتوبة تتراجع لمصلحة المرئيات، أم أن هناك مزاوجة بين الأدب والتكنولوجيا؟

- وفق الدراسات الجديدة في مجال الأدب والتكنولوجياً والإعلام، ومن واقع الممارسة والمتابعة، ثمة توصيات جادة تتمثل في الاتجاه نحو تقديم المنتج الأدبي بواسطة الوسائط المرئية، وما تتضمنه من أنماط متعددة تضمن التسويق السريع والربحي للنصوص الأدبية والمنتجات الثقافية التي تتركز على الكلمة، مثل: القصة، والرواية، والشعر، وتمثيلها بصرياً، لكون اتجاهات الجمهور حول العالم اختلفت الآن عما سبق في إطار تلقيهم للمنتج الثقافي والإبداعي، وهو ما يفسر لنا استحداث مواقع التواصل الاجتماعي لخدمات جديدة لاقت رواجاً كبيراً، منها خدمة «الاستوري»، التي هي عبارة عن مقاطع فيديو قصيرة لا تتخطى 30 ثانية أو دقيقة على أقصى تقدير، ومنها تطبيق «تيك توك»، الذي لجأت إليه في السنوات الأخيرة دور النشر الدولية وبعض العربية لتسويق منتجاتها الثقافية والتفاعل معاً، وخدمة البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي توظف في تقديم برامج تعد بـ «فورمات» مختلفة عن إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية التقليدية بما يتناسب مع الجمهور الجديد.

المحتوى الصحافي

• ما مدى تأثير المحتوى المقدم في شبكات التواصل الاجتماعي على صناعة نشر المحتوى الصحافي الرقمي؟

- تأثير المحتوى المُقدم في شبكات التواصل الاجتماعي على المحتوى الصحافي الرقمي يتمثل في التأثير الاقتصادي، خصوصاً «الإعلانات»، التي استحوذت على نسبة كبيرة منها مواقع التواصل الاجتماع، خصوصاً منذ عام 2017، وهو ما تسبب في إحداث خسائر مباشرة للمؤسسات الصحافية الرقمية، وأرى أن الحل لمعالجة مشكلة انسحاب الإعلانات من المنصات الإخبارية الرقمية التوجه نحو صناعة محتوى صحافي لا يعتمد على الخبر في المقام الأول، لكونه أصبح حصرياً ومباشراً على وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على إنتاج قصص صحافية تقريرية وتفسيرية لما وراء الخبر، لبناء قاعدة جماهيرية من القراء لمحتواها الخاص، وهو ما يرفع من معدلات متابعاتها، وبالتبعية المساهمة في عودة جزء من الإعلانات المباشرة لها.

• هناك من يوجه الاتهامات حول التأثير النفسي على المجتمع للمحتوى المقدم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدفع إلى الاكتئاب، ماذا تقول؟

- استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يسبب العديد من الآثار النفسية السلبية لمستخدميها، مثل زيادة المقارنات الاجتماعية، والغيرة، والاكتئاب، والقلق، والتوتر، نتيجة التعرض للآراء والأفكار المتعارضة.

وللمفارقة، أظهرت الدراسات التي أُجريت على المجتمعات العربية، أن الذكور المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي هم الأكثر تأثراً من الإناث، وقد لُوحظ أن الإناث، والأعمار الأصغر، والأشخاص الذين يعانون النرجسية هم الأكثر إدماناً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الاستخدام المطول والمكثف لها يؤدي إلى الشعور بالذنب، والمعاناة من الوسواس القهري، وهو ما يستوجب تنشيط برامج التربية الإعلامية في المدارس (مرحلة التعليم ما قبل الجامعي)، ومرحلة التعليم ما بعد الجامعي، سواء في كليات الإعلام وأقسام الصحافة أو الكليات التطبيقية، إضافة إلى نشر ثقافة التعامل الحذر مع وسائل التواصل الاجتماعي عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، حتى تصل إلى الأسر العربية للتوعية من تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي مجتمعياً.

back to top