آخر التطورات بعد مرور عامين على الحرب في أوكرانيا

نشر في 04-03-2024
آخر تحديث 03-03-2024 | 19:23
إذا كنا لا نرى في الأفق القريب ما يشير إلى انتهاء المعارك العسكرية، وتوقف القصف والقتل والخراب بين طرفي النزاع، والجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حلول لعدة مشكلات بينهما، فلعل الدور الذي تضطلع به محكمة العدل الدولية، سيسهم في إيجاد سُبل بقصد حل للنزاع القائم بين هاتين الدولتين الأوروبيتين.
 د. محمد أمين الميداني

سيكون من الصعب الحديث عن انتصارات في أرض المعارك أو تحقيق تغيرات جغرافية فعلية على الحدود بين أوكرانيا وروسيا منذ أن اجتاحت هذه الأخيرة الأراضي الأوكرانية منذ عامين، وبالضبط في 24/2/2022.

لم تحسم لا الجيوش الأوكرانية ولا الجيوش الروسية مصير الحرب الدائرة على مدى الأشهر الفائتة، ولا تزال عمليات الكرّ والفرّ مستمرة بين هذه الجيوش، والمدن الأوكرانية، يتم تحريرها ثم يتم الانسحاب من بعضها بسبب مختلف العمليات العسكرية، والحدود تتبدل وتتغير ولكن لا تستقر ولا تبدو ملامحها تتضح بشكل حاسم أو نهائي.

لكن ما يمكن أن نستخلصه ونؤكد عليه من تطورات سياسية وعسكرية في خلال العامين الماضيين يصب بالدرجة الأولى في المساعدات الكثيرة التي حظيت بها أوكرانيا من طرف الدول الغربية وبخاصة الأوروبية منها، وما حصلت عليه بالذات من دعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي ومختلف دوله، يضاف إلى ذلك اتفاقيات التعاون الأمينة الثنائية التي أبرمتها مؤخرا مع كل من ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا تحسبا لما يمكن أن تتطور له الأوضاع وبخاصة فيما يتعلق بمواقف منظمة حلف شمال الأطلسي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.

ولا شك أيضا أن الدعم العسكري والتمويل المالي الذي استفادت منه أوكرانيا من الولايات المتحدة الأميركية يأتي في مقدمة كل المساعدات والتمويل، ولا خلاف بأنه هو العامل الأساس والرئيس الذي سمح لها طوال العامين السابقين بالصمود والاستمرار في حربها ضد روسيا ومساعيها العسكرية لاستعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بعد الغزو الروسي وما نتج عنه من احتلال جديد يضاف إلى احتلال سابق لبعض المدن والمقاطعات الأوكرانية منذ عام 2014.

كما لا نستطيع أن نغفل في سياق التطورات عن الإشارة إلى ارتفاع نسبة الإنفاق العسكري الكبير في العديد من البلدان وبخاصة الأوروبية خلال العامين الماضيين، يضاف إلى ذلك تطور جيوسياسي هام لا يتعلق بأوروبا فقط، بل بعدة مناطق في العالم، حيث تبرز أقطاب جديدة مثل الصين والهند، على مسرح الأحداث مؤذنة بنهاية القطب الواحد الذي ساد لعدة عقود منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ومعه المعسكر الشرقي.

ولا تقتصر مختلف التطورات التي ذكرناها على المساعدات الاقتصادية والمالية والعسكرية التي استفادت منها أوكرانيا، ولكن حدثت تطورات أيضا على صعيد القضاء الدولي، وهو ما يهمنا بالتحديد، ونقصد هنا الدور الذي تؤديه محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالأحداث في أوكرانيا والاعتداء على أراضيها ومحاولة تغيير جغرافيتها وحدودها، وكذلك ما أصاب مواطني مدنها وسكانها، والجدير بالذكر ونحن نحيل إلى هذه المحكمة الدولية أن نذكر بانتخاب القاضي اللبناني نواف سلام رئيسا لها بتاريخ 6/2/2024، ولفترة ولاية تمتد لثلاث سنوات قادمة.

فقد رفعت أوكرانيا إلى هذه المحكمة، وبتاريخ 16/1/2017، دعوى ضد الاتحاد الروسي بخصوص انتهاكات مزعومة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، وللاتفاقية الدولية لقمع وتمويل الإرهاب لعام 1999، وربطت أوكرانيا هذه الدعوى الأخيرة بخصوص ما جرى على أراضيها منذ عام 2014.

وصدر قرار المحكمة بخصوص هذه القضية بتاريخ 31/1/2024، وجاء فيه بأن الاتحاد الروسي أخلّ ببعض التزاماته التي تنص عليها الاتفاقية الدولية لقمع وتمويل الإرهاب، وأخلّ أيضا بالتزاماته الأخرى التي نصت عليها العديد من بنود وفقرات ومواد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، هذا من ناحية.

كما قدمت أوكرانيا، من ناحية ثانية، دعوى أخرى ضد الاتحاد الروسي أيضا، وبتاريخ 26/2/2022، أي بعد يومين من الغزو الروسي الأخير للأراضي الأوكرانية، تتعلق بتفسير وتطبيق وتنفيذ أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وأصدرت المحكمة بخصوص هذه الدعوى الأخيرة أمرا باتخاذ «تدابير مؤقتة» وذلك بتاريخ 16/3/2022، طالبت فيه الاتحاد الروسي بوقف عملياته العسكرية التي بدأها في 24/2/2022، وطلب قضاة المحكمة بالإجماع في هذا الأمر أن تمتنع كل من أوكرانيا والاتحاد الروسي عن أعمال قد تفاقم النزاع أو توسع نطاقه أو تزيد صعوبة حله من المحكمة التي أصدرت بتاريخ 2/2/2024 قرارها بخصوص الدفوع الابتدائية التي قدمها كلا طرفي النزاع، وتضمن هذا القرار تأكيد المحكمة لصلاحيتها في النظر في هذه القضية، ورفض كل الدفوع الابتدائية التي قدمها الاتحاد الروسي، وقبول ما قدمته أوكرانيا.

يمثل، برأينا، لجوء أوكرانيا إلى محكمة العدل الدولية، ومشاركة عدة دول أوروبية زاد عددها على ثلاثين دولة في جلسات الاستماع أمامها، دليل ثقة بالقضاء الدولي، وبخاصة في قضاء محكمة العدل الدولية، ويقدم لطرفي النزاع أوكرانيا وروسيا مخرجا قانونيا، ومن بين مخارج أخرى، لوضع حد لهذه الحرب الجديدة في القارة الأوروبية.

وإذا كنا لا نرى في الأفق القريب ما يشير إلى انتهاء المعارك العسكرية، وتوقف القصف والقتل والخراب بين طرفي النزاع، والجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حلول لعدة مشكلات بينهما، مثل استعادة أوكرانيا لأراضيها التي لا تزال محتلة، وذلك على الرغم مما حدث في العامين الماضيين وبخاصة الدعم القوي وعلى عدة صعد الذي حظيت به أوكرانيا، فلعل الدور الذي تضطلع به محكمة العدل الدولية، ومنذ عدة أشهر، سيساهم في إيجاد سُبل بقصد حل للنزاع القائم بين هاتين الدولتين الأوروبيتين، مما سيضع حدا لما يحدث من مآس، وربما نهاية للحرب التي اندلعت بسبب هذا النزاع، كما أنه سيغنى الاجتهادات القانونية لهذه المحكمة ويعزز بالتالي مكانة القانون الدولي ومختلف قواعده.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.

back to top