في ظلال الدستور: تعديل اللائحة الداخلية واجب المجلس القادم صوناً ‏لذات الأمير (2-2)‏‏ ‏

نشر في 03-03-2024
آخر تحديث 02-03-2024 | 19:36
 المستشار شفيق إمام

بادئ ذي بدء فإن الخطاب الأميري يحتل في هذا الشأن جزءا رئيسا من هيبة الدولة، فرئيس الدولة في هذا الخطاب يحمل هموم أمته ومسؤوليته تجاه شعبه، وتجاه ربه، وهي أفضل المسؤوليات الإنسانية على الإطلاق، وهو ينطلق من هذا المقام الرفيع، حتى لو اشتد الخطاب في التوجيه والنصح والإرشاد والمحاسبة، فهو أب لأبناء هذا الوطن جميعا، وهيبته من هيبة الدولة، فإذا ضاعت الهيبة ضاعت السلطة، ويقول الكاتب الفرنسي الكبير دوستاف لوبون «إن الهيبة هي العامل الرئيس لكل سلطة».

وعطفا على مقالي المنشور على هذه الصفحة يوم الأربعاء الماضي تحت ‏العنوان ذاته، والذي ‏كتبته على هامش حل مجلس الأمة، بسبب القرار الصادر من المجلس، بما يشبه الإجماع ‏‏(44 صوتاً) من مجموع أصوات أعضاء المجلس المنتخبين ‏‏(خمسين عضواً) برفض ما قررته رئاسة المجلس ‏من شطب كلمة أحد الأعضاء، في ‏مشروع الجواب على الخطاب الأميري، ومن ‏منظور دستوري و‏قانوني، لا أملك سوى أدواته، بعيداً عن أي تقييم لهذه الكلمة، وما إذا كانت ‏تعتبر ‏إساءة إلى ذات الأمير، من عدمه، طرحت رأيا في مسائل ثلاث:

الأولى: حرية ‏النائب في ‏إبداء ما يرى من آراء وأفكار داخل مجلس الأمة (مادة 110 من الدستور).

اقرأ أيضا

‏الثانية: حق النائب المطلق ‏في نقد ما يراه مستوجبا للنقد في برنامج عمل الحكومة (مادة ‏‏98 من الدستور).

الثالثة: المبدأ الذي أرسته المحكمة الدستورية من أنه ليس هناك حق ‏دستوري مطلق، بل تقيده اعتبارات دستورية ‏أخرى منها حق الفرد في الخصوصية، ‏(حكم المحكمة الصادر بجلسة 8/11/1982) ‏وهو قيد يشمل بالحماية الأفراد عامتهم وخاصتهم، فأولى ‏أن تتقيد الحقوق الدستورية بصون ذات أمير البلاد المصونة بنص الدستور ‏‏(المادة 54 من الدستور) فهي الخصوصية التي تتعلق بصاحب السمو الأمير، باعتباره أبا لأبناء هذا الوطن جميعا التي يشمل صونها الجواب على ‏الخطاب الأميري ‏‏(المادتان 104 و105 من الدستور)، وقد تبوأ هذا الخطاب مكانه اللائق به في ‏الحياة ‏البرلمانية منذ بدايتها في 31 يناير سنة 1963، فأصبحت هذه المكانة فضلا عن صونها بموجب أحكام المادة (54) من الدستور عرفا ‏دستوريا ‏وبرلمانيا، في تطبيق أحكام المادة (105) من الدستور. ‏

نسوق ما يلي:‏

أولا: تقدير موقف الرئاسة:

وقد كان موقف رئيس المجلس الموقر موفقا، بثاقب بصره وبصيرته، في شطب من مضبطة جلسة ‏مجلس الأمة، ما جاء في كلمة النائب المحترم من آراء وأفكار حول مشروع الجواب ‏على الخطاب الأميري، وهو قرار حكيم كان يمكن أن ينأى بالمجلس عن هذه الكبوة التي وقع ‏فيها بتعريض المجلس للحرج الذي وقع فيه التصويت برفض الشطب بأغلبية 44 صوتا، من ‏مجموع أصوات أعضاء المجلس المنتخبين البالغ عددهم خمسين عضوا، الأمر الذي أدى إلى حل مجلس ‏الأمة.‏

وهو الحرج الذي ستقع فيه هيئة الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى لانتخاب مجلس ‏أمة جديد، بعد حل مجلس الأمة السابق، ذلك أن محور هذه الانتخابات سيكون تحكيم الأمة حول ‏ما جرى وأدى إلى حل المجلس السابق من تناول أحد أعضاء المجلس هذا الخطاب بالتحليل، بما قد ‏يعتبر خروجا على نص المادة (54) من الدستور أيضاً. وكم كنت أتمنى لو أن رئيس مجلس الأمة فور تقديم الاقتراح المقدم من بعض ‏الأعضاء بالتصويت على قراره بالشطب، استخدم صلاحيته في طلب عقد الجلسة بصفة سرية ‏إعمالا لأحكام المادة (93) من الدستور ليتمسك في هذه الجلسة بقراره، شارحا ‏أسبابه، ومنبها أعضاء المجلس إلى حقهم المطلق في نقد برنامج عمل الحكومة، بل تمزيقه إربا، لأن محل التصويت على هذا الاقتراح أمر يختص به القضاء، باعتبار أن ‏المساس بذات الأمير قد أصبح جريمة، يحرم من أدين فيها من حق الانتخاب ومن ثم من حق ‏الترشح لعضوية مجلس الأمة، وذلك بموجب قانون أقره مجلس الأمة الموقر بإجماع آراء ‏أعضائه في جلسته المعقودة بتاريخ

22/ 6/ 2016، فلا يجوز أن يكون هذا الأمر محلا ‏لمساجلات سياسية في جلسات المجلس العلنية.‏

والرئيس في هذا الشطب، إنما كان يطبق عرفا دستوريا وبرلمانيا، في تطبيق أحكام المواد 54 ‏و104 و105 من الدستور منذ بدء الحياة البرلمانية، من مكانه تبوأها الخطاب الأميري في كل أدوار انعقاد المجلس، وفي كل فصوله التشريعية، منذ بدء الحياة البرلمانية.

ثانيا: تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية

وقد فوض الدستور في المادة (117) مجلس الأمة بوضع لائحته الداخلية متضمنة نظام سير ‏العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت... وسائر الصلاحيات المنصوص عليها ‏في الدستور....‏

ولما كان ما جرى من تطبيق لنص المادة (105) من الدستور قد كشف عن لبس في تفسير أحكامها، أدى إلى حل مجلس الأمة، وتجنبا لتكرار ما حدث ووضعا ‏للأمور في نصابها الصحيح، ولمزيد من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحقنا للأزمة ‏التي قد تندلع نتيجة زلة لسان بغير قصد، في تطبيق أحكام هذه المادة، نقترح تعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية، بما يحقق الأهداف التالية:

ثالثا: أهداف التعديل

هي التوفيق بين نصوص الدستور، تحريا لمقاصده في تولي رئيس الدولة ومجلس الأمة، السلطة التشريعية، وفقا للدستور، (المادة 51) باعتباره أبا لأبناء هذا الوطن جميعا، وفي تولي سموه ومجلس الوزراء والوزراء السلطة التنفيذية على النحو المبين بالدستور (المادة 52)، وصونا لاستقلال برئاسة شرفية لرئيس الدولة القضاء بصدور أحكام القضاء باسم الأمير، حيث تتولى المحاكم السطلة القضائية، في حدود الدستور (المادة 53).

وفي النأي بالأمير عن أي مساءلة سياسية بجعل ذاته مصونة لا تمس (المادة 54) وإبعاد مسببات التبعة عنه، بالنص على توليه سلطاته بواسطة وزرائه (المادة 55) ليتبوأ بعد ذلك النطق السامي للأمير في افتتاح اجتماعات مجلس الأمة، مكانه اللائق به باعتباره خطابا إلى الأمة بأسرها، في أول اجتماع لممثليها (في المجلس التشريعي) سواء الذين حازوا ثقة الناخبين أو الذين حازوا ثقة الأمير، (الوزراء) (المادتان 56 و80). في هذا السياق فقد اعتاد الناس على مر العقود في هذا البلد تقدير هيبة الخطاب الأميري، الأمر الذي يقتضي قصر مناقشات مجلس الأمة حول الخطاب الأميري على جلسات اللجنة التي يؤلفها المجلس للجواب على الخطاب الأميري، والتي تعقد بصفة سرية، المادة (54) مع حق كل عضو في المجلس في إبداء آرائه وأفكاره داخل اللجنة، ولو لم يكن عضوا فيها، دون أن يكون مقيدا في ذلك بما تتطلبه المادة (54) من اللائحة الداخلية من موافقة اللجنة على حضوره أو الإذن له بالتدخل في المناقشات.

ولكل عضو أن يقدم ملاحظاته وأمانيه على الخطاب الأميري، كتابة إلى اللجنة وله حق حضور اجتماعاتها لشرح وجهة نظره، دون حاجة إلى موافقة اللجنة أو إذنها له بذلك، استثناء من أحكام المادة (57) من اللائحة ويجوز لعشرة من أعضاء المجلس طلب إعادة تقرير اللجنة ومشروع الجواب على الخطاب الأميري، الذي أعدته اللجنة إليها لتتم مناقشة هذا المشروع مرة أخرى داخل اللجنة فإذا قدمت اللجنة تقريرها النهائي بهذا المشروع إلى المجلس، يتم التصويت عليه دون مناقشة.

رابعا: نصوص تعديل أحكام اللائحة

مادة أولى: يضاف إلى نصوص اللائحة الداخلية، المشار إليها، نص المادتين التاليتين:‏

مادة (60) مكرر «تسري أحكام هذه اللائحة على اللجنة المنصوص عليها في المادة (104) من ‏الدستور بمراعاة الأحكام التالية:‏

‏1- لكل عضو حق حضور جلسات اللجنة وحق التدخل في مناقشاتها وإبداء ملاحظات على ‏مشروع الجواب على الخطاب الأميري، وأن يبعث بملاحظاته على المشروع كتابة إلى رئيس اللجنة لعرضها ‏عليه، مع حقه في حضور اللجنة لشرح وجهة نظره وذلك دون تطلب موافقة هذه اللجنة أو الإذن له ‏بذلك.‏

‏2- تعلن اللجنة الانتهاء من إعداد مشروع الجواب على الخطاب الأميري، في رسالة تبعث بها إلى رئيس المجلس تحدد فيها مهلة لأعضاء ‏المجلس لتقديم ملاحظاتهم على هذا المشروع كتابة أو في جلسة اللجنة التي تحدد في هذا الإعلان، ‏قبل إقرار اللجنة النهائي للمشروع وتقديمه إلى المجلس.‏

3- يجوز بناءً على طلب موقع من عشرة أعضاء إعادة تقرير لجنة إعداد ‏مشروع الجواب على الخطاب الأميري إلى اللجنة لإعادة النظر فيه، ويتم التصويت على الطلب ‏دون مناقشة.

4- تقدم اللجنة تقريرها النهائي إلى المجلس، متضمنا ملاحظات المجلس ‏وأمانيه، وبعد إقراره من المجلس يرفع إلى الأمير، ويكون تصويت المجلس على التقرير والمشروع دون مناقشة.

مادة ثانية: ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية.‏

back to top