نصيحة «الجيكر»
يقول قيس: تخرجت من الثانوية العامة وقُبلت في بعثة دراسية للطب في بريطانيا، أشار عليّ والدي أن أتزوج من ابنة عمي ليلى، حتى تؤنسني وتحفظني، وتعينني في غربتي، فالغربة موحشة وقاسية إن لم يكن معك أنيس، كنت أستلطف ابنة عمي، لكنني لا أشعر بانجذاب شديد لها، ولكني كنت شاباً مستقيماً ولا أحب أن أعصي والدي في أي شيء، وكانت فرصة أيضاً، فإما أن أقبل بها، وإما أن أرفضها وأعيش طوال فترة الغربة وحداني!
كنت أظن أن مع مرور الوقت سأحبها، فأنا قيس وهي ليلى، وكنت قد سمعت من جدّتي أن الحب يأتي بعد العشرة الطويلة والمواقف.
عشت في الغربة معها حياة زوجية مثالية، أمّ تهتم بأطفالها وأب يرعى شؤون أسرته، لكنني كنت لا أشعر بحلاوة الحب الذي كنا نراه في الأفلام ونسمعه في الأغاني! وكانت حياتنا مستقرة ومشاكلها عادية، زادت المشاكل الزوجية بيننا بعدما عدنا إلى البلاد ودخلنا في ميدان العمل، فكنت ألوم نفسي أحياناً بأنني تزوجت بهذه الطريقة التقليدية التي لم يكن لي فيها خيار آخر، وهذا ما كان يشعرني بالتعاسة والرغبة الداخلية في الانفصال والخروج من هذه الدائرة، عندما تضيق بنا الحياة ونتشاجر، فكنت أتنقّل بتفكيري، تارة مع الأفلام الرومانسية الحالمة، وتارة مع حكمة جدتي الحازمة.
بصراحة، كنت أشعر بشيء من السخافة والسذاجة عندما يقودني شعوري للانفصال، خصوصاً بعدما أنجبت منها ثلاثة أطفال! فكيف أُشتِّت شمل أسرتي، لمجرد أنني لم أستطع أن أحب ابنة عمي حب عبدالحليم حافظ لشادية!
لذلك، تأملت أكثر في مفهوم الجمال في الحياة الزوجية، فرأيتُني وسط علاقات حب متشعبة ولدَتْها لي زوجتي، واستشعرت جمال الدنيا في حب الأبناء الذي يفوق كل الأفلام الرومانسية، فقررت ألاّ أطلق أم أبنائي، بل أطلّق الأفكار الحالمة التي صوّرتها لنا الأفلام، فالدنيا ليست فيلماً سعيداً من تأليفي وإخراجي.
إن الواقع يقول لنا، إن الجمال لا يتمحور حول قصة حب بين عاشق حالم وامرأة جميلة، ومن حصر الجمال في الشكل فقد ظلم الجمال، وكلنا نعلم أنه ليس بالضرورة أن تكون الفاتنة الجميلة أُماً مثالية، بل قد تكون لصّاً مثالياً، يسرق العمر والمال والصحة والأولاد، (لا تبقي ولا تذر).
ومن المضحك أنني تذكّرت نصيحة لأحد زملائنا «الجياكر» أيام المدرسة، مفادها يقول: إن الفاتنة في جمالها ناجحة كعشيقة، تثير مشاعرنا وتشاغب عواطفنا، لكن زواجها خطر! فكل الأنظار عليها، فهي تسرق العيون بقصد أو بدون قصد، مما يشعرك أنها ليست لك وحدك! والجميلة مترفة، اعتادت على النجاح السهل في عالم العزوبية، الذي يجذب المعجبين لها من دون تعب، مما قد يجعلها أُمّاً فاشلة، عندما تكتشف أن النجاح في عالم الأمومة صعب، يحتاج إلى سهر وتعب وتضحيات، فالأمومة تعب كثير وإعجاب قليل.
وأما المسكينة قليلة الجمال، فلا يسعها إلا أن تكون أُمّا مثالية، وإلا ستكون مصيبة على رأس من يرتبط بها! «فلا جمال يسرّ النظر، ولا أمومة تُدّخر! وأعتقد أنها تدرك ذلك، وأنا شخصياً لن أتزوج من الجميلة المترفة لأنها في الغالب لن تكون أُمّاً مثالية لأبنائي!
ذكرت هذه النصيحة الطريفة ليس لتكوِين قاعدة عامة، ولكن لأهمية اختيار «الزوجة الأم»، لأن أصل الزواج يقوم على بناء أسرة لا تحويل حالة الإعجاب إلى ارتباط شرعي.